أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 3rd October,2000العدد:10232الطبعةالاولـيالثلاثاء 6 ,رجب 1421

مقـالات

لغتنا العربية,, وهويتنا الحضارية
د.سليمان بن عبد الرحمن العنقري
تمتاز اللغة العربية عن اللغات الأخرى بأنها لغة القرآن الكريم وهي اللغة التي يتعبد بها المسلمون في جميع أقطار المعمورة منذ بزوغ فجر الإسلام، أي منذ أربعة عشر قرناً دون أن يصيبها ما أصاب لغات الامم الاخرى من اندثار او انقسام، يأتي ذلك كله مصداقاً لقول الحق سبحانه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
ولقد مرّت اللغة العربية الفصحى عندما نزل بها القرآن الكريم بمرحلة مهمة من مراحل تطورها وكانت في تلك المرحلة لغة فتية مكتملة رغم ما كان يتوازعها من لهجات محدودة تسودها لغة قريش.
وقد أثبتت هذه اللغة جدارتها واكتمالها عندما اتسعت لكتاب الله الذي كان اكبر العوامل في توحيد الفصحى واتساعها ورقيها، وما لبثت هذه اللغة أن تعرضت لأكبر تحدٍ في تاريخها وهو إثبات جدارتها بأن تكون لغة الحضارة والعلوم والفنون، سواء عن طريق النقل والترجمة أم عن طريق الإبداع والتأليف وقد قامت بذلك خير قيام لما لها من قدرة على الاشتقاق والتوليد والتخصيص والمجاز والتعريب.
وإذا كان من الجائز في أي لغة أن تخضع للتغيير والتبديل او أن تقبل التساهل والترخّص، فإن لغتنا العربية لا يمكن ان تخضع لشيء من ذلك او تقبله وذلك لارتباطها بكتابنا المقدس الذي شرفت تلك اللغة بنزوله بها وكتابته وروايته بأحرفها وكلماتها وصياغته بطرائق تركيبها ودلالة ألفاظها وقواعد إعرابها, فأي تغيير أو تبديل في لغتنا إنما يمس مقدساتنا وأي تساهل أو ترخص في تلك اللغة يقطع الصلة بيننا وبين المصدر الرئيسي لديننا وتراثنا.
ومن المعروف أن اللغة العربية أقدم اللغات الحيّة زمنا وأطولها عمرا واكثرها قدرة على تمثل الحضارات السابقة عليها تمثلت حضارات الأمم القديمة التي سبقتها في الحضارة وأضافت إليها ما جعلها ذات حضارة كبرى في القارات القديمة، آسيا، افريقيا، وأوربا، وامتازت بحيوية متأججة نفاذة بحيث لم تنازل لغة ايام الفتوح الاسلامية إلا ظفرت بها وحلّت مكانها، وقادت اللغة العربية العالم حضاريا وأدبياً وعلمياً طوال ستة قرون منذ بزوغ فجر الإسلام وظلت علوم العرب والمسلمين منهلاً عذباً لأوربا وجامعاتها، ثم أصاب اللغة العربية ركوداً ووهناً وتخلى عنها أهلها منذ أن بدؤوا في إرسال بعثاتهم الى اوربا وامريكا وبدؤوا يدرسون بعض العلوم في الجامعات العربية باللغة الانجليزية او الفرنسية ومن هنا أصيبت لغتنا العربية في عقر دارها بالضعف، بل بكثير من الضعف وتهددتها ألوان من المخاطر حتى أصبحت لا تستقيم كما ينبغي على الألسنة، ولا تصح كما يليق على الاقلام، بل أصبحت تهمل بشكل مخجل في مواطن كان الواجب أن تعنى بها وترعى حرمتها مثل المحاضرات والندوات الثقافية وفصول الدراسة وقاعات المحاضرات,, كما أهملت في بعض اجهزة الاعلام المنطوقة والمكتوبة والمصورة حتى اوشك الامر أن يمثل خطراً حقيقياً يهدد لغتنا وينذر بمستقبل غير مطمئن لثقافتنا وحضارتنا، وبالتالي ديننا وذروة الخطر أن نرى الضعف اللغوي قد بدأ يزحف الى المتخصصين في اللغة العربية والعاملين في حقلها والقائمين على أمرها، فقد كان الأمل معقودا عليهم لكي يصححوا الخطأ ويقوّموا المعوج لكن الأمر قد زاد تعقيداً حين أصبح كثير ممن كانوا أملاً للإصلاح محتاجين الى إصلاح وحين غدا العديد ممن كانوا وسائل حل المشكلة جزءاً أساسياً من المشكلة.
إن ظاهرة تفشي الضعف اللغوي في العالم العربي ما هي إلا نتاج عدم الاعتزاز بلغة القرآن الكريم وعدم الإيمان بأنها لغة مقدسة وأن تعلمها ودراستها وصحة النطق بها والكتابة فيها واجب ديني، فقد روي عن الصادق المصدوق قوله: رحم الله امرأً أصلح من لسانه ، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلّموا العربية فإنها من دينكم ، وقول الإمام الشافعي رحمه الله إن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم .
إن عدم اعتزاز العرب بلغتهم للأسف قد استمر واستفحل، إذ لم يعد هناك اعتزاز بها لدى أهلها وصارت رؤيتنا لأنفسنا تتم من خلال الآخرين,, إن نفسية التبعية تتجذر بعمق في العقل والنفسية العربية وأكبر الادلة على ذلك نمو ثقافة استسلامية تدعو لإهدار ثوابتنا العربية والدينية، وقد انعكس ذلك على اللغة العربية لغتنا الجميلة بحيث لم يعد هناك اعتزاز بها فصار معظم الساسة والمفكرين وأساتذة الجامعات لا يحترمون لغتهم ولا يرغبون في الحديث بها.
إن إهدار العرب للغتهم على المستوى الداخلي سوف يؤدي الى عدم إمكانية تأثيرهم في البلدان الاسلامية الآسيوية والافريقية، وكذلك الأوربية المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفيتي سابقا مثلاً.
كما أن عدم احترامنا للغتنا العربية سيجعل العالم من حولنا لا يحترمنا ولا يكترث بنا وسوف يكون أكثر جرأة في الاعتداء على ثقافتنا ولغتنا، وقد حدث ذلك فعلاً؛ فبعد كفاح طويل صارت اللغة العربية لغة عمل في الأمم المتحدة أي يستطيع أهلها أن يتحدثوا بها في محافلها كما أن الترجمات لمؤتمرات ووثائق الأمم المتحدة تتم بها، لكنها الآن تتعرض لمؤامرة حذفها من ان تكون لغة عمل في الامم المتحدة وذلك بسبب ضغط النفقات وقد قدم فعلاً اقتراح لحذفها وهذا الاقتراح سيأخذ طريقه الى التنفيذ وذلك لعدم اكتراث العرب في بلادهم بلغتهم فكيف سيكون اكتراثهم بها خارج بلادهم، إضافة الى أن موظفي الأمم المتحدة من العرب لا يهتمون بالحديث باللغة العربية وإنما يتحدثون باللغة الإنجليزية، فتكون النتيجة أن المدافعين عنها هم الذين يهدرونها وهذا ما جعل العالم من حولنا يتجرأ على لغتنا التي هي حاضنة ثقافتنا وتراثنا.
للتواصل: ص, ب 56165
الرياض 11554

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved