| الريـاضيـة
قلت (في منتصف الأسبوع) الماضي: لعله من محاسن الصدف ان يتوافق احتفاؤنا هذا العام بذكرى يومنا الوطني السبعيني مع حدثين هامين احدهما مشاركتنا في دورة الألعاب الأولمبية السابعة والعشرين في سيدني بأستراليا.
وأضفت:
بغض النظر عن النتائج إذ ان هذا الموضوع (السابق) يُكتب ولما تتضح الرؤية بعد عن نتائجنا في الاولمبياد، وان كانت الرؤى تشير بإذن الله إلى بعض النتائج المشرفة في اشارة مبطنة إلى نتائج بعض ألعاب القوى في التصفيات التمهيدية وايضا وضع منتخب الفروسية,, فإن الميدالية الحقيقية بهذه المناسبة هي في عطاءات الدولة للشباب، وايمانها على مدى تاريخها الطويل وتعاقب الأجيال والقادة بأهمية الشباب، ودوره في بناء الأمة متمثلاً ذلك العطاء في تسخير كافة الامكانات الفنية والمادية مع التركيز على الاهتمام بتأهيل الكوادر جنبا إلى جنب مع بناء المنشآت لتحقيق التكامل في عملية البناء,,,الخ, حتى إذا ما توافق ذلك مع ميلاد شخصية فذة قادرة على ترجمة ذلك الاهتمام إلى واقع عملي (وأعني صاحب السمو الملكي الامير فيصل بن فهد يرحمه الله) كان التجاوب سريعا,, والنماء على قدر العطاء.
ولست في حاجة هنا ان اعيد ما طرحته في مقالة (منتصف الاسبوع) الماضي، لكنها ايماءة لابد منها كمدخل لما حققه بطلنا هادي صوعان,, من انجاز غير مسبوق بتحقيقه الميدالية الفضية في سباق 400م حواجز في دورة الالعاب الاولمبية ال27 التي اختتمت امس الأول في سيدني باستراليا.
هذا الانجاز الذي أحال سرابا كنا نحسبه على مدى سنين طويلة من المشاركات الاولمبية والقارية ماء,, حتى إذا جئناه لم نجده شيئاً,, إلى ماء زلال يروي ظمأ نفوس متعطشة ويساعدها على الوقوف في الصف بكل ثقة وشموخ.
جاء هذا الإنجاز ليؤكد حقيقة كنا ننادي بها منذ مدة (وكان البعض يظنها نظرية) وهي ان الاهتمام بالالعاب الفردية هو السبيل الأمثل والأسرع للوقوف مع الآخرين على منصات التتويج وارتقاء سلم المجد.
وهذا ما نادى به,, وركز عليه باني نهضتنا الرياضية الحديثة وواضع اسسها الراحل العظيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز الذي اشار ذات مرة الى ان مرحلة المشاركة من اجل المشاركة فقط واكتساب الخبرة قد انتهت وحان وقت المشاركة بهدف المنافسة ومن اجل الفوز,,, وعليه فلابد من الاهتمام بالالعاب الفردية,, وايضا لا بد من دعم كل إنجاز يتحقق,, من خلال دعم الاتحادات الرياضية التي تتمكن من تنفيذ برامجها على الوجه الصحيح، وتترجم هذا الدعم إلى نتائج ملموسة، وان يكون هناك تقويم دائم ومستمر لهذه البرامج.
,, وها نحن اليوم,, نجني ثمار تلك الرؤى وبُعد النظر لدى سموه الكريم يرحمه الله.
لقد تجاوز هادي صوعان المسافات,, واختصر الزمن وترجم ذلك التوجه,, في فترة قياسية لا تقاس بعمر الزمن.
واستطاع هذا ال(هادي) ان يتميز بضده ف(بضدها تتميز الاشياء) وان يكون (سريعا),, وهو يخطف الابصار,, ويسحر الالباب,, ولولا ارادة الله,, ثم خبرته القليلة,, وبعض من الحظ,, لكان الانجاز انجازا مضاعفا لانه فعلا انجاز واعجاز.
وإذا كنا نثني على هذا الانجاز لهادي صوعان,, ونثمن هذا النجاح,.
وإذا كنا نصفق اعجابا لهادي,, ونذكر اسمه زهوا ونردده فخراً,.
فإننا كأمة طبعها الوفاء,, ومن شيمها الوفاء لابد ان نذكر بالخير,, كل من سبق هادي,, وكل من وضع لبنة في هذا البناء,, الذي وصل من خلاله هادي صوعان لمنصة التتويج.
ان هذا الانجاز,, هو امتداد لانجازات اخرى، امتداد,, لفوز سعد شداد بالميدالية البرونزية في كأس العالم لالعاب القوى في فترة سابقة.
وهو امتداد,, لمرحلة البناء التي بدأها الابطال السابقون,.
انني اتذكر,, ويتذكر غيري، حميد جمعان,, سعد خليل,, هثيمي المنديل,, غازي مرزوق,, بلال سعيد,, محمد البحيري,, حمد القميزي,, ريحان الريحان,, وغيرهم ممن لا تحضرني اسماؤهم الآن,, ممن كانوا يحفرون بأقدامهم المضمار الترابي,, ويرتمون باجسادهم على تلك الفرش,, او يحملون العصا,, والرمح,, قبل دخول التحسينات عليها,, وكانوا يحملون ارقاما مميزة في سباقاتهم,, ونوعية مشاركاتهم,.
لابد ان نذكر بالخير,, مرحلة البناء الحقيقية لألعاب القوى في منتصف التسعينيات التي رافقت الانطلاقة الرياضية الكبرى عندما تولى صاحب السمو الملكي الامير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز رئاسة اتحاد ألعاب القوى ووضع لبنات اساسية,, وتحقق في عهده الفوز بأول ميدالية سعودية في البطولات العربية,, وخلال تلك الفترة استطاع ريحان الريحان تسجيل رقم قياسي عربي في الوثب بالزانة وفاز بالميدالية الذهبية.
والذين يعرفون اسرار اتحاد ألعاب القوى تلك الفترة يذكرون بعض القرارات الجريئة لسموه دونما دخول في تفاصيلها من اجل اعداد المنتخب,, وأبرزها تلك التي شارك خلالها في البطولة العربية للناشئين بتونس وحقق نتائج مشرفة.
نذكر ذلك كله كنوع من الوفاء,, دون ان نقلل من قيمة الانجاز,, بل انه يعتبر الافضل والأغلى حتى الآن في تاريخ الرياضة السعودية,, نذكر ذلك كنوع من الوفاء,, لكننا وللحق لابد ان نقول ان هذا الانجاز هو ثمرة العمل البناء والمخلص من اتحاد ألعاب القوى.
هذا الاتحاد,, الذي منذ ان ترأسه صاحب السمو الأمير نواف بن محمد,, وعرف كيف يختار نوعية الفريق الذي يعمل الى جانبه,, استطاع ان يحدث انقلابا في مفهوم هذه الرياضة لدينا.
وسموه ليس في حاجة لشهادتي,, فانجازات رياضة العاب القوى في عهده تشهد بذلك,, وهو الذي اثبت نجاحه الاداري والتنظيمي قبل دخوله الى عالم الاتحادات الرياضية,, بل ان ذلك النجاح كان الاساس وجواز المرور,, بل والمستند الذي تم تكليف سموه بناء عليه برئاسة هذا الاتحاد العام,, وكان اهلاً للثقة وعلى تحقيق الانجاز في ظل ظروف,, قد لا تساعد على النجاح في بعض الاحيان إذا لم يتوفر قيادي قادر على التعامل معها,, وتطويعها,, وتذليل الصعوبات المواجهة,, ويحق ل(ابومحمد),, ان يقول وبكل فخر وزهو:
(نفخر بأن اتحاد العاب القوى هو اول اتحاد يقدم للمملكة ميدالية في الالعاب الاولمبية).
** وماذا بعد,,؟!
نعم,, وماذا بعد هذا الانجاز,,؟! بعد ان ارتفع العلم السعودي خفاقا في الاستاد الاولمبي,, على مرأي من ملايين,, بل ومليارات المشاهدين.
وبعد ان تناقلت وكالات الانباء العالمية,, اسم هادى صوعان,, واسم المملكة العربية السعودية.
ألم يأن الأوان,, لندرك كيف تكون الرياضة وسيلة حضارية,.
ان ندرك كيف يمكن لشخص واحد,, ان يحقق لبلده من المكانة,, والصدى الاعلامي,, ما لايحققه فريق متكامل,, سواء كان هذا الفريق رياضيا,, او خبيرا في مجال العمل الاعلامي,, بهدف رسم صورة ما عن هذا البلد,.
وعليه وهذا هو المهم ان ندرك كيفية استثمار ذلك,, استثمارا حقيقيا نحقق من خلاله ما نريد من وسائل اعلامية موجهة,, عن شئوننا الخاصة والعامة,.
عن سلوكياتنا,, وتقاليدنا,.
عن ديننا,, ومعتقداتنا,.
ان الرياضي بحكم مؤهلاته,, وظروفه,, خير وسيلة لتمرير مثل تلك الرسائل,, إذا ما عرفنا كيف يمكن إعداده لهذه المهمة,, وتحميله تلك الرسالة,.
وماذا,, بعد هادي؟!
اعتقد ان هذا هو السؤال الذي يجب ان يطرح الآن,, حتى لا نظل نتغنى بأمجاده,, كما تغنينا بأمجاد غيره زمنا,.
اننا امام حقائق ثلاث,, لابد من الايمان بها,, والعمل على تفعيلها,, إذا ما اردنا استمرار (هادي صوعان) الرمز,, وليس الاسم,.
أولاً:
إن هذا الفوز الذي تحقق لهادي صوعان هو نتاج طبيعي للاهتمام الكبير الذي وجده من قبل اتحاد العاب القوى ودعمه,, وهو ايضا نتاج طبيعي لاهتمام اللاعب بنفسه,, ومحافظته وسلوكه,, والتزامه سواء في حياته الخاصة,, أو حياته الرياضية,, وهي رسالة لكل رياضي يرنو الى النجاح وتحقيق الانجاز.
ثانيا:
الاهتمام ب(هادي) كخطوة اولى,, من خلال دعمه وتشجيعه,, هذا الدعم والتشجيع لا يأتي فقط بالمكافآت المادية التي عادة ما يكون اثرها,, او مردودها وقتياً,, ولكن من خلال البحث عن سبل تكفل استمراريته,, بل والرفع من مستواه,, واقلها تفريغه تفرغاً تاماً لهذه اللعبة,, وقد قرأت خبرا مفاده ان اللجنة الاولمبية تدرس ذلك,.
ولماذا الدراسة,؟!
إن امراً كهذا,, لا يحتاج لدراسة وعرض وانما لقرار عاجل,, وأبسط الامور إعارة خدماته من وزارة المعارف إلى اللجنة الاولمبية,, على ان يصرف راتبه من الجهة المستفيدة او من جهته الأصلية وهو أمر معروف في نظام الخدمة المدنية.
هذه الاعارة كما هو معروف تكفل له حق العودة لوظيفته الأساسية عند انتهاء مدة الاعارة، وهي مدة وقتية,, بحيث يضمن امانه الوظيفي بعد الاعتزال.
الثالث:
العمل على اعداد وتجهيز اكثر من (صوعان) واعني اكثر من بطل,, من خلال تبني سياسة تتخذ من المنهج العلمي اساساً للوصول إلى الهدف، ومن الدراسات والبحوث التي تأخذ في اعتبارها الاوضاع الاقتصادية والطبيعة الجغرافية مجالاً له دوره في بروز المواهب وصناعة الابطال,, ثم اعتماد الكشافين (كشافو المواهب) عيونا تتابع عن كثب المواهب في المدارس وغيرها,, ومن ثم تعريف الاتحاد بها لتبنيها وتعهدها بالرعاية حتى تنمو,, وتصبح اساسا في منتخباتنا الوطنية.
وإلى جانب هذه الخطوة,, ثمة خطوة اخرى لا تقل اهمية,, وهي تقنين المشاركات,, واعتماد نوعية المسابقة وفق ظروفنا,, وطبيعة ابطالنا,, وامكاناتنا اذ من الطبيعي اننا لا يمكن ان نتفوق في جميع المسابقات بها ربما ان بعض المسابقات قد لاتتوافق وطبيعة القدرات السعودية,, وامكاناتها.
على سبيل المثال:
هل يمكن ان ننافس على سباق 100م,؟! او نفكر فيه,؟! رمي الرمح,؟! الوثب العالي,,؟! رمي المطرقة,,؟! الخ من الالعاب المنوعة بحيث يتم اختيار الابطال وتدريبهم وفق المسابقات التي نرى امكانية التفوق فيها,, واعتقد ان المسافات المتوسطة,, والطويلة,, والوثب,, هي الاقرب والاكثر ملاءمة لتكوين الرياضي السعودي,, وقدرته على المنافسة,.
ويبقى ما هو اكثر اهمية ويجب ان يسير في خط متواز معها,, اعداد الرياضي اعدادا سليما مبنيا على المنهج العلمي الصحيح الذي يأخذ في الاعتبار كافة عوامل البناء من اعداد,, وتدريب ونظام غذائي,, الخ,, من امور اساسية في اعداد الرياضي وهي امور وبرامج تختلف من لعبة لأخرى ومن رياضي لآخر.
* والحقيقة الثالثة الأخيرة هذه لا تنطبق فقط على اتحاد العاب القوى، وانما ايضا تعني اتحادات الالعاب الفردية الأخرى التي تتحمل جزءا من المسئولية في اعداد الابطال للمحافل الدولية.
أخيراً,,,وليس آخراً
لقد جاء هذا الانجاز من هادي صوعان ونحن نحتفي بيومنا الوطني,, اغلى هدية بهذه المناسبة,, من البطل هادي,, الى كل مواطن في هذا البلد,, والى كل من زرع بذرة خير فيه,.
هدية لكل من قدم دعما معنويا,, او ماديا لشباب هذا البلد,, ولرياضييه على وجه الخصوص.
هدية لكل الذين سبقوا هادي وساهموا بجهدهم ووقتهم في بناء رياضة العاب القوى.
هدية,, ولا كل الهدايا (لسلطان السعد),, صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز الرئيس العام لرعاية الشباب,, في اول مشاركة عالمية في عهد سموه الميمون الذي هو امتداد لعهد سلفه الراحل فيصل بن فهد ليكون خير خلف لخير سلف.
وهدية لنجل ذلك الامير صاحب السمو الملكي الامير نواف بن فيصل بن فهد نائب الرئيس العام لرعاية الشباب وهو يرئس اول بعثة اولمبية,, بعد دخوله هذا المجال.
فاللهم اجعلها فاتحة خير,والله من وراء القصد.
الكتروني: raseel@ La. com.
|
|
|