| مقـالات
يعييه امتطاء صهوة الألم فيغريه وميض الأمل المشع في عتمة اليأس من المعلوم، فيقرر الرحيل الى المجهول, يتوغل في سراديب الزمان هرباً من الزمان, يضنيه البحث عن المفقود في ذاته المفقودة فيقرر الاياب متأبطاً بين اضلاعه كل آمال البشر، كل آلام البشر، كل خبرات البشر، كل مؤهلات البشر، كل مفاجآت الزمان القاحلة الجرداء، وكل الحنين وكل الحب لها وللحب وللحنين.
يعود وقد لاك كل مفردات السفر غير الفريدة، وجال في أجواء كل صالات المغادرة الغادرة، وبحث عن الحنين في كل محطات القدوم الشاحبة الخالية من الحنين, ورغم شواطىء الظمأ الانساني في وجدانه يشمر عن ساعديه فيحرث ويزرع فلا يحصد سوى أشواك الحرث والزرع فموت الأزهار المنتظرة للحظات الاحتفاء بمواسم قطاف لم تحل قط, تضيق عليه فتتجلى أمام ناظريه مساحات الوهم المكتظة بالسراب، وتتقلص آفاق الكون من حوله، فيقرر استئناف الاضمحلال في المجهول من جديد, يمتزج أزله بأبده فتزداد مسافة ما بينهما من سرمد مجهول ليحول موت الأمل بينه وبين سرادق عزاء موت الحقائق في ذاته وليفقد ذاته القديمة من جديد, يصر على استجداء الرحيل رغم مرارة الرحيل، يطرق مسامعه أنين ما قبل الرحيل فينسكب ما ينسكب على وجنتيه من دموع محتجة على الرحيل تارة ومحتفية بالرحيل تارة اخرى, تصطدم في ذهنه الأزمنة المربكة بالأمكنة المكتظة,, بالذكريات السارة وغير السارة,, بالبشر قريبهم إليه وبعيدهم عنه,, فيزداد المجهول وحشة ويزداد رغم الوحشة اصرارا، ويظل السؤال المحال محالا, تمتزج فيه معالم ضياع الذكريات والآهات والخلجات والعبرات فيبدأ رحلة التلاشي في أروقة الزمن, يتوقف الزمن وينكمش المكان فلا يعود يطرق مسامعه سوى آهات ما ألقى على قارعة الطريق المعبدة باليأس, تنتحر الكلمات فيه احتجاجا عليه فيلوذ بالصمت المجلجل لآفاق الوجود, يتساءل فتجاوبه اصداء صرخات الحياة البادئة بصرخة استغاثة من الحياة,, ويبقى السؤال المحال محالا.
يتجلى حبوا من رحم موقف ليموت صبرا تحت رحمة موقف آخر وآخر وآخر، وأسئلة الرحيل تصارع فيه غرائز البقاء لديه ويبقى السؤال المحال محالا، تموت كل الاسئلة، وتموت بموت الأسئلة الاجوبة، ويبقى السؤال المحال محالا.
يتساءل لماذا يتساءل: من اين شددت الرحال؟ ولماذا شددت الرحال؟ وكيف حططت الرحال؟ وما اسم هذه المدينة المكتظة بالفراغ، المحتضنة لغرائز البشر، المستجدية لانسانية ضحيتها الانسان؟ ما هذه الشوارع التي لا اسماء لها؟ اين موقعه منك يا أيتها المدينة الضائعة عن نفسها ضياعه عن نفسه، الهاربة من انسانيتها هروبه من انسانيته، الخاوية على عروشها خواء ذكريات الزمان والمكان في فؤاد له مزق الزمن اضلعا احاطت به عطفا عليه؟ كفى يا ايتها المدينة الحاضنة الى حد الاختناق، الرؤوفة الى حد القسوة والتجرد، الغريبة غرابة غربته، واغتراب ذاته، وغروب شمس الامل عن واقعه، ويظل ويظل السؤال المحال محالا؟
يا ايتها المدينة المكتظة بالفراغ، دعيه يحتج على طريقته الخاصة,, ودعيه يحزن على منواله الخاص,, دعيه يبحث عن اجابة في سفر الزمان عن سفر الزمان الحثيث قتلا للحياة, يا مدينة ليست له: يا لها من لحظات سرمدية تلك التي يجد نفسه فيك مجبرا على تلحف رداء الغربة في شوارعك الخلفية التائهة عن عناوينها, لحظاته تلك ليست سوى لحظات مالك بن الريب في نهاية رحلة التلاشي وهو يبكي مصير حصانه في خضم المجهول القائل:
غريب بلا عون يجر لجامه الى الماء لم يترك له الموت ساقيا!! |
|
|
|
|
|