أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 1st October,2000العدد:10230الطبعةالاولـيالأحد 4 ,رجب 1421

مقـالات

شدو
(يعني إني!!)
د, فارس محمد الغزي
هل سبق أن وجدت نفسك في وسط أُناس اتهمتهم بالفلسفة والادعاء وذلك لأنهم ببساطة كانوا يخلطون مناقشاتهم بلغة غريبة عليك ولتكن اللغة الإنجليزية على سبيل المثال؟ بل هل سبق أن اُتهتمت (أنت ) بالفلسفة والادعاء لكونك تكلمت بلغة تخصصك العلمي / العملي كالعسكرية، أو الطبخ، أو الكومبيوتر، أو الخياطة، أو الهندسة، أو علم الاجتماع، أو حتى بلغة هوايتك من صيد سمك مثلا أو جمع عملات قديمة أو طوابع، أو حتى حرفتك المهنية من ميكانيكا سيارات، أو قيادة (خط بلدة!) أو ليموزين، وهلم جرا.
حسنا، لماذا يحدث هذا؟ لماذا يسيطر اللاحق على السابق (فيخلط!) الإنسان بين لغته الأصلية والمصطلحات اللغوية/ العملية التي اكتسبها لاحقا عن طريق التخصص أو التدريب؟
الإجابة العلمية لأسباب الظاهرة المذكورة آنفا ربما تشغل حيزا أكبر من الحيز المتاح هنا ولذا فلن أوغل في ثناياها مفضلا بدلا من ذلك طرقها من وجهة نظر تراثية تليدة, فمن المعلوم ان الإنسان ليس سوى نتاج لبيئته، وعندما نقول (نتاج) فنحن نعني كل شيء: من شكله، حركاته، تعبيراته، مزاجه، عاداته، لهجته، لغته الجسدية، وحتى عبارات حبه ورومانسيته وإلا فأنى لنا فهم أبعاد (يا بعد كبدي ,, ولماذا الكبد فقط؟!),, المهم: إن مخاطبتك لزملائك في الجامعة بلغة التخصص مثلا ليست سوى عملية تكيُّف من قبلك مع بيئتك الأكاديمية, إنها عملية بناء آليات وعلاقات غير رسمية (Informal) وتضامن (Solidarity).
إنها بالأحرى عملية (ترسيم حدود) من شأنها تقوية علاقات (الشلة) وتأصيل آليات تفاعل أفرادها مع بعضهم البعض, إنها، كذلك، عملية أو ظاهرة قديمة متمثلة في أن ما يجيد صنعه الإنسان يسيطر على هذا الإنسان فيعيشه قلبا وقالبا: فالشاعر يتكلم مع ربعه بالشعر، والكيميائي بالكيمياء، والمحامي بالقانون، والطبيب بالعلل والأمراض والعلاجات، تماما كما أن (الراعي) في وسط الصحراء يتكلم (بلغة الغنم!) من عشب وخير ومواسم مطر وصوف (وبقل!) كذلك, إنها (غلبة الفن) على الإنسان وكما يقول العلامة الصفدي (الغيث:204): وكل من غلب عليه فن من الفنون مال به إلى ذلك الفن وغلبت عليه قواعده ,, (وقد) حُكي أن بعض الأطباء كان في خدمة بعض الملوك في غزوة لم يكن معه وقت النصرة كاتب فأمر الملك الطبيب أن يكتب إلى وزيره يعلمه بذلك فكتب: أما بعد، فإنا قد كنا مع العدو في حلقة كدائرة البيمارستان، حتى لو رميت مبضعا لما وقع إلا على قيفال، فلم يكن إلا كنبضة أو نبضتين انتهى (مع رجاء ملاحظة أن ما ورد من عبارات في هذا الخطاب ليست سوى عبارات ومصطلحات (طبية) استخدمها الأطباء الأوائل), بل إن شخصا يدعى (بالرياضي) أي متخصص رياضيات (قديمة!) قد سُمع يقول وهو يحتضر: اللهم يا من يعلم قطر الدائرة، ونهاية العدد، والجذر الأصم، اقبضني إليك على زاوية قائمة، واحشرني على خط مستقيم!,,, آمين!
خاص لأحباب (شدو): الرجاء ملاحظة أن صندوق بريدي الخاص قد تغير عما كان عليه سابقا, الصندوق البريدي الجديد هو
ص,ب: 454 رمز: 11351 الرياض

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved