أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 3rd October,2000العدد:10232الطبعةالاولـيالثلاثاء 6 ,رجب 1421

مقـالات

قوانين التَّماس بين (السياسة والإعلام) (4/8)
حسن بن فهد الهويمل
و الشورى و الاختيار و قضايا المرأة و الحرية وسائر الأنظمة والمجالس العليا: للاقتصاد والتعليم والإعلام والبترول وغيرها، مفردات إجرائية في سياق الأساليب المجانسة لها والمتآخية معها، ضمن منظومة واحدة وسياق إسلامي غير مبعض, و الديموقراطية و الانتخاب و البرلمان هي الأخرى مفردات ذوات سياقات مغايرة، ولما تزل حلم المغرمين بها، دون استعداد أو قابلية, ولكل نظام رضيه أهله مفرداته التي لا يتحقق النظام إلا بها ومن خلالها, وعشاق التهجين والتلفيق قد لا يدركون متطلبات البيئة السليمة، ومن ثم يضمحل كيانهم، وتنطمس معالمهم، ويدخلون مرحلة المسخ, و الانتخاب و البيعة إجراءان من إجراءات الوصول إلى الحكم، لكل واحد مفرداته وأساليبه الإجرائية، والتحديد الزمني وعدمه وتحديد الصلاحيات والحصانات وغيرها، كلها مرتبطة بطبيعة المفردة السياسية، وهي بمجملها من شروط العقد الاجتماعي ومواصفاته، وهي في الوقت ذاته خاضعة للتعديل والتبديل والزيادة والنقص حسبما تفرضه الحاجة وتكشفه التجربة، والمهم في الالتزام والاحترام، وهو ما لا نراه عند عشاق التعالق والمصابين بداء الرغاء الإعلامي، وما يمكن قوله للإعلام المتماس مع الأنماط السياسية ما البديل؟ وهل رجل رشيد يقدم على إراقة مائه ثم يركض وراء سراب القيعان؟, كما أن الرأسمالية و الشيوعية و الاقتصاد الإسلامي و الفكر السياسي الإسلامي أنماط قائمة في ظل كيانات سياسية.
و الشورى بوصفها ممارسة بشرية تأتي امتثالا للندب الرباني الذي جعل الشورى مسلكاً حضارياً لكل البنى الاجتماعية والسياسية، فهي مطلوبة بين الزوج وزوجه، بوصف هذا الاجتماع أصغر بنية مجتمعية، وبين الحاكم ورعيته، بوصفهما بنية البنى المتعددة، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحلك الظروف ينادي :أشيروا علي , والشورى قد لا تفي في إطار التطبيق بكل متطلبات الأمة المسلمة، ومن ثم يعتريها بعض النقص، لا على أساس أنها نظام شورى أمر الله به، واختاره لهذه الأمة، وإنما لأنها في الجانب التطبيقي ممارسة بشرية, والديموقراطية هي الأخرى بوصفها ممارسة بشرية، قد لا تفي بكل متطلبات الأمة غير المسلمة، وهي من جهة تشريع بشري، ومن جهة أخرى ممارسة بشرية, فالشورى ندب إلاهي: وأمرهم شورى بينهم , وشاورهم في الأمر وممارسة بشرية بوصفها امتثالا، فاحتمال الخطأ وارد في التطبيق الشوري، واحتمال الخطأ في الديموقراطية وارد في النظام وفي التطبيق.
والشورى إذ تكون تشريعاً ربانياً، لا بديل لها، ولا خيرة فيها في دولة تعلن إسلامها: انتماء وتطبيقا، ولا مجال للمبادلة أو المفاضلة مع منجز بشري, ثم إن الديموقراطية التي يحمل بها المتماسون مع السياسة القائمة ويرونها الحل النهائي والوحيد لمشاكل الحكم في العالم الذي يطبق أنماطا أخرى، تحتاج إلى مؤسسات ونظم ومناهج لا تقوم إلا بإلغاء كل ما هو قائم من مؤسسات وأساليب إجرائية في الوطن العربي، وتحتاج إلى تربية لا تتم إلى بتعديل كافة المناهج وتغيير يمتد إلى كل المواضعات، وتحتاج إلى صياغة ذهنية جماهيرية لا قبل لشعب عربي نشئ على أخلاقيات مغايرة أن يبادر إليها إلا بعد أمة، والإثارة العاطفية لا تملأ بطناً ولا تشفي غلة، والتغني بالمثاليات حرمت الشعوب أبسط حقوقها، ولما يعد الزمان زمن تلهية وإدعاء , والديموقراطية و الدكتاتورية و الاستبداد و القوة والعدل و السياسة الشرعية أنماط دستورية لا يقوم شيء منها إلا بالمواضعة أو بالقوة الرادعة: والظلم من شيم النفوس ولا يحمي الناس من بعضهم إلا سيادة القانون: شرعيا كان أو وضعياً، والأهم في كل ذلك الرضى والقبول والمواضعة,والعلمانيون والتنويريون حين يرون الديمقراطية ماثلة في الغرب محققة العدالة والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص وحماية الحقوق مقبولة من المحكوم محترمة من الحاكم، يتوقعون قيامها بذات الفعل فيما سوى الغرب، متناسين أوضاعا متجذرة وأخلاقيات راسخة وأنظمة مغايرة، والعرب لا يصلحون إلا بالدين كما يقول ابن خلدون، والدين يكفل لذويه العدالة والحرية والمساواة, لقد وضع سوار الذهب السودان على مدرجة الديمقراطية، ووضع الجزائريون أنفسهم عليها، ومن قبل أولئك أسقطت الخلافة الإسلامية في تركيا لتكون علمانية ديموقراطية، فهل حققت تلك الدول مقتضيات الديمقراطية كما هي في الغرب؟ والمجالدة والمجادلة والسجالية والتماس بين المتنازعين السياسيين عبر أي قناة أو وسيلة إعلامية لم تصل إلى نهايات سعيدة، لا لضعف في إمكانيات المتجادلين، وإنما لتباين في المرجعيات، وتفاوت في النوازع، واختلاف في القناعات، ولأن العلمانيين يعتمدون على جاهزيات الأحكام ومجرد التصورات، ويجلبون الأنظمة ولا ينشئونها ويجتهدون في إحلال نظام مكان آخر دون فهم للبديل الديموقراطي والمبدل الإسلامي فإن ثقافة أولئك تداولية سماعية، ولم يكن أحد منهم على شيء من فهم المشاريع التي يراها منقذة، وما أضر بالشعوب ودمّر مثمناتها إلا المغامرات والمجازفات والركض وراء بوارق التجديد دون تهيئة أو تخطيط, وهل أحد من المغامرين الذواقين حقق أدنى حد من النتائج التي تتطلع إليها الشعوب المغيبة عن المغنم والمحملة لكل المغرم؟, وما يتداوله أولئك من خيارات وأحلام معسولة لا يعدو كونه حديث المقاهي ومجالس الفضول, ومثل هذا الخطاب لا يقدم حلاً منقذا بوصفه توعوياً إصلاحياً، إنه لمجرد الاستهلاك وتمضية الوقت وتملق العواطف واستغلال السذج والمبتدئين, وقناة فضائية كتلك الضجة لا تقدم مشروعا،ولا تتبنى أيديولوجية معينة، وإنما تعتمد في إثارتها على فريق عمل إعلامي متمرس في الإثارة والتقاط خيوط المشاكل، وليست لديه رسالة إنما هي مهمة وظيفية قصد من ورائها لفت الانتباه وإثبات الحضور، ولا يتحقق مثل ذلك إلا بالتَّماس مع بؤر التوتر, والجدل من هذا النوع وبتلك الوسائط لا يملك أدنى حد من مشروعية التداول للقضايا المصيرية، واقتناص الشخصيات المثيرة لا يكون إيجابيا وبخاصة حين تتناقض المرجعية النصية، العلماني لن يقبل دليلاً من الكتاب أو صحيح السنّة، والإسلامي لن يقبل حجة علمانية أو شاهداً تنويرياً، وحين لا تكون هناك أرضية مشتركة بين فكرين قائمين لا يتحقق من الجدل إلا المستحيلات على حد:


أيها المنكح الثريا سيهلاً
عمرك الله,,كيف يلتقيان

ولهذا لا يمكن أن تؤلف الوسائط الإعلامية بين قلبين متنافرين، كما لا يمكن ان تلتمس في الماء جذوة نار، هذا ترابي مادي، وذلك رباني سماوي، ذلك غاضب غضبة مضرية على كل ما حوله ومن حوله،وهذا أليف متصالح مع أهله وعشيرته قانع بما أعطاه الله, ولا يمكن تحقق مشروعية المناظرة المتكافئة بين منجز بشري، له حيثياته وأهدافه واجتهادات أهله وسياقاته الملائمة لمثله المستجيبة للظروف القائمة عند ذويه، ومنجز إلاهي لا يعتريه النقص ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إلا حيث يكون التطبيق مخالفا لمراد المشرع ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً , ومع كل ما سبق لا أستطيع وهذا مبدأ ديني أن أراهن على نجاح ممارسة تطبيقية مستمدة من تشريع رباني أو سلامته أو انتصاره، وقانون التداول والتدافع امتحان وابتلاء، وإذ لا أراهن على النجاح أستطيع أن أستدل على نجاح المشروع من آثاره ومنجزه، وهذا ما يجب التركيز عليه والاحتجاج به، والدول الخليجية على شيء كثير من الخيرية، متى نظر إليها الناقمون في سياقها العربي القائم.
و الشورى بوصفها مفردة من مشاريع الفكر السياسي الإسلامي الذي لا يؤمن بفن الممكن، كما لا يتسع للميكافيلية، ولا يقبل التعريف اللاأخلاقي للسياسة: بأنه أجمل الكلام لأسوأ الأفعال تعد ندبا ربانيا، وتطبيقها منذ العهد الراشد إلى الآن ممارسة بشرية، يتوخى فيها ولي الأمر ان تكون على مراد المشرع، وهذا التوخي قد تعتريه معوقات كثيرة مقبولة ومتوقعة، وقد لا تكون مقبولة ولا متوقعة، ذلك شأن الممارسة في كل زمان ومكان، وإذا أ فقت أي دولة في بعض وجوه التطبيق، فلا يجوز للمتعالقين مع أنظمة الغرب حملها على التخلي عن سياستها الشرعية, من حق الإعلامي المتماس مع السياسة أن ينبه إلى أوجه النقص متوخيا النصيحة لا الفضيحة، وليس له أن يحمل الإسلامي على النظام العلماني، كما أنه ليس محقا في محاكمة الإسلامي بمنظور علماني، وليس من الإنصاف المطالبة بإلغاء مشروع رباني يتساوق مع مشاريع متعددة, إننا متأكدون من أن أي ممارسة قابلة للمساءلة والنقد وعرضة للنقص والتقصير، ولكن هذا لن يحمل على التفكير بالاستبدال، والذين يتماسون مع المؤسسات السياسية غير الديموقراطية لا يمنحونها المشروعية بحيث يقصرون حديثهم على إصلاح الخطأ سواء كان خطأ في الفهم أو خطأ في الممارسة, إنهم يخولون أنفسهم حق الإلغاء والاستبدال, وهذا فضول وتقحم رخيص.
الشيء الذي يؤمن به المواطن إزاء التحولات المؤسساتية أن ولاة الأمر صادقون في عزمهم، حريصون على تحقيق مراد الله في الحكم القوي العادل الشوري، وما عليهم بعد هذا من بأس حين لا يحالفهم كل الحظ في بعض ممارساتهم إذا نصحوا لله ورسوله والمؤمنين, والنظام الشوري امتثال لأمر المشرع، والمشرع ندب إليه، ولم يحدد، وأمر به ولم يرسم، وولي الأمر له رؤيته الخاصة في فهم الشورى على أنها: ملزمة أن غير ملزمة، مبتدرة أو متلقية، معلنة أو سرية، انتخابية أو اختيارية، ذات عدد قليل أو كثير، طويلة الأجل أو قصيرته, فهذه الضوابط والتحفظات تخضع لتقديرات وتصورات مرحلية، وكل ذلك من طبيعة البشر القاصرين عن الكمال المطلق، والمترددين في القطع في الأمور، وقول الله عز وجل فإذا عزمت فتوكل على الله لا تعني ما يذهب إليه العامة, فالشورى هي التي تحدد العزم بعد استكمال متطلبات الشورى ومقتضيات الفعل، فإذا استكملت متطلبات الشورى وبدأ الوالي الفعل على ضوء ما توصل إليه من استجلاء وجهات النظر، يكون من حقه ألا يلتفت إلى المترددين أو المنشقين بعد ذلك، بحيث يحدد فرصة للتداول لا تؤدي إلى الانقسام ولا إلى تعطيل الفعل، وقد فعلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أمر الخلافة، حين جعلها في الستة، وحدد ضوابط لإنجاز البت في أمر الخليفة، لقد شغله أمر المسلمين وهو يستقبل الموت, و الشورى ليست معارضة بمفهومها السياسي وإنما هي توظيف خبرات وتقديم رؤية، وإذا تضاربت الآراء وجب على ولي الأمر العزم والتوكل وحسم الأمر, وقراءة أسباب النزول لهذه الآية وملابساته تكشف المراد من العزم والتوكل، ولا دخل للإلزام وعدمه.
لقد كان نظام الحكم و نظام الشورى و نظام المناطق ونظام الوزراء ومن في مستواهم وسائر الأنظمة مبادرات إيجابية،وإنجاز دولة تريد التخلي عن الفردية، والتوجه صوب الحكم المؤسساتي والتحول من المحورية إلى التفويضية المستقلة، وتخليص الحكم من عوامل الصدفة وخطورة الفراغ الدستوري, والرهان الحقيقي والمنطقي والحضاري على الإخلاص في العمل لا على النجاح فيه.
ومن أراد ان يخدع بالشورى الاختيارية، يمكن أن يخدع بالديموقراطية الانتخابية، ومن أراد ان يسوء أمته بالاختيار ، يستطيع أن يخادعهم بالانتخاب المزور، المسألة في النهاية عائدة إلى النوايا والنتائج، والفعل الإجرائي مرتبط بالنظرية، ومن ثم لا يجوز أن نلفق ولا أن نتعشق النظريات بمعزل عن تحقيقها الإجرائي، ف الانتخاب إجراء ديمقراطي والاختيار إجراء شوري،وكلا الإجراءين يحتملان الخطأ والصواب، وكلاهما ممكنان، والمساءلة عائدة إلى النصح والصدق وانضاج المشروع وتوخي الفائدة منه.
والرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى والمعصوم من الناس، يعتريه ما يعتري البشر من الخطأ والنسيان والتوهم فيما هو من أمور الدنيا، ولكن الله جل وعلا لا يقره على شيء من ذلك وإن كان من أمور الدنيا، فالقرآن ينزل منبها أو عاتبا أومحذراً، عفا الله عنك لم أذنت لهم ما كان لرسول أن يكون له أسرى ولا تطرد الذين يدعون ربهم واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم عبس وتولى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا لم تحرم ما أحل الله لك , ورسول الله صلى الله عليه وسلم المدرك لبشريته يحذر المخادعين في فصاحتهم، إذ لم يضمن سلامة حكمه مع بلاغة أحد المتخاصمين، فهو بشر يجري عليه ما يجري عليهم، إلا فيما يبلغ عن ربه، ولهذا حذر البليغ المخاصم بقوله: إنما أقطع له قطعة من نار، فليأخذها أو ليدعها، أو كما قال, وحديث التأبير وحديث: إذا كان شيء من أمر دنياكم فأنتم أعلم به، وإذا كان شيء من أمر دينكم فإلي يؤكدان بشريته، ويؤكدان مشروعية الأخذ بما جد من أمور حسية أو معنوية، مما لا يتعارض مع المقاصد الإسلامية، ومما لا يطمس معالم السياسة الإسلامية، والإسلام ركز على أهمية البطانة الصالحة لأنهم مرايا الحاكم ومرشدوه، وهم بمثابة الكوابح والمجسات والمسابير والمختبرات إذ ليس هناك وحي ينزل كي يرشد وينبه، وإذ يؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم بشريته، فلماذا يطلب الخليون من حكامهم الملائكية والمثالية ورهان النجاح والعصمة.
ثم يجب ونحن نلوح بحديث تأبير النخل ، ومساءلة الحباب في غزوة بدر ، وحديث (فأنتم أعلم به) أن نفرق بين ما هو دنيوي خالص الدنيوية، وما هو دنيوي شرَّع الله له، ولم يفوض أمره إلينا، كما يجب ان نعي أهمية استصحاب المقاصد الإسلامية، كتقديم درء المفاسد ووجوب ما لا يقوم الواجب إلا به والرفق واختيار الأيسر، وسد الذرائع دون مبالغة والتفريق بين الممارسة ورعاً والفتيا الشرعية، ومراعاة الأصول، وقد وجه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى ابتدار الأشياء بالرأي الحصيف والتصرف الحكيم واستحضار المقاصد، في حديث بعث معاوية إلى اليمن، وفي قوله: دعوني ما تركتكم, وقوله: أخشى أن تفرض عليكم في أمر صلاة التراويح،ومع كل ما سبق لا بد أن نستصحب أهمية حضورنا في المشاهد العالمية بكل ما يؤكد إسلاميتنا ويبرز خصوصية حضارتنا، بحيث تكون أسواقنا وبيوتنا وسائر مؤسساتنا شواهد على إسلاميتنا، وحين نضطر إلى الأخذ بما جد، ونحن بلا شك مضطرون فلابد أن نعمل على أسلمته لكيلا يسهم في مسخنا، والإسلام لا يمنع من الأخذ بأسباب الحضارة ومعطيات المدنية، وبعض المتسرعين يتصورون أن العبادة وحدها هي من أمر الدين، وما سوى ذلك فمن أمر الدنيا، وهو إلينا على الإطلاق، وهذا مدخل خطير، نفذ منه معتزلة العصر والعلمانيون، حيث جعلوا الإسلام علاقة تعبدية بين العبد وخالقه، وتصرفوا بعقولهم فيما دون ذلك، وأداروا النصوص المعصومة في فلك العقول غير المعصومة وغير المتكافئة، فعطلوا الحدود، وعلمنوا الحياة، وفات هذه النوعية أشياء كثيرة، ليس هذا مجال الحديث عنها مع أهميتها، فالإسلام مع تفويضه في أمور كثيرة، أعطى معالم وضوابط وقواعد سماها العلماء بالقواعد الفقهية ومقاصد سموها بالمقاصد الشرعية ، كما اتخذوا مصادر أخرى لما لم يرد فيه نص لمواجهة النوازل كالقياس و الاجتهاد و الاجماع و الاستحسان و المصالح المرسلة و استصحاب الحال ووضعوا للاجتهاد الفردي والجماعي قيمته وأهميته، ولم يغلق باب الاجتهاد إلا المقلدون والوجلون،الذي يتصورون إنه بإمكانهم ان يوقفوا الحياة عند عصر من العصور وفي إطار متن من المتون, ومع جناية البعض بإغلاق باب الاجتهاد ظلت المتون الفقهية كما هي في القرن الثامن أو السابع ولم تدرج فيها النوازل وأحكامها، ولهذا لم يكن الشرعيون بمستوى المرحلة، الأمر الذي فتح مجالا للناقمين، ومن ثم فإننا بحاجة إلى العمل على تجلي الحضارة الإسلامية وحضورها الفاعل وإدخال كل الفتاوى والأحكام المتعلقة بالنوازل في المتون الفقهية المهيمنة لكي نعيش مرحلتنا بوعي شرعي وإمكانيات معرفية، ويجب ان ننهي مرحلة الشك والتردد والحساسيات وعلينا ان نواجه قدرنا بثقة، فالنص الشرعي صالح لكل زمان ومكان إذا كنا بمستوى إسلامنا.
والاختيار بوصفه معادلا ل الانتخاب يؤدي كل واحد منهما دوره في سياقه، والمفاضلة غير قائمة بمعزل عن السياقات والأنساق الإجرائية، إذ هما إجراءان مرتبطان بالسلامة أو بما هو دونها, ف الانتخاب قد يزور، والاختيار قد يراعى فيه الولاء دون الكفاءة, إذ كل واحد منهم لا يكون محصنا ذاتيا، ومن ثم لا تكون الخيرية ذاتية وإنما هي كسبية يحققها المنفذ بما يتمتع به من خصال حميدة أو ذميمة وولي الأمر المسلم حين استجاب لأمر الله ونثر كنانته، واستعان بمن يثق به، واختار من يظنه من صفوة المجتمع وأهلا للمسؤولية في دينه وعلمه وعدالته وخبرته، هل نقطع بعد هذه الاحتياطات كلها بأن كل الاختيار جاء سليما وموفقاً وهل نجرؤ فنقول: إن هذا حكم الله وانتقاء الله، وأن الشورى ممارسة تماثل الشورى ندبا؟ وهل نحن أو غيرنا في الاختيار أو في الانتخاب نضمن رضا الجميع وقناعتهم؟ ما يقال هنا عن الشورى والاختيار من تحفظات يقال مثلها عن الديموقراطية والانتخاب والبرلمانات وسائر المؤسسات الدستورية والتنفيذية والشورية والقضائية, المسألة على كل الأحوال وعلى كل الأساليب تسليم نسبي لا اقتناع مطلق، وعلى المدلين بالديموقراطية والانتخاب أن يحلوا لنا إشكالية منتخبي رؤساء الولايات المتحدة أو دول أوروبا المتملثة للديمقراطية الحقيقية ممن خسر الرهان مع منافسه وممن كسبه, وإشكالية الأحزاب التي تضع المرشحين، وإشكالية الأموال والشركات العملاقة التي تقفز بغير المستحق وتحرم المستحق للدخول في الانتخابات، وإشكالية المستحقين للتصويت الذين لا يمارسون حقهم، لقد انصرف الملايين عن ممارسة حقهم في الانتخاب، لعدم إيمانهم بجدوى الإجراءات الانتخابية, هذا على مستوى الدول الغربية, إذاً هل رضيت الشعوب كلها بمن فاز؟ ولم تسخط لهزيمة خصمه، أم أنهم سلموا وأذعنوا احتراما لإرادة الأمة؟ أحسب أننا جميعا لا نرى غير ذلك، لا على مستوى الحاكم المسلم العارف لقدره وقدرته امام القدرة والقدر الرباني، ولا على مستوى الأمة,والذين انتخبوا نيكسون و كلينتون هم الذين اكتشفوا فضيحتي التصنت والتحرش , فهل عصمت الرئيسين إرادة الأمة وثقتها وحريتها في الانتخاب, ثم إذا كان المتحفظون على الاختيار يرون أن الشعب لا يمثل في المجالس التشريعية، والتنفيذية، الشورية، إلا إذا مكن من الانتخاب، لأن الاختيار عندهم ينظر فيه إلى ولاء المكلفين ولا ينظر إلى كفاءتهم، وكل ذلك توهم وتخرص وانتصار لما يحلمون به ويدعون إليه، وما يؤاخذون به مفردات الفكر السياسي الإسلامي، يمكن ان تؤاخذ به مفردات السياسة الوضعية, ثم إن البيعة الإسلامية إناطة للمسؤولية بشروطها، والتكليف اختيار بشروطه، ولأمة تثق بولي الأمر، وتعرف أنه حفي بالأصلح، والمقاصد الحسنة قد يعتريها النقص، ولكن يجب ان نفرق بين الخطأ العارض والخطأ المتعمد، كما نفرق بين الرجاع إلى الحق والمصر على الخطيئة، والخطأ ابتداء وليد شرعي للعمل، والذين لا يخطئون هم الذين لا يعملون.
فهل الناقمون يطعنون في مفردات السياسة الشرعية، أم في الذوات الناهضة بها؟ فإن كانت الأولى فذلك أمر يتعلق بالإسلام ولا يتعلق بنا كمسلمين وللبيت رب يحميه، وإن كانت الثانية فما أوجه النقص الموثقة لمعالجتها فنحن أرباب إبلنا.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved