أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 3rd October,2000العدد:10232الطبعةالاولـيالثلاثاء 6 ,رجب 1421

عزيزتـي الجزيرة

استكمالاً لحديث سابق
نشأة القضاء في خميس مشيط
من العسير على الباحث في تاريخ محافظة خميس مشيط ان يعثر على مصادر بحثه بسهولة لندرة المصادر, ولقد وجدت صعوبات وانا بصدد الوقوف على احداث ومواقف مرت بهذه المحافظة ولم يكن كافياً ماذكره بعض كبار السن من ذاكرتهم ولم اجد مصادر كتب حول ما انا بصدده وكان المعين لي هو الله وحده، ولأنني وعدت بالحديث عن نشأة القضاء في خميس مشيط فها انا على وعدي معكم اقول:
لقد خيم الجهل بكلكله على حياة الناس هنا قبل مجيء العهد السعودي الزاهر وكان الجهل بالدين من اكثر ما جهل الناس من امور حياتهم ولم يكن للكتاتيب اي انتشار يذكر وعلى نطاق واسع الا بعض الكتاتيب التي قام عليها افرادها والجأتهم الحاجة الى اقامتها بغرض التكسب المادي وتولوا التدريس بها رغم عدم إلمامهم الكامل بطرق تعليم القرآن الكريم او القراءة والكتابة ناهيك عن علم التجويد وعدم الالمام به وهو الذي يضبط القراءة ليستقيم المعنى الى جانب ما عصف بالمنطقة من حروب وفتن وانعدام للامن حتى اصبحت العداوة مستحكمة بين كل قبيلة واخرى بل بين كل فرع وفرع من القبيلة الواحدة حتى سادت الفوضى وعم الجهل وانتشرت الخرافات وبات الناس في جاهلية اذا ما استثنينا بعض المراكز الحضرية التي قام فيها التعليم بشكل محدود ومحصور يتطلب العلم عنها القيام بالبحث والتقصي والدراسة وهو ما يتطلب جهداً وتفرغاً ليس بالسهل توافرهما الا لمن هذا الهم هدفه ومبتغاه ويتعلق اساساً بعمله امثال الاكاديميين الذين يدرسون التاريخ وقد ظهر لهم من ايام دراستهم مسارب هذا الفن ودهاليزه وطرقه.
ومن هنا فإن الحديث عن القضاء في هذه المحافظة قبل نشوء المحاكم في العهد السعودي لا يفضي الى الحقيقة المبتغاة ولكن يمكن القول بعد الاستنتاج وما وعته ذاكرة كبار السن من معاصري الازمنة السابقة ان شيخ كل قبيلة كان هو المرجع الفصل بين قضايا الناس وعرفت ان بعض ما تعارف عليه الناس من احكام قبلية كانت هي الفصل فيما شجر بينهم.
ومن ذلك فلقد طلب الامير سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط شيخ قبائل شهران في بداية الحكم السعودي من الملك عبدالعزيز رحمه الله ان يبعث اليه احد القضاة ليقوم بالفصل بين الناس من قضايا تستدعي النظر فيها بالوجه الشرعي وقد انتدب لهذه المهمة فضيلة الشيخ سعد بن محمد بن سعيدان رحمه الله وللاسف الشديد فلقد حرصت على تسجيل معلومات كافية عن فضيلته بداية باسمه الثلاثي والذي وجدت ان اكثرهم لايعرفه سوى باسمه سعود بن سعيدان ولقد قرأت ما كتبه عن الشيخ والمربي الجليل الاستاذ محمد احمد انور رحمه الله وهو ممن عاصر الشيخ ابن سعيدان بانه ركن الى العزلة وترك القضاء مبكراً زاهداً فيه ورهبة منه وخوفاً من الله ولقد عرف عنه التقوى والصلاح وكان عالماً ورعاً وأديباً شاعراً وكما ذكر الشيخ انور أنه شاعر على طريقة العلماء لا الشعراء ولم اقف على تاريخ مجيئه من بلاد نجد وقد علمت ان بلدته القويعية وله ابناء بعضهم قد مات وبعضهم ربما ما زال على قيد الحياة في بلدته وربما أحدد تاريخ وصوله الخميس في نهاية العقد الخامس من القرن الرابع عشر وقد توفي بقرية الدرب في خميس مشيط في نهاية العقد السابع من القرن الرابع عشر وتحديداً في عام 1376ه ومن شعره الذي اسمع والدي دائماً يردده كلما نزل المطر وجرت على اثره الوديان وقد سجلته حتى لايضيع كما ضاع اكثر شعره وهو شعر رقيق الحاشية محصور في الطبيعة والتأمل كما يبدو لي من هذا البيت الشعري له وهو يصف جريان السيل بوادي بيشة:


على قصر برزان تدافق ماؤه
وفاض به الوادي على طيب الاسم

ولقد احب هذه المنطقة وصاهر احدى الاسر واختارها طائعاً ان يبقى فيها حتى وافته المنية وكان رحمه الله زاهداً عابداً يسعى اليه الوجهاء والاثرياء بما يرون انه بحاجة اليه في غلس من الليل فيما يبيت حتى يشرك الفقراء والمحتاجين فيما يأتيه فلا يبقى له ولاسرته الا مايكفيه لليوم التالي رحمه الله رحمة واسعة
ولقد خلفه في القضاء فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عيدان وهو من اهل بلدة حرمة من الديار النجدية التي اسهمت بنصيب وافر من صفوة رجالات القضاء ورجال الامر بالمعروف وعم فضلهم ارجاء البلاد السعودية وقد قدم الشيخ الى خميس مشيط كما عرفت عام 1367ه وهو من السلسلة الذهبية من رجالات القضاء بالسعودية صاحب سمت ووقار في قلوب الناس له مكانة ومحبة وهو صاحب علم واسع في امور القضاء والشريعة الاسلامية كما انه ضليع في لغة العرب وآدابها يحفظ من شواهد اللغة كثيراً من الشعر له مجلس بعد عصر كل يوم في طرف السوق وكان يجلس معه الاستاذ محمد انور مدير المدرسة السعودية بالخميس حيث يتذاكران عيون الشعر العربي, ويعربان شواهده ويتذاكران في شتى الميادين من المعرفة حتى يؤذن المغرب ثم يذهبان للصلاة وكان مجلسهما عبارة عن مدرسة ينهل منها كل من حضر مجلسهما والذي لاينفض الا بمعرفة وزاد من الثقافة وقد استمر الشيخ ابن عيدان يمارس القضاء مسموع الكلمة مقبول الحكم يؤم المصلين في الجامع الكبير محتسباً عمله لوجه الله تعالى حتى تقدمت به السن فتنحى عن القضاء واستمر في سكنه بخميس مشيط وله العديد من الابناء اكبرهم الاستاذ محمد الذي تتلمذت على يديه بالمدرسة المتوسطة ولقد انتقل الشيخ الى نجد ووافاه الاجل بعد حياة عامرة بالعمل الصالح وقد خلف الذكر الحسن والسيرة الحميدة والنزاهة والتقوى مايزال حياً في اذهان الناس ومايحمله كل سكان المحافظة على ذكره والدعاء له وعرفت انه رحمه الله يعتبر المؤسس الرسمي للمحكمة الشرعية بخميس مشيط.
ولقد خلفه فضيلة الشيخ سعيد بن عبدالله بن عياش الغامدي في أواخر العقد السابع من القرن الماضي ولحسن حظ اهل الخميس ان اكرمهم الله بمنظومة من رجالات القضاء والاخيار فجميعهم اصحاب علم وفضل وتقوى وصلاح ولقد جاء الشيخ ابن عياش خير خلف لخير سلف جمع من صفات اهل العلم والصلاح والعمل ماسيبقى اثره أمد الدهر وفضيلة الشيخ هو خريج من كلية الشريعة بمكة ولقد حاولت معرفة الشيء الكثير عنه عن طريق احد اقاربه فعرفت انه تلقى العلم على يد سماحن الشيح محمد بن ابراهيم مفتي الديار السعودية الراحل رحمه الله كما انه من تلاميذ سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتي الديار السعودية السابق رحمه الله وقد سار في الناس على نهج من سبقه مسيرة حميدة فكسب ثقتهم وتقبل الناس احكامه لنزاهته وتقواه وكان على قدر عظيم من علوم الشريعة بدليل ان احكامه مقبولة ومجازة وبنى بينه وبين الناس جسوراً من المحبة والتواصل والثقة والسعي فيما ينفع الناس افراداً وجماعات وكان راتبه لايخصه واهل بيته بل كان للفقراء والمحتاجين نصيب شهري فيه وكاد يخرج من الخميس بعد تقاعده وهو لايحمل من متاع الدنيا سوى سكنه وبقايا راتبه رغم ماكان يصله من المحسنين من اموال كي يوزعها على المحتاجين فكان الرجل النزيه البار قام لفترة طويلة بالإمامة في الجامع الكبير محتسباً عمله لوجه الله واحتضن الجمعية الخيرية بالخميس منذ انشائها ولاكثر من خمس عشرة سنة وقدم لمنسوبيها من الفقراء والمحتاجين خدمات لا تنسى ستسجل في سجل حياته وله في الآخرة في ميزان حسناته كما كان يسعى لدى المسؤولين في إيجاد مواقع للمساجد وبنائها ومصليات العيد وتحديد مواقع المقابر وكان امد الله في عمره يتحلى باخلاق العلماء وسيرة الصالحين لايخرج عن النهج القويم حتى احيل على التقاعد قبل سنوات ثم انتقل الى الطائف المأنوس حيث يوجد بعض ابنائه ولقد علمت انه يعكف على تحقيق احد كتب التراث حيث انه عرف بأنه صاحب ثقافة وذكاء وقاد وكان ولايزال هذا الشيخ شعلة متوهجة من العلم والتقى تنير للآخرين دروب الخير فدعاء الى الله ان يجزيه وكل من ذكرت خير الجزاء وان يختم لنا ولهم بخاتمة الصالحين.
محمد ابراهيم محمد فايع
خميس مشيط

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved