| عزيزتـي الجزيرة
الموت غاية كل حي، وكأس كل الناس شاربه وهو نهاية حتمية لا مفر ولا مناص منها,, ونحن ندرك ذلك يقينا لاسيما واننا امة مسلمة تستحضر الموت وتعمل لما بعده,.
ومع ذلك يظل للموت رهبته وفجيعته خصوصا اذا خطف من له في القلب مكانة ومساحة من الحب كبيرة,بالأمس القريب ودعنا وبألم شديد الخال/ فهد الركف الذي انتقل الى رحمة الله تعالى بعد معاناة وصراع مع المرض.
ومنذ تلك اللحظة وأنا أناجي غائبا عيناه عندي ينادينا واسمعه نديا.
هول المصيبة لم يترك لي مساحة من التفكير أو حتى تدبر ما أقول ولكن ارادة الله نافذة وما علينا الا القبول والتسليم.
ياخال,, حينما علمت بتأزم مرضك اتجهت فورا الى مستشفى الملك فهد للحرس الوطني بالرياض,, كانت آمالي وأحلامي تعانق عنان السماء وتتمثل في عودتك سليما معافى الى بيتك وأطفالك لكن الله يفعل ما يشاء فقد عدت بجسدك فقط اما الروح الطاهرة فقد صعدت الى السماء.
ياخال,, بعد رؤيتي لك لأول مرة مساء الخميس ايقنت انك فعلا على فراش الموت، وخالجني شعور المفارق لمحبه,,جلست قريبا منك يدٌ على الخاصرة وأخرى على الجبين استعرض جانبا من مسيرة حياتك الحافلة حبا لي شخصيا وعطاء متدفقا ينبض من فيض انسانيتك وروحك الأبية,, في تلكم اللحظات تعطلت لغة الكلام بل وشل معها التفكير فذاد عن مقلتي لذيذ النوم حتى السِنَةُ لم أشعر بها في الليل البهيم.
ياخال,, بعد ان التقطت أنفاسي واستشعرت حال البشرية ومصيرها بدأت أتذكر ما فعلته لنا في طفولتنا اشقائك بنين وبنات وأولادهم وأنا واحدٌ منهم,, كنت مبادئا ومبادرا في رسم الابتسامات على شفاه الأطفال رفهتنا في وقت لا يعرف فيه حتى اسم الترفيه.
ياخال,, تذكرت كرمك الفياض رغم ضيق ذات اليد وهي صفة اكتسبتها من والديك حفظهما الله ولم اتذكر في حياتي ان حضرت وليمتين في يوم واحد إلا في منزلكم العامر.
ياخال,, تذكرت ما قمت به تجاه اشقائك واقربائك فهذا مصاب تواسيه وهذا عليل تداويه وذاك محتاج تعطيه ورابع فقير تقف الى جواره حتى اكتسبت (واحة الركف) وارفة الظل فقد كنت بحق كالشمعة التي تحرق نفسها لتضيء للآخرين.
ياخال,, تذكرت اني واشقاءك عرفنا السفر في وقت مبكر واصبحنا مرشدين في معرفة مدن المملكة من جراء كثرة رحلاتنا معك وما زالت تلك الرحلات تحت مظلتك عالقة بالأذهان وأظنها لن تتكرر.
ياخال,, تذكرت اعمالك الخيرية ووقفاتك الصادقة، ومواقفك المشرفة النابعة من إيمان عميق بالله ولن اتحدث عنها تحقيقا لرغبتك لأنك كنت فقط ترجو الأجر والمثوبة من الله لا حرمك الله اجرها وجعلها في موازين حسناتك.
ياخال,, منك عرفنا بر الوالدين ومعناه وابعاده وآثاره ونتائجه,, فما قمت به تجاههما يمثل ارقى درجات البر واحمد الله ان وفاتك جاءت في ظل وجودهما ليكافئاك بالرضاء والدعاء وهل هناك أغلى من هذه المكافأة.
ياخال,, قليلة في حقك هذه اللفظة فلقد كنت اكثر من خال فادوارك في حياتي كثيرة فكنت الأب في غياب أبي والأم في المواقف التي احتاج فيها لدور الأمومة,, كنت أخي الأكبر الذي ارشدني واخذ بيدي ومهد الي طريق الحياة, وعلمني كيف اكون عنصرا فاعلا فيها,, ترفض دائما التهميش بكافة أشكاله وانماطه,, كنت ايضا أخي الأصغر رغم انك تكبرني سنا تستشيرني في أشياء تدركها ولا تحتاج لرأيي فيها بيد أنني اعرف ان هذا منك كان في إطار التشجيع واشعاري بالنضج للقيام بالأدوار الكبيرة.
ياخال,, اعرف ان مرضك لم يكن وليد اليوم بل كان منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما حيث طال جسدك بدءاً بقدمك مرورا ببطنك وأسنانك وعينك ورأسك وقوفا بمحطة قلبك الكبير,, لكنك تعففت كالعادة عن منّة أحد سوى رب العباد وكأنك أردت مزيدا من الأجر لا حرمك الله من درجة الصابرين.
ياخال حزنت وفرحت,, اما الأولى فكان بسبب مشهدك قبل الوفاة بقليل من جراء المرض الذي غير ملامحك تماما حتى كنت لا تكاد تعرف,, اما الفرح فقد شاهدت بأم عيني بعد وفاتك نورا يشع من وجهك استجاب له جبينك الطاهر وهو ما يومئ بحسن الخاتمة إن شاء الله.
ياخال,, احسسنا بافتقادنا لك فور عودتنا من المقبرة موارين جسدك الطاهر ودخولنا منزلكم الذي غاب عنه الى الأبد مهندس مناسباته الذي يعمل من خلف الكواليس حرصا على اسعاد الحاضرين من ضيوف ومضيفين,, لقد تجلت صورتك مع كل خلل يبدو لي رغم ضبابية المشهد وتواري صورته.
ياخال,, انا أناجيك وانا ادرك انك في عداد الموتى لا تسمع ولا ترد وأنا اومن ايضا وبحمد الله بقضاء الله وقدره,, وإنما ماسطرته يمثل افرازات حزن يجثم في اعماق قلبي علَّ ذلك يهون عليَّ ألم الفراق وإن كنت ادرك سلفا أن ذلك الحزن سيبقى ما حييت.
كما انني ارجو من كل من قرأ سطوري هذه ان يدعو لك بالرحمة والمغفرة ليكون المجتمع بأسره ابنا صالحا يدعو لك.
ياخال,, اسمح لي ان اوجه رسالة الى نفسي اولا ولأشقائك وابنائهم بنين وبنات ولكافة أقاربك بأن لا تكون اجتماعاتنا في أيام العزاء لتلقي مواساة الأحبة والأقرباء وأهل الخير في مجتمعنا الخير والدعاء لك فقط فإن ذلك قد لا يدوم,, فمن الوفاء ان نستغل ترطب القلوب وصفاء النفوس هذه الأيام لنقوم بواجبنا تجاه فقيدنا الغالي وذلك من خلال مشروع خيري مشترك يخصص لك ليكون بمثابة الصدقة الجارية التي لا تنقطع بمشيئة الله تعالى.
ولا اطالب في هذا الصدد بتحمل ما لا يطاق فكثير القليل كثير والاسهام في الخير بركة وهي في النهاية لا تنقص من المال بل تزيده كما قال عليه الصلاة والسلام.
وأقترح ان يتولى هذا المشروع ابنه البار محمد ويعاونه عضده شقيقه ركف فهما أهل لذلك وهذا في تصوري أقل ما يمكن ان يقدم لرجل تسلل الى قلوب الجميع وملك قاعدة عريضة من المحبين والمقدرين ولن يندم من ساهم في هذا المشروع ودفعه الى حيز الوجود.
سائلا الله تعالى لك ياخال القريب والبعيد الرحمة والمغفرة ولوالديك وحرمك المصون وابنائك وأشقائك وشقيقاتك وكل من فجعته وفاتك الصبر والسلوان, والله من وراء القصد.
محمد بن عبدالله الطويان بريدة القصيم
|
|
|
|
|