أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 1st October,2000العدد:10230الطبعةالاولـيالأحد 4 ,رجب 1421

مقـالات

ذهب المرور,, جاء المرور ,, أين الجديد يا مرور ,,,!؟
حماد السالمي
* لن أسمح لحظة واحدة، لتلك التي تسمى خيبة الأمل ، بأن تتسلل إلى نفسي، إن مجرد الشعور بخيبة الأمل في الممارسة المرورية الجديدة ، التي بدأت تأخذ مكانها في الشارع العام، أمر في غاية الخيبة، حتى لو بدا الحال، كما لو أن هناك نمطية متعالية، تستمد جذورها من الماضي الذي يأبى أن ينفك منا، حتى لو بذلنا ما في وسعنا لتغييره، أعني العلاقة التي تربط رجل المرور بالمجتمع، هذا,, اذا أردنا أن نصنف الحالة المرورية في البلاد، وفق مفهوم حيوي ، يقوم على أساس التوازي وليس التضاد، بمعنى,, أن يسير طرف، جنبا الى جنب مع طرف آخر، وهذان الطرفان، يجمعهما في هذا التوازي ، السلوك المروري اليومي، بكل ما يعنيه هذا السلوك، من نظم وقواعد وحاجات اجتماعية، تفرض شكلا من أشكال التعامل الانساني ، وتوجب تطوير هذه العلاقة المسلكية بين طرفين لا يستغني أحدهما عن الآخر فتنتقل بها، من علاقة تحاسب وتجريم، كما كان سائدا في أزمنة قديمة، الى علاقة احترام متبادل يقوم على الثقة, ولا ينبغي أن تكون هناك ندية بينهما توجب للجميع، من خلال المجموع لا الفرد، والأمن للكل, ماذا والا، فاننا سوف ننحرف بهذا المفهوم، الى شكل من أشكال التضاد والتنافر، الذي يتحول الشارع معه، الى ساحة كئيبة، ليس فيها من مظاهر المرور، ما يدل على جديتنا ورغبتنا في التغيير الى الأفضل، وفي ظل مثل هذه الوضعية، فان الصورة تبدو، وكأن قططا مسعورة، تنصب المصايد لفئران مذعورة، تجري في كل اتجاه، دون وعي بما تفعل أو ما يراد بها,,! وفي آخر المطاف، لا القطط تشبع، ولا الفئران تتعلم من تجربة المطاردة هذه,,!
* عندما بدأت الحملة الأمنية، التي جاءت تحت مظلة خطابية مرورية مع مطلع هذا الشهر، كنت مع المنتظرين المتفائلين بالجديد الجاد المتبصر، الذي يترجم ما ينادي به قولا وعملا، لكن جاء الأمر خلاف ذلك تماما، فالطرح النظري الذي صاحب انطلاقة المرور في عهده الثاني ، فيه من الألوان الجميلة ما يسر ويبهج، لكن,, ما ان حانت ساعة التطبيق العملي، حتى غابت واختفت معظم الألوان الجميلة المفرحة، وحل محلها ذلك اللون الرمادي,,! لون تعودنا عليه منذ عشرات السنين, الجديد الجاد ضل على الورق، وابتسامات المذيعين والمروجين والمنظرين للمشروع المرروي، اختفت، وبهتت على شفاه كثيرة في الميدان، لا جديد، ولا كلمات حلوة، ولا ما يحزنون,,! الوجوه هي الوجوه,, والبدل هي البدل,, والتكشيرة هي التكشيرة، ونظرات الشك والتجريم المسبق ، تنطلق كالسهام من تحت جباه مقطبة، وكلمات وألفاظ جافة، تجد طريقها للخروج، لتصفع آذان الطرف الآخر في شيء من الصلف والتعالي,,!
* هل تغير فينا شيء,,؟
* هل عدنا من جديد، بجديد,,؟
* في أولى الخطوات التطبيقية لبرنامج المرور التصحيحي ويحلو لي أن أنعته بالتصحيحي حتى يتحقق التصحيح المراد ان شاء الله جاء دور ربط الحزام، ومراقبة التقيد باشارات المرور, حسنا,, هذا أمر في غاية الأهمية، وكم أكون سعيدا وأنا أرى في بلدي من يربط حزام الأمان، ويقف عندالضوء الأحمر، لأن عدم ربط الحزام، فيه مخاطرة بحياة السائق ومن معه من ركاب، وتجاهل الضوء الأحمر ودور اشارة المرور، يعني الشروع في قتل,, لكن هذا الذي أراه أمامي، يأمر وينهى ويعاقب ,,! لا يربط الحزام، ويتجاهل اشارة المرور أمام أولئك الذين يأمرهم وينهاهم ويعاقبهم، مرة بالتوقيف، وأخرى بالغرامة، وثالثة، بهما معا، وما يلحق ذلك من أذى,, ليس هذا فحسب، بل هناك شكوك وظنون ترقى عند هذا الآمر الناهي في بعض الأحيان، الى درجة اليقين، وتنعكس سلبا على الطرف الآخر، بكل ما يتبع ذلك من افرازات غير محمودة العواقب، وما كنا نرغب أن يعود الينا المرور بعد غياب طويل، بعصا وأنف أبي كلبشة ,, يوقف ويغرم ويجرم، بدون قواعد انسانية تحكم هذا السلوك، وهو الذي كان في الامكان، السير به في سلاسة ومرونة تقرب ولا تبعد، تحبب ولا تنفر، وفي اطار من علاقة ودية تربط الطرفين، وتجمع بينهما أكثر فأكثر.
* في كل يوم، وفي مدن كثيرة، ينصب المرور في هذه الأيام مصايد للمخالفين، ثم ينقض على مجموعة من السائقين في وقت واحد، وفي مكان واحد، وفي مشهد احتفالي مسرحي غريب، بكل ما يجري فيه من أخذ ورد بين طرف وطرف,,! هذا ليس له مثيل في كثير من البلدان.
* قدر لي أن أكون في أتون أحد هذه المشاهد المرورية، كان ذلك، ضحى يوم الثلاثاء الفارط الموافق 21 من شهر جمادى الآخرة هذا، وجاءت المصيدة على طريق الصناعية بعد اشارة المرور بأكثر من كيل ونصف، عشرات السيارات تم ايقافها، أولاً لربط الحزام,, أمر جيد, ثانياً: كل من وقف ولو للفرجة، قذف بتهمة قطع الاشارة,,! ثم تبدأ عمليات مكوكية من التشاجر والتخاصم والأيمان المتبادلة,, جميع السائقين هنا متهمون حتى يثبت العكس,,! من يستطيع أن يثبت أنه برىء من تهمة قطع اشارة,,؟ لكن عندما يطلب الطرف المعاقب من المتهم أن يحلف,,! هنا يأتي الفرج,, يحلف المتهم وقد يكون صادقا، خاصة عندما يأتي الاتهام في شكل تشككي لكن المصيبة تأتي، عندما ينبري أحدهم من سيارة المرور متبرعا بأيمان جازمة بأنه رأى المخالفة، أو أن زميلا له غير موجود بطبيعة الحال أخبره بذلك,,! هذا المنقذ,, المنبري ، يأتي للموقع للمساعدة، فهو لم يكن هنا قبل لحظات، لكنه لا يربط الحزام، ولا يتقيد بالنظم المرعية في التنبيه للانحراف يمينا والوقوف، حدث هذا أمامنا وتندر عليه البعض، ومثل هذا البعض المتندر، أو المعلن عن نيته في التظلم الى الجهة الأعلى، يقابل بسيل من الألفاظ غير اللائقة، ثم يصبح مدانا حتى لو توسل وحلف بأغلظ الأيمان,,!! ثم,, ينبري من يذكره أو يهدده بغرفة الحجز التي تنتظر اذا لم يسكت,,! وهنا,, تبرع أحدهم، فذكرنا وكان معنا يشهد هذا المحفل على سبيل التسلية، بما كان يفعله بعض المعلمين الفاشلين، الذين يهددون التلاميذ الصغار بغرفة الفئران فوق سطوح المدرسة,,!
* وفي هذا المحفل الحاشد، تأتي في لحظات قليلة، صور في غاية الغرابة، فهناك سيارة شبح يبلغ عنها في الجهاز، لكن عندما تصل المصيدة، يتم التعرف على سائقها ويستقبل بالابتسام، ثم يفسح له الطريق فيمضي,,! امض يا ابن العم,,! واسئلة توجه لعدد من السائقين، عما اذا كانوا متأكدين من انهم لم يقطعوا الاشارة,,! ويأتي القرار بعد ذلك على ضوء أجوبة المتهمين ,,!
* في هذا المكان المكشوف، أحسست أن أشياء كثيرة غابت, وحده التشنج والانفعال، كان باديا على كل الوجوه والتأزم كان سيد الموقف,,!
* ومع كل ما تقدم، وما سوف يأتي متأخراً، أقول,, وأؤكد، بأني لن أفقد الأمل في تعامل حضاري أفضل، يقوم بين رجل المرور وأفراد المجتمع يوما ما، أفراد المجتمع، الذين منهم أيضا من يضرب بتنظيمات المرور عرض الحائط، اما جهلا أو تجاهلا، وحري بنا أن نرفق بالاثنين معا، الجاهل يعطي من المعرفة ما يرفعه الى مرتبة العلم، والمتجاهل,, يؤخذ على يده بما يكفي من الملاحقة والتجريم والعقاب، ولكن في صورة من التعامل يبدو معها رجل المرور أكثر مصداقية وحضارية وتوددا وقربا من الناس.
* ان كافة التشريعات والتنظيمات المرورية، لن تجدي نفعا اذا كنا ما زلنا نعمل بعقلية المصيدة والتجريم بالظن، والتجريح والتهديد، والنظر الى الشارع من أعلى، وخير لنا جميعا، أن نبحث عن وسيلة حضارية، نتوصل بها الى قلوب الناس، ثم في الخطوة القادمة، نصبح جميعا مواطنين شرفاء شركاء، نتوزع المسؤولية بيننا، لأن هذه المسؤولية، تعني الأمن والسلامة ، التي هي أمانة نحملها بشرف لهذا الوطن الكبير,, الكبير بكل ما يجمع من أفراده، من حب وتوادد واحترام.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved