أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 30th September,2000العدد:10229الطبعةالاولـيالسبت 3 ,رجب 1421

مقـالات

العولمة والرهان على إنسانية الإنسان
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
لا يهمني كثرة المذاهب والمصطلحات المتموجة التي تضاعفت عند كل كاتب معاصر معنيٍّ بهموم العصر إلى حد التخمة,, إنما يهمني أن كل مذهب وفلسفة في إطار العلمنة يلغي إنسانية الإنسان بإعلانه العصيان لمقتضيات القيمة الإنسانية التي تأخذ خبراً وتقنيناً من الدين المعصوم، وعطاأ فكرياً من عمل العقل الحصيف، وتجربة حسية من سلوك الناس، وشعوراً وجدانياً من تجربة الذات,, إن كل هذه المذاهب والفلسفات تصب في سياق تاريخي مستقبلي لا تزال بإرادة الله وحكمته تتحكم فيه إرادة القوى البشرية تخطيطاً وتنبُّأً منذ سياسة الوفاق العالمي والدولة الواحدة المهيمنة، وكانت الصياغة الأخيرة لذلك بكلمة العولمة في زمن الحداثة، والتوقع لمستقبل ما بعد الحداثة!!,, وكل هذه المذاهب والفلسفات منذ عصر العلم، فالعلمانية، فالحداثة والعولمة تُأكِّد في العقول والنفوس مبادِأَ كأنها نتائج علمية لاستلاب القيمة الإنسانية مثل هذا النحو:
1 أن صفة الاقتصاد العلمية أن يكون رشيداً,, ومعنى رشده أن يكون تقابلاً بين السلعة والقيمة بدون تدخل أي مشاعر إنسانية بالقيم الإنسانية كالمرحمة والمعقولية.
2 أن الإنسان الحداثي موضوعي,, أي ذو قيم مادية نفعية ترتبط بالجسد المادي المنظور في شهواته وأهوائه,, وموضوعيته تُبرِّأُه من كل قيم إنسانية ومشاعر إنسانية تُنَغِّص على المبدإ السابق.
3 لا شيأَ يسمو على المادة، ويحكم قوانينها، ويدبرها بإرادة غير إرادة البشر,, وفي هذا تسلط على العقل البشري، وإحباط لبراهينه على ما وراأ المادة، ووعيه بالواقع المغيب، ومشاهدته لآثاره,, وبحرية إرادية يُسقط المفكر الحداثي وجوده البرهاني الواعي.
4 إسقاط الإلحاح الفكري على غائيات السلوك، ذلك أن العلم تقدم مادي لا نهاية له، والفرد ذو عمر محدود,, وهذان الواقعان يُلحَّان على فكره بأن التقدمية ليست قيمة في ذاتها لعمرٍ ينتهي، فلابد من إظهار قيمة تكون غاية للتقدم,, بيد أن الإسقاط والإرهاب التقدمي أثمر قطيعاً من البشر تنازل بحرية سلوكية عن كل إلحاح للفكر، ونداإِ للقيم,, كل غاياته مربوطة بشهوات الجسد، وكل ثورة له على أنماط التقدمية لا تتعدى العبث والتمرد، أو القلق والاستلاب,, ثم الانتحار!!.
5 أن الدولة العلمانية سواأُ أكانت متعددة، أم كانت دولة العولمة الواحدة: تقوم بواجب كل مذهب وفلسفة يفصلان الإنسان الجسد عن الإنسان القيمة ديناً وفكراً ومشاعر,, ولا تحتاج الدولة العلمانية إلى كثرة نار وحديد لتطويع الأفراد، لأن الحرية الإرادية السلوكية التي أسلفت الإشارة إليها كثيراً أفرزت أمماً متنازلة عن قيمها الإنسانية لأجل شهواتها الجسدية، وعن نشدان الغاية,, وكان نظام الدولة مشتقاً من الحق الطبيعي البهيمي الذي بلوره اسبينوزا وغيره من مفسدي الجنس البشري ومضللي فكره,, إن النظام هو صيغة القانون بكل أنواعه، وسيادة القانون مسلمة جماهيرية، ومخالفته جريمة بالمسلمة نفسها.
6 فرض القيمة على كلمات إعلامية دعائية مثل حرية ومساواة,, وأعني بالقيمة التسليم بأن كل مفردة من تلك المفردات الإعلامية تعني الحق والخير والجمال بغض النظر عما تتعلق به الكلمة الإعلامية، فحرية الإنسان قيمة فاضلة وإن كانت تحرراً من قيم إنسانية تعني الحق والخير والجمال، فيكون التحرر منهن باطلاً وشراً وقبحاً، لأن الكلمات الإعلامية مشتقة من الحق الطبيعي على علاته,, ومن هذه الشعارات الإرهابية كان تسلط قوى العولمة على الدول والشعوب ذات التمثل للقيم الإنسانية بمقولة حقوق الإنسان ، ليسود القانون الطبيعي الذي هو صياغة لهمجية الحق الطبيعي البهيمي المجرد الإنسان من طبيعته القيمية,, ويتبع القيمة الموأُودة قيمة نوعية للبشر في الثقافة والمزاج والإحساس ترتكز على خصائص خلقية جسدية مادية من البيئة الجغرافية، والوراثية السلالية، وإفرازات بيولوجية,, وذات إدارة ونظام وعلم نظري تملك أصوله ولا تحتاج إلى حضارة دولة العولمة الكبرى ومن يقاسمها المطامع من الأجناس الأوروبية,, إذن الذي يحكم الشعارات الإرهابية شهوات الحق الطبيعي والأهواأُ العنصرية لدول العولمة، وإذن فالسير في قافلة العولمة طوعاً، أو اختياراً تنازل أو طرد عن الطبيعة الإنسانية وقيمها الدينية والفكرية، والبديل عنصرية الآخر!.
وكان الناس السويون يفرون من العلمانية بمفهوم فصل الحياة عن السياسة، ليكون الفرد حراً في اختياره,, فروا من ذلك لعلمهم بأن الخير العظيم العقبي له معوقات ويحتاج إلى دعم من السياسة!!,, قبلوا ذلك فإذا هم يسقطون في علمانية فصل الدين عن الحياة,, وإذا بدول الثورات في عالمنا العربي بالذات تملك كل مقومات التسلط والإحاطة بشعوبها، وتملك الإعلام الذي يصوغ بكل طرق الإغواإ عقليةِ علمانيَّ فصل الحياة عن الدين والقيم الإنسانية الذاتية، فتصبح بالتالي أجهزة الدول الثورية أجهزة إرغام للفرد على العلمنة الشاملة، وبذلك يسقط حق الفرد في القانون الطبيعي الذي قام عليه النظام العلماني، لأن حق الفرد إنما هو في حق الشهوة الطبيعي، لا في حق القيم للطبيعة البشرية، فلا حرية له في ذلك، ولا حرية لدعوته!!.
ولا ريب أنه يقود دول العولمة، ومطامعها الظاهرية عقل جهنمي قد يكون خفياً لدى الغوغائية، وهو معروف لدى الخاصة، ولكن الحيلة عاجزة عن المواجهة بالحقائق لعظمة الضغوط للعقل الخفي وطغيان صوته على كل الأصوات: تصفية جسدية، وتصفية نفسية، وشراأَ للذمم بكل طرق الإغواإ والإغراإ,, وبين سذاجة الرؤية للكيد الخفي وبين ضعف الحيلة وجدت أصوات ذات مجمجة في خطابات أدبية وفلسفية وعلمية تصدر من مثل معهد هدسون ومدرسة فرانكفورت,, وهذه الخطابات تطرح الشكوك والرُّآ 1 القاتمة التي تنتظر مصير البشرية فيما فيها دول العولمة,, من تلك الخطابات هذا الصوت لفوكوياما إذ يقول: مشكلة الأمريكي المعاصر ليست في أنه يعيش أزمة كبرى، بل في أنه لا يعي هذه الأزمة أو يرفض الاعتراف بها,, تلك هي حقيقة ما أسميه المأزق الأمريكي,, إنه أي المأزق داكن ليس واضحاً فيه سوى الضياع والبلبلة,, سيجد الأمريكيون أنفسهم كعملاق 2 فقد فجأة 3 .
قال أبو عبدالرحمن: يكون مثل هذا الخطاب من الصهيوني إنباأ بنتائج تخطيط جهنمي رسمه أبناأ جنسه كما في إنباإ فرانز كافكا بما بعد وعد بلفور كما في أقصوصة بنات آوى وعرب، ويكون من غير الصهيوني تنبُّأً عن وعي بالبواعث والأسباب,, وقد يدخل ضمن ذلك الوعي بالعقل الشرَّير الخفي.
الحواشي:
1 في الرسم المعتاد الرُّأى ، وما اخترته هو الصواب الراجح، لأن الرسم صورة للنطق، أما كون أصل الكلمة واوياً أو يائياً فمهمة الصرف لا الرسم الإملائي،وحسب النطق رسمت الألف المهموزة بعلامة الألف الممدودة.
2 اجتمع هاهنا قبحان هما كاف التشبيه والمراد الوصف المطابق لا التشبيه المقارب، ووصف الجماعة بالمفرد، والصواب: عمالقة فقدوا,, أو عالماً عملاقاً فقد.
3 بتصرف واختصار من مناظرة مع الأليكس كالينيكوس مجلة القاهرة عدد 140 ص 102.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved