| محليــات
جَبُلَت النفس البشرية على أمور تتفاوت بتفاوت تركيبة أصحابها، بل تكوينها الخاص في كل منهم,,, وأخذ علماؤها ومنظرو أمرها يجولون، ويعيثون، ويقولون، ويفعلون ولا يفعلون,,, لكن الذي يعلم من أمرها ما لا يعلمه صاحبها هو من خلقها تعالى، وجبلها على التناقض، والتنافر، وعلى الهلع، والجزع، والمنع، والطمع،,,.
وفي النفس البشرية من الأدواء، ما إن سعى الإنسان لمجاهدتها أخذ هذا السعي منه جلَّ عمره,,,، لكنه يهرب من تبديد هذا الزمن في جهادها إلى مجاهدة ما حوله ارضاء لها,,, و,,, ولعل المعين الثري الذي إن اغترف منه دوماً وجد طمأنينة تلحق بهذه النفس، تعينها على جهادها في الحياة، ومجاهدتها فيما جُبلت عليه، فيقضي على أو يهدىء من أدوائها، فيطيب عيشه، عندما تطيب نفسه,,, والإنسان الذي لا تطيب نفسه في الحياة يلهث في نهم، ويغب من كدر، ولا أجمل من مَعين كتاب الله العظيم بآياته المحكمات، وجزالته المؤثرة، وتبشيراته المطمئنة، وأبوابه الكثيرة التي يشرعها كي يقرب المرء من ربه، ويجده في رحمته, ولا أجمل من مَعين خُطب وأحاديث رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم,,.
لكن الملاحظ أن هذين المصدرين الثريين، والرافدين الثرَّين,,, لا يرد عليهما إلا من يشاء حفظ القرآن ودراسته مع السنة النبوية، أو من يسلك في مدارج الدراسة ويتجه نحو التخصص العلمي في أمور العقيدة والتشريع والكتاب والسنة,,, ويقرأ القرآن عادة عند الحاجة والشدائد لدى العامة.
على الرغم من أنهما لكل امرىء,,, ولا غنى لأي مسلم مؤمن عنهما,,.
ولأن الناس بعدت عن هذين المصدرين,,, فقد ثقلت الحياة، وكثرت الأدواء فيها وعلى وجه الخصوص الأدواء النفسية، ولم يعد المرء يجاهد نفسه، ولأنه كذلك فقد كثرت تطاولاته على الآخر، واجتراؤه على ارتكاب مداخل السلوك المؤدي إلى قلق المرء في الحياة، ولهاثه وراء متعها، والحرص على الذات في كل أوجه هذا الحرص الذي يفتت العلائق بين الإنسان ومجتمعه كبر أو صغر.
ولعل الملاحظ في بني الإنسان بعدهم عن مواقع ومواطن ومخابر التقوى,,, وفي أحدى خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحفزني لايرادها,,, شعوراً بحاجة النفس إلى كل ما جاء فيها,,,، بما يؤكد عند قراءتها أن من يرد هذا المورد بصفة دائمة سوف يشعر بالاطمئنان، وتصفو مشاربه، وتطهر دخيلته,,, فتضيء نفسه,,, حين يجد الضالة في سلوكٍ يحتاج إليه الإنسان في حياة هي طريق عابر,, عسى الله أن يعيننا فيه أن نكون ممن يخف ولا يُثقل، ويذهب بزوادة ثقيلة لاتخف,,, يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في احدى خطبه في المدينة المنورة تاريخ الطبري ج 2/255 الخطابة في صدر الإسلام ص 204 (درويش) :
الحمد لله أحمده واستعينه، واستغفره واستهديه وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بدين الهدى والنور والموعظة، على فترة من الرسل ، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصه فقد غوى وفرط، وضل ضلالاً بعيداً, وأوصيكم بتقوى الله، فإن خير ما أوصى به المسلمُ المسلمَ أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذَّركم اللهُ من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكراً، وإن تقوى الله لِمَن عَمِلَ بها على وجلٍ ومخافة من ربه عونُ صدقٍ على ما تبغون من أمر الآخرة.
ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السرِّ والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله، يكن له ذكراً في عاجل أمره، وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدَّم، وما كان من سوى ذلك يود لو أنَّ بينه وبينه أمداً بعيداً،ويحذركم الله نفسه، والله رؤوف بالعباد.
والذي صدق قوله، وأنجز وعده، لا خُلفَ لذلك فإنه يقول عز وجل: مايبدَّلُ القولُ لديَّ، وما انا بظلَّام للعبيد فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية، فإنه من يتق الله يُكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجره، ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً كما ورد في الخطبة: فاحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين إلى أن قال: فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد اليوم، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، وذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العظيم ,,.
فمن يرد هذا المعين، وينهل منه يجاهد نفسه، وتصغر أمامه الدنيا، ويفوز في مجاهدة نفسه مجاهدة في الله حق جهاده،، فلا عدو للمرء أشد ضراوة من نفسه,,, ليكفه الله أمر دنياه,,, ويكفل له أمر آخرته,,.
فهلَّا قدمنا هذا المعين بين أيدي الناشئة كي ينشأوا سليمي النفوس من وطأة الحياة ومن فيها وما فيها؟!
الله أكبر فقد جهل الإنسان مصادر النور,,, في زمن الظلام.
|
|
|
|
|