أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 3rd October,2000العدد:10232الطبعةالاولـيالثلاثاء 6 ,رجب 1421

عزيزتـي الجزيرة

من روائع ما نثره الطنطاوي
والله هذه حالنا,, فلسنا نلومك
عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
كنت أقرأ في كتاب من حديث النفس للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله فشدني موضوع هو من الأهمية مني بمكان علاوة على أسلوب الشيخ السلس الفكاهي المرح الخفيف فأحببت أن أشرك اخوتي المعلمين في قراءته وأهمس في آذان المسؤولين في وزارة المعارف واقع المعلمين اليوم فأعانهم الله على تحمل تربية طلابهم، يقول الشيخ رحمه الله رحمة واسعة ونور ضريحه فلله دره من كاتب أديب: قلت لصديق لي أديب إني لأقرأ لك منذ عشر سنوات فما رأيتك اسففت اسفافك في هذه الأيام واني لأشك أأنت تكتب ما تكتبه أم يجري به قلمك وأنت نائم فتأخذه فتضع عليه اسمك فماذا عراك أيها الصديق فأضاع بلاغتك ومحا آيتك.
قال: دعني يا فلان دعني,, فإن سراج حيائي يخبو وشمعتي تذوب وما أخالني إلا ميتاً عما قريب أو دائراً في الأسواق مجنوناً، إنني أنتهيت بعت رأسي وقلبي برغيف من الخبز, قلت: أربع عليك أيها الرجل وأخبرني ما بك؟ فلقد والله أرعبتني، قال: وماذا بي إلا أني معلم في مدرسة ابتدائية، نهاري نهار المجانين وليلي ليل القتلى، فمتى أفكر؟ ومتى أكتب؟ وأنا أروح العشية إلى بيتي مهدود الجسم مصدوع الرأس جاف الحلق فلا أستطيع أن أنام حتى أقرأ مائة حماقة وأصحح مائة كراسة فأعمي عيني بقراءتها والإشارة إلى خطئها وبيان صوابها وتقدير درجاتها فإذا انهيت من هذا كله ولا يقرأ التلميذ من كل هذا شيئاً ولا ينظر فيه عمدت إلى دفتر تحضير الدروس وهو الموت الأحمر والبلاء الأزرق الذي صب علينا هذا العام صباً، فكتبت فيه ماذا أنا فاعل غداً في الفصل دقيقة دقيقة ولحظة لحظة, وماذا أنا قائل من كلمة ومقرر من قاعدة أو ضارب من مثل حتى اذا بلغت آخر كلمة فيه استنفذت آخر قطرة من ماء حياتي فسقطت من مكاني قتيلاً فحملت إلى السرير حملاً فنمت نوماً مضطرباً ملؤه الأحلام المزعجة والصور المرعبة فأحس كأن أمامي ركام الدفاتر التي أصححها غداً فلا أنجو منها حتى ابصر المفتش يتكلم من فوق المآذن فلا يدع قاعدة من قواعد التربية ولا نظرية من نظريات التعليم ظهرت في فرنسا أو في انجلترا إلا أرادني على تطبيقها في فصل فيه سبعون تلميذاً قد حشيت فيهم المقاعد حشواً وصفوا على الشبابيك ووضعوا على الرفوف مما لا يرضى عنه مناهج التربية ولا قانون من قوانين الصحة، فإذا انمحت هذه الصورة رأيت كأني أفهم تلميذاً وهو يصغي إلي ولا يفهم فأكرر وأعيد فلا يفهم فأقوم إليه أنظر ما يصنع فإذا هو منصرف دبيره يربط رجلها بخيط فإذا شتمته أو أخرجته من الفصل ذهب يستنجد القانون فينجده القانون الذي حرم العقوبات كلها وكف يد المعلم وشد لسانه بنسعة,, ولا زالت الأحلام تنوء بي فانقلب من جنب إلى جنب أحس كأن رأسي من الصداع بثقل أحد حتى يصبح الله بالصباح فأفيق مذعوراً وأخشى أن يسبقني الوقت فلا أدري كم ركعت وكم سجدت ولا كيف أكلت ولبست وأهرول إلى المدرسة لا أستطيع التأخر عنها ولو طحنتني الأوجاع أو حرقتني الحمى لأن المعلم لا يسمح له القانون أن يمرض في أيام المدرسة وعنده أربعة اشهر عطلة الصيف يستطيع أن يمرض فيها فإذا خالف ومرض حرم الراتب ومنع العطاء هكذا كان قانون تلك الأيام أغدو إلى المدرسة فأدخل على تلاميذ السنة الأولية وهؤلاء هم تلاميذي لم يجدوني أهلاً لأكبر منهم,, فلا أنفك أقطع من عقلي لأكمل عقولهم، وأفرق نفسي لأرقع نفوسهم، ثم لا أفلح في تعليمهم ولا أنجح في تفهيمهم ولا أدري من أين السبيل إلى مداركهم؟ فأنفق ساعة كاملة أقلب أوجه القول واستقرئ عبارات اللغة وأفهمهم كيف يكون الاسم هو الكلمة التي تدل على معنى مستقل في الفهم وليس الزمن جزءاً منها فلا يفهمون من ذلك شيئاً ولا أقدر أن أطرح هذا التعريف السخيف أو استبدل به فأهذي ساعة، ثم أقول: من فهم؟
فيرفع ولد اصبعه فأحمد الله على أن واحداً قد فهم وأقول: قم يا بني بارك الله فيك فأخبرني عن معنى هذا التعريف فيقول: يا أستاذي هذا داس قدمي، فأصيح بالآخر لم دست على رجله يا شيطان؟ فيقول: والله لقد كذب ما دست رجله ولكنه عضني أمس، وتتطوع العفاريت الصغار للشهادة للمدعي والمدعى عليه ويزلزل الفصل، فأضرب المنصة بالعصا وأسكتهم جميعاً مهدداً من يتكلم بأقسى العقوبات ولا ادري أنا ما أقسى العقوبات هذه؟ فينحنسون ويبلسون، فأعود للدرس فإذا هو قد طار من رؤوسهم على أنه ما استقر فيها قط، وينفخ في الصور فتقوم القيامة ويخرج الأولاد إلى الفرصة ثم نرجع إلى درس القرآن فأقول: من يحفظ سورة الفاتحة؟ فيتصايحون: أنا، أنا، أنا,, سكوت واحد فقط,, اقرأ أنت: الحمد لله رب العالمين,, إياك نعبِد، فأقول: اياك نعبُد، فيقول: اياك نعبِد، ويحك: نع بُ د، فيقول: نع ب د، انتبه يا بني نع بو د فيقولها، حسن قل نعبُد فيقول: نعبَد فلا نزال في نعبَد ونعبِد حتى ينتهي الدرس ولا يلفظونها إلا بالكسر لأنهم حفظوها من السنة الأولى خطأ ولا أزال في هذا البلاء بياض نهاري ولا يأتي المساء وفي بقية من عقل أو أثره من قوة ثم لا أنا أرضيت الوزارة ولا أنا نفعت أبناء المسلمين ولا أنا انصرفت إلى مطالعاتي وكتابتي وهذه مكتبتي لم أدخلها من أول العام الدراسي وهذه مشروعات المقالات والبحوث التي أكتبها هذه مسودات الكتاب الجديد الذي أؤلفه مبثوثة في جوانب الغرفة ضائعة مهملة أفتلومني بعد على ألا أجود في هذه الأيام؟ .
فنقول: والله هذه حالنا فلسنا نلومك فرج الله عنا وعنك، فهل المعلم آلة تعبأ بالوقود أو توصل بالتيار؟ إن المعلم تقل كفاءته قطعاً عندما يكون مثقلاً بكم هائل من الدروس فسيقوم بما عليه اعذاراً إلى الله تعالى وابراءً للذمة فقط إما أن يعطي عطاء كاملاً فلا,, والله من وراء القصد.
عبدالله بن خليفة السويكت
ثانوية الملك خالد بمحافظة الزلفي

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved