| الثقافية
ذكرنا في الحلقة السابقة ان الرواية كانت عند العرب تعني النقل، وهي نقل الخبر من مكان إلى آخر,.
لذلك لم نجد في القرآن الكريم لفظ رواية لكننا نجد لفظ قصة، والمقصود بها العبرة والموعظة، فالقصة في مجملها مباشرة ذات هدف واحد محدد يسهل نقله وروايته والاستفادة منه استفادة آنية بالإمكان تكييفه في أي ظرف يقتضيه المقام ديني أو تاريخي أو تشجيعي,, وكانت في أساسها وعظية عند الكهان تحت مسمى (رواية) وهي قائمة على القصص الديني الوعظي الذي قام على الفلسفة الدينية (Theology) يتخذ مادته من التاريخ القديم ويضرب فيه الواعظ الأمثال والعبر للناشئة لعلهم يتعظون بما أصاب الذين من قبلهم, وكلما وجدت القراءة والكتابة في مجتمع قلت القصة الشفوية وانتشرت القصة المقروءة، لأن القارئ يفضل أن يقرأ بنفسه ويستوعب ما يقرؤه دون أن يستمع إلى من يقرأ عليه، إلا القصة الإخبارية، فإنها شبيهة بالشعر الشعبي الذي لا يصلح إلا للاستماع، والسبب في ذلك، الإلقاء فالإلقاء يعطي عملا كهذا نوعا من تجميل الحدث، ويعود ذلك إلى ما يتمتع به الراوي، ويختلف الحدث من راو إلى آخر، فهناك راو يعطي الحدث قيمة أكبر من الحدث نفسه، فيصبح الحدث جميلا ذا قيمة فنية، وبالتالي نجد الراوي ولا نجد الرواية, والعكس صحيح في مثل هذه الحالات، فالرواية تحتاج إلى قارئ ولا تحتاج إلى نقل شفهي، فالقصة لا تحتاج إلى هيكل بنائي، وقد تكتفي بالراوي والحدث الذي تدور في فلكه، لذلك يمكن ان يكون كل الناس رواة لما يحدث لهم من قصص في الحياة اليومية، لكن لا يمكن أن يكونوا روائيين، فالنقل لا يكفي في تكوين رواية، لكنه يكفي في تكوين حدث من الأحداث اليومية.
إن أهم سؤال يطرحه المتلقي بعد الفراغ من قراءة القصة، هل تركت في النفس أثرا لا ينسى، وهل هذا الأثر الذي تركته ناتجا عن سلسلة من الأحداث، أو عن شخصية من الشخصيات، أو عن فكرة من الفكر، أو عن صورة المجتمع في فترة معينة، أو لجماعة من الجماعات؟؟, كثير من التساؤلات تدور في أذهان الكثير من القراء بعد الفراغ من قراءة العمل، وإذا لم يترك العمل انطباعا في نفس قارئه فإنه لا يعتبر عملا حقيقيا وسيكون فيه قصور من ناحية من النواحي، ، لعل الحدث يكون أوضح هذه العناصر وأكثرها شيوعا في القصص حول الوقائع، مثل المغامرات والمخاطر.
ولكي يحقق الكاتب السيطرة على الحادثة، يعمد إلى طريقة مبسطة سهلة، فهو يرسم المشاهد ويصف المواقع التي تدور فيها الأحداث, كم من رواية عرف القارئ بلادا لم يزرها من خلال قراءته لهذه الرواية، وقد لا يظفر بمعلومات كهذه لو زارها، لقد عرف الكثير عن مدينة القاهرة من خلال ثلاثية نجيب محفوظ، وبطن البقرة، لخيري شلبي، وغيرها من الروايات التي استطاع كتابها القيام بوصف المدينة من خلال حركة البطل والشخصيات التي لها الدور الفعال في العمل الروائي، ما لم يعرفوه من كتب التاريخ والجغرافيا التي قدمت المعلومات عنها بطريقة جافة ليست فيها سلاسة اللغة الروائية والشخصيات التي تعطي العمل الروائي دفعة تميزه عن غيره من الوصف التاريخي.
|
|
|
|
|