| الثقافية
تشكمُني الآتي كيلا أنامَ وأفوّت الزمن! آه، وتشلخُني كذباتي الصغيرةُ على من أُحب بأني لن أرحلَ هُناك، ولن أغيبَ هُنا، ولستُ أصلاً أعاني التعب الشقي والمُجهد!
ماذا أفعلُ تجاه أصدقاء لم يكُن غيرُهُم، ولم يكن في جماجمهم سوى فكرة الوباء عن مرضي، مرضي الذي نذرتُ له عُمري كُله، ليكُون، وليتوحد مصيرانا؟!
لا أحد يكادُ يُكهربُ أذنيه ليبرمج حقيقتي، حيث إني أتيت قبل تاريخي، هذا، شهر رجب 1421ه باثنتين وعشرين سنة وثلاثمائة وأربعة واربعين يوما، عدد العيون التي سيُكتبُ على أحجاري أنها سقطت من وجهي ومفاصلي، كما بنات المطر الحُمر في العصر النرجسي!
أتمنى لو أقبض على حريم العصرية الطفيليات، واللطيفات كثيرا، ليكتُبن لي عدد الخُيوط التي ظلت تعصرُ لي ألمي العاق، المُشوّه لانبساطها وإطراقها على هيكلي وسريري الأبيض!
أظن أنهن سيفعلن ما أرغبه بسرعة غريبة أهون من تلك التي كُنّ يُروعن بها أمي (زوجة أبي) من أني أتفاءلُ، على مصيري، بالسرطان، وأكتُب هذا لا حول ولا قُوة إلا بالله فالكتابةُ حرمانُ عافية، وخطر!!
,, والدوارُ شديد، بل هو الحرمانُ الوحيدُ في حياتي! لو أن الأجهزة المُوقظة، دوماً، تُرشِّحُ صوتي في دمِي، وتكتبُ عنِّي! لو أني أملكُ يدين بخمسة أصابع كالبشر! لو أني، كاملة، من البشر!
,, آه ! أعلمُ أن لي توأمة من البشر ماتت، وورثتُ انقطاف ذراعيها، ولا أكادُ أنسى توأمتي الجنيّة التي تُداعبُني الآن، من تحتِ الرخام المعقم، بالرماد الذي تبني لي منهُ عُشة دجاجة تسيرُ على أجنحتها، ورأس ثُعبانِ صغيرِ حاول التسلل في ظلها، ليقضم الأنابيب التي تحبسُني عنهم، وجمراً مُلونا كنا نلعب به مساء الكرة، ونقضم بُرودته المُشبعة ظهيرة التسلل من شبابيك المقيل المُزهِق!طبعا، وحدي كُنتُ القاصرة التي لا تعبر الجُدران، ولا ألأبواب، ولا تتحول إلى ناموسٍ يستعرضُ ضآلته في ثُقب المفتاح الكبير! كان لابد من مُجاهدة مفاتيح الأبواب الزرقاء، والسهو، أحيانا، بتقشير بويتها الحلوة!
إنها تملأ ذكري في مقامات لمّا أنته منها، بعدُ، حيث الدراسة العليا في عامها الثاني وحيثُ بضع قصص أطفال ستتم، وحيث أشخاص لابد من تقمص عداءات الجاهلية البدوية، لسحق غيظهم، وسُوئهم، وغضبهم على أنفسهم، ملالة مني، وانتقاما لكوني.
أتردد في كشف الحقيقة التي أغصُّ بها, لكني لا اريدُ أن أبقى في عظام من يراني الآن عليلة، مسكينة! المللُ، كان عفريتا يعُد ثواني كلِّ جهازِ يتعيشُ على انطراحي، وبقايا الطفولة المُرعبة,, مازالت تتسلل من رغائف مُخِّي الرقيقة، لتسبح على الحائط العريض، وعبر الحديد، وعبر أوراق الدكتور المسكين ونظاراته!
هي وتوأمتي الشبحية، حضرتا نصا جميلا من مغامرات (نمنم المسكون) وأطبقتاه على الطبيب في فورة صورة يراني واقفة فيها، أمزق السرطان، من جسدي المشقوق، كُرات مُلونة، عفنة، وأضربها في الجدار، والجدار، والباب، البلاط، وفي وجهه وبياضه الطبي الباهت، والمُسلّي!
كانَ مُسليا، ويُضحكني، وكان مُسببا لسُقوطه في أزمة ذهنية قد تعيق ازعاجه لي بضعة أيام!
صحيحٌ أنها جريمة ارتكبتها مع توأمتي الحبيبة, لكنه، مُذ عرفتُه، وهو يُخطط لجريمة أبشع وأخفى، يحرمُني، فيها، توأمي الثالث الذي يصمُهُ جُرأة مُبكية بالمرض القاتل والمنفر!
لم أسكن لأحد من البشر، قط، ولما تزل المخلوقات الإنسية تُرعبني، وتسلخني منها حتى انسبتُ مع أهلي الذين يعبُرون كل شيء، ويُفاجئون الفخار بأنه مُجرد هواء مُلون، بل كُل المنازل، والعوازل، وغرف الانعاش، والإبر، والتقارير، مجردُ هواء مُلون، تجتازُه زُلفى، وأجتازه معها، أجمع بصماتِ الأيدي التي حاكتها لتكون ضدي، لتوهمني أنها ضدي، وأنها لا تُريدني، وتخافُ مني، من مرضي ووهمي!
لا أدري ما المُثلثاتُ الصغيرة التي تتكومُ تحت جلدي المُتطرق! هل تُداعبني توأمتي، وتخرج من جسدي تمساحا يتغطى بحراشيفه المُنتفخة، المُتيبسة؟!
أعلمُ أنه أنا، وليس هي، وأعلنُ أنها،الآن، مازالت تُهرّبُ قريتي من مكانها، لنلعب سَبع الحَجر وعظيم ساري (أول أغاني وأجملها ركضا) قبل أن تهضمني المدينة التي أحنو عليها من سفري عنها، وحيدة، مُغبرّة بالدخان، والزُّجاج، والعمائر التي لا تجدُ من يُدغدغ صلبها المحروم من الزائرين الخارقينَ وأصحابِ المرَح!
عظيم لاح!
وين سرَي؟
وين راح؟
|
|
|
|
|