| مقـالات
بما أننا في عام (الرياض عاصمة الثقافة العربية) فيجب ان نلتفت الى تاريخ الرياض الاجتماعي، فمدينة الرياض منذ أن استرجعها الملك عبدالعزيز رحمه الله وهي حافلة بالاحداث الاجتماعية، التي اثرت في سكان المدينة، وفي زائريها من الاقاليم المجاورة او البعيدة، وهذا التأثير متعدد الجوانب، فهناك التأثير الديني، والتأثير المالي، والتأثير المدني، وغيرها من التأثيرات المختلفة.
فالعاصمة في كل دولة تحمل الطابع العام للدولة برمّتها، لأن سكان العاصمة ليسوا فئة واحدة، وإنما هم فئات مختلفة، يمثلون أقاليم الدولة، وإن كانت كبيرة، ومترامية الأطراف, ويبرز في التاريخ الاجتماعي رموز لها تأثير في فترات معينة، وقد يهملها التاريخ، على الرغم من أهميتها، وتأثيرها في حياة سكان المدينة، في مدة معينة، قد تطول وقد تقصر, ومن تلك الرموز في مدينة الرياض ابن ماجد مؤذن المسجد الجامع في قلب العاصمة، فقد استمر في الأذان في هذا المسجد أربعين سنة، لم يُعرف عنه التأخر، بل كان رمزاً للانضباط في رفع صوته بالأذان عند دخول وقت الفريضة، وقد عرف رحمه الله بالورع وحسن الخلق والاستقامة، بالاضافة الى ما اشتهر به من حسن الصوت، حيث كان صوته يدعو الناس الى الخشوع والاسراع الى المسجد، فإذا رفع ابن ماجد صوته بالأذان أغلقت أبواب الحوانيت، وانقطع الحديث، وهيمنت السكينة على الأسواق التي يتوسطها الجامع، واخذ المسلمون يتابعونه حتى يفرغ من الأذان، في خشوع لا تجده في الناس عند سماع مؤذن آخر, لقد كان صوت ابن ماجد محبوباً لكل إنسان في مدينة الرياض، بل إن الناس قد ألفوه وأحبوه، وأصبح صوته إعلان حق، يترقبه كل مسلم بلهفة, ولصوت ابن ماجد وقع خاص في أذن كل مسلم في مدينة الرياض حين يرفع صوته الرخيم منادياً لصلاة المغرب في رمضان، فيهرع الناس للإفطار في خشوع تام، ومتابعة للمؤذن الذي تميز بصوته المحبوب وفي مناداته لصلاة الفجر يكون صوت ابن ماجد رادعاً لكل متأخر في السحور، فيتوقف عن الأكل والشرب في رضاً وخشوع, ولا تسأل عن فقد صوت ابن ماجد في مدينة الرياض، فقد علا الوجوم الوجوه، ولم يألف الناس الأذان بصوت آخر إلا بعد زمن طويل, رحم الله ابن ماجد، فقد كان رمزاً من رموز الحق، لم يَنسَه الناس في مدينة الرياض، فكلما حلَّ ذكره ترحموا عليه، ودعوا له بالغفران، ودخول الجنة, وإذا كان ابن ماجد قد هيمن على القلوب بصوته المؤثر في الأذان, فإن هزاعاً كان له الاثر الكبير في الإعلان عن قرب الصلاة في الأسواق، فقد استمر في رفع صوته في الأسواق (الصلاة) عشرات السنين، فإذا سمع أهل الحوانيت نداء هزاع عرفوا أن الأذان قريب، فقد ألفه الناس، واستمرأوا صوته، فهو يمرُّ في السوق في هدوء، رافعاً صوته، بدون تدخل أو إزعاج، ولذلك فان السوق يقل نشاطه في دقائق قليلة، قبل ان يرفع ابن ماجد الأذان معلناً دخول وقت الفريضة, رحم الله هزاعاً ، لقد كان رمزاً في سوق الرياض المركزي بصوته، ورمزاً في السوق بلباسه المميز, لقد مضى لسبيله بعد ان ترك أثراً في النفوس لا ينساه كل مرتاد لسوق الرياض أو مشتغل في تجارته في السوق.
ومن الرموز الاجتماعية ابن شليل، ذو القامة المديدة والثوب المرودن, لقد كان ينتظر وصول الموكب الملَكي الى الصفاة، فإذا أطلّ الموكب المهيب، واقترب من القصر في منظره الرائع، حيث (الأخوياء) على جانبي السيارة التي تقلُّ الملك، وقد تزيّوا بأزيائهم المزَبرَقة، اعتدلت قامته بعد انحناء، ورفع صوته الجهوري قائلاً: (لا إله إلا الله، اذكروا الله يذكركم)، ثم تابع الدعوات للملك في موقف يرغم كل مارٍّ على الانتباه والمتابعة، كل ذلك وهو لا يبرح مكانه، ولا يتجه الى الموكب، وإنما يؤدي قوله ذاك في كل يوم يقصد فيه الملك قصر الحكم في الديرة في قلب الرياض.
لقد اختفى ابن شليل في هدوء، ولم يسأل عنه أحد، على الرغم من الدور الرائد الذي قام به في الدعاء لقائد المسيرة، في كل يوم يتجه فيه إلى الجلوس في القصر.
وبالاضافة الى هذه الرموز فهناك أماكن لها تاريخ في قلب العاصمة، مثل الجفرة التي استمرت لعشرات السنين، وهي مقصد للمستدينين، فحوانيت الجفرة لا تبيع بيعاً ناجزاً الا في النادر، ولكنها تعتمد على البيع المؤجل بربح، وهناك سوق الحساوية عندما كانت الخياطة سعودية، ولم يُعرف الخياط الوافد، لقد كان هذا السوق مقصداً للمشتري، فلا يعرف غيره في مدينة الرياض, وبما أننا الآن في زمن ازدهار الفن التشكيلي، وإبراز صورة الماضي، فأين رسومات تلك الاسواق التي تحافظ على مكانتها التاريخية؟ هل نقول عن الفن التشكيلي إنه مقصر!! وأين رسومات المواكب، وعادات الملوك في الركوب والسير، إننا ننتظر من الفن التشكيلي الكثير، فهل يستجيب في عام الرياض عاصمة الثقافة؟!
|
|
|
|
|