| متابعة
* تونس الجزيرة
إذا كان الاستقلال بالنسبة للتونسيين في أهم أبعاده الحضارية تأكيداً لسيادة الارادة الوطنية واستقلالها وتحررها، فإنه يمثل ايضا انتصارا للهوية ضد محاولات النيل منها ومن ركائزها وخصائصها المميزة مثل اللغة والدين ومقوّمات الفكر والشخصية الوطنية والقومية, وقد وضعت حركة التحرر الوطني وقبلها حركة الاصلاح الحفاظ على الهوية الوطنية ودعمها على رأس اهتماماتها ومشاغلها الفكرية، ثم جاء الاستقلال ليعطي الهوية شرعيتها الدستورية حيث اكد الدستور التونسي في اولى مواده ان تونس بلد عربي لغته العربية، ودينه الاسلام، هذا بالاضافة الى الشعور الذاتي والتلقائي الذي عبّر من خلاله المجتمع التونسي عن تمسكه بهويته العربية والاسلامية.
وبما ان التغيير الذي حدث بتونس الشقيق في السابع من نوفمبر 1987 هو الوريث الشرعي لحركات الاصلاح والتحرر ولمكاسب دولة الاستقلال فقد تأسس بيانه الاول على مصالحة الشعب التونسي مع ذاته وتاريخه وذاكرته ورموزه الوطنية اي مع هويته فكانت الهوية هي المفردة الاساسية التي قادت التغيير بل الارضية التي انطلق منها ليرسم برامجه التعليمية والتربوية ويصور مقومات الشخصية من لغة ودين ومجالات تمظهر هذين المقومين, ويدعم ابداعاته فكرا وثقافة وفنونا وينمي خصائص المعيش اليومي للشعب التونسي من عادات وتقاليد وبيئة متوازنة تحفظ ماهو اصيل وتستفيد من المحدث، وتربط اواصر العلاقة مع محيط تونس العربي والاسلامي بل والانساني اتصالا وتواصلا, ان الهوية اذ تبني نفسها تحتاج للآخر يثريها وينميها ويستنهضها ويحرّضها على العطاء والابداع.
هكذا اذن عاشت وتعيش تونس التغيير مسألة الهوية تواصلا حيا مع الماضي, واستنفارا لإمكانات الواقع وجسورا مع المستقبل ومع الآخر المختلف والمتعدد.
الهوية امتداد باتجاه المستقبل
من هنا اكتست سياسة مصالحة تونس مع هويتها ومع محيطها الحضاري والجغرافي بعدا شموليا طال كل جوانب الحياة في تونس واصبحت خصوصية المسار والمقاربة السياسية والتنموية ترجمة للهوية وعنوانها الاكثر دلالة، وهذه المقاربة الشمولية وما افرزته من ديناميكية تجعل من الممارسة والعمل تعبيرا عن الذات تؤكد ان الهوية عند الرئيس التونسي زين العابدين بن علي هي مرادف للصيرورة ونقيضا للثبات والجمود لذلك عمل ابن علي على بناء رؤية واعية للعلاقة مع الماضي واستثماره وتوظيفه للمستقبل فالمستقبل الذي يريده التغيير لتونس ليس مجرد استعادة لصورة من الماضي او مجرد استحضار للذاكرة.
إن الهوية في المرجعية الفكرية في تونس نسيج يمنح المجتمع القدرة على الامتداد باتجاه المستقبل وعلى التجاوز باتجاه غير مغاير تزداد فيه مساحة الحرية من قيود الماضي,, وما إعادة الاعتبار للتاريخ إلا لكونه مؤسسة للمعرفة والتفسير تمكن الشعب من الحفاظ على العلامات المضيئة التي تساعده على الاستمرار في صناعة الحضارة والتاريخ.
لقد شكل الخطاب السياسي للتغيير احد ابرز تجليات مصالحة تونس مع هويتها, وفي هذا السياق نص الميثاق الوطني الذي وقته الاحزاب والمنظمات الجماهيرية والمهنية وشكل ارضية الوفاق السياسي حول الثوابت الوطنية في تونس العهد الجديد 1988 على ان هوية شعبنا التونسي عربية اسلامية متميزة تمتد جذورها في ماضي بعيد حافل بالأمجاد وتتطلع الى ان تكون قادرة على مجابهة تحديات العصر.
ويعتبر الميثاق ان التعريب مطلب حضاري متأكد وهو من اهم الضمانات لتطويع المعاصرة الى مكسب شعبي ولجعلها جزءا من الذهنية العامة كما حمل الميثاق الدولة التونسية مسؤولية رعاية حرمة القيم الإسلامية السمحة والعمل بهدي منها.
وقد تعددت الإجراءات السياسية التي عززت انتماء المواطن التونسي الى مجتمعه العربي المسلم ويسرت له قيامه بشعائره انطلاقا من ان الإسلام ركن اساسي في المجتمع، وتتالت المبادرات الرئاسية الكفيلة برعاية الدين وشؤونه.
ومن هذه الاجراءات قرار الرئيس ابن علي رفع الآذان في الاذاعة والتلفزيون, واعتماد الرؤية مع الاستئناس بالحساب في تحديد بداية كل شهر قمري، واعتماد التاريخ الهجري في الوثائق الرسمية الى جانب التاريخ الميلادي ومن الارقام الدالة على مكانة الاسلام في العهد الجديد ان عدد المساجد والجوامع التي شيدت زمن التحول فاق ربع مابني منها منذ الفتح الاسلامي لتونس.
ولقد احدث رئيس الجمهورية التونسية جائزة للدراسات الاسلامية، وتبعا لذلك تعددت المؤسسات التي بعثت خدمة للمرتكزات الاساسية للهوية وفي مقدمتها وزارة الشؤون الدينية التي تعتني بتطوير الخطاب الديني كي يكون خطابا مستنيرا, وكذلك تدعيم المجلس الاسلامي الاعلى الذي ينظر في الجوانب الفقهية والفتاوى الشرعية وكل مايهم المجتمع التونسي المسلم حاضرا ومستقبلا.
ولتحفيظ القرآن الكريم تقرر تلاوة الكتاب العزيز دونما انقطاع على مدار السنة برحاب جامع الزيتونة المعمور, ورصد جوائز هامة للشبان المتفوقين في حفظ القرآن الكريم والمشاركة في التظاهرات التي تنظم على الصعيد الإسلامي.
المصالحة مع القيّم الوطنية
لقد شملت المصالحة مع الهوية في تونس الى جانب إعادة الاعتبار لكل رموز حركة الاصلاح والحركة الوطنية، إعادة الاعتبار الى جملة من القيم تعتبر جزءاً من الشخصية التونسية التي تشكلت عبر قرون وفي طليعتها قيم التسامح والتضامن، والتكافل فالتسامح ليس مفهوما وافدا او مستوردا وانما هو من خصوصيات الشعب التونسي ومعنى من معاني هذه الجغرافية التي كانت على الدوام ارض اللقاءات وتلاقح الحضارات وتعايش الاديان والاجناس.
واستعادة هذا المفهوم لحضوره بعد السابع من نوفمبر يندرج في سياق استعادة التونسيين لكل المعادن الاصلية التي نحتت تاريخ بلادهم, وقد اكد الرئيس ابن علي هذه الحقيقة في قوله ان التسامح من جوهر ديننا الاسلامي وفي صلب تقاليدنا الاجتماعية وهو تاج الفضائل وميزة تاريخ تونس الذي يشكل مثالا لانصهار التنوّع في نفس البيئة الحضارية .
حاضر الامة من تاريخها الحافز
ونعتقد ان من اهم مفاصل هذه المصالحة مع الهوية في بعدها السياسي مبدأ علوية الدستور الذي يتمظهر في سلوك الرئيس ابن علي المتميز بالاحترام الدقيق لاحكامه، وحرصه على ان يستمد التغيير مشروعيته من الشريعة الدستورية اولاً وأخيراً وعلوية الدستور عند ابن علي لاتندرج فحسب في سياق تثبيت دولة القانون والمؤسسات او في إعادة صياغة العقد الذي يربط الدولة بالمجتمع وجعل الفصل بين السلطات مع هويتهم في بعديها التاريخي والجغرافي انطلاقا من تأكيد الرئيس ابن علي على ان حاضر الامة من نتائج تاريخها الحافز، وتاريخ تونس يقول انها اول بلد عربي يستصدر دستورا في اواسط القرن الماضي بل ان اول دستور عرفته البلاد التونسية هو الدستور القرطاجني، ويضيف التاريخ ان تونس قدمت الشهداء في سبيل اقامة برلمان تونسي في 9 ابريل 1934 من هنا نتأكد حرص الرئيس ابن علي على احترام الدستور كمرجعية اعلى للسلطة لاينفصل عن احترام سيادته ووفائه لتاريخ هذا البلد وإعادة الاعتبار لرموزه، وهو بهذا يعطي الدليل على ان تكريس حق المواطنة يظل جوهر كل مصالحة مع الهوية.
اللغة من أهم مكونات الهوية
ويعتبر التعريب من المظاهر الاخرى البارزة التي جسدت مصالحة تونس مع ذاتها, اذ عمل الرئيس ابن علي على تمكين اللسان العربي من السيادة المطلقة في تونس العهد الجديد,، وكانت العربية لغة الخطاب السياسي ذاته عبر التزام استعمال اللغة العربية الفصحى دون غيرها في الخطاب الرسمي لتونس التغيير، وكان تعريب الادارة وتعريب المحيط من اجل تأصيل الانسان في بيئته.
وتأكيداً للبعد الاستراتيجي والحضاري لهذا التعريب من دلالات كونه تأصيلا للكيان وليس قرارا ظرفيا او توظيفا سياسيا طارئا يكفي الاشارة الى القاء الرئيس بن علي جميع خطبه باللغة العربية سواء كان ذلك في المحافل الدولية او في زياراته الخارجية او عند استقبال ضيوف اجانب رغم اتقانه الجيد للغتين الانجليزية والفرنسية.
وفي هذا رسالة عميقة الدلالة للتونسيين وللعالم على ان اللغة عند الرئيس ابن علي هي مكوّن من مكوّنات الهوية, اضافة الى ادراك سيادته العميق بأن اصلاحا بهذه الشمولية ومصالحة بهذا العمق والتجذر لايمكن ان تكون الا ذات لسان عربي اي بلغة الشعب الذي هو هدف حركة التغيير وأداته.
التربية,, والعبقرية الوطنية
وبما ان التغيير جاء ليفجر العبقرية التونسية العربية الاسلامية ويصل ما انقطع بينهما وبين نهر الخلق والابداع والفعل الحضاري، كان اصلاح التعليم من اول منجزات العهد الجديد ادراكا من الرئيس زين العابدين بن علي بأن المدرسة هي الفضاء الذي تبنى فيه الذات الوطنية المتجذرة في هويتها وواقعها، والقادرة في نفس الوقت على التعامل مع الآخرين من موقع الندّية والتوازن.
وترجمة لهذا التوجّه تم التنصيص في قانون النظام التربوي وفي فصله الاول على الانتماء الحضاري العربي الاسلامي لتونس، وجعل تنمية الشعور بهذا الانتماء لدى الناشئة من اهم الاهداف التي يرمي اليها نظام التعليم والتربية, وفي هذا تأكيد للمكانة التي يحتلها التعليم في كسب معارك التنمية وصيانة الذات الوطنية والارتقاء بها الى مصاف الهويات الفاعلة على الخارطة الانسانية.
الإبداع والتنوير
ولئن اتسم تجذير الهوية في قطاع التربية بالشمولية واختراقه كل مراحل الدراسة من التعليم الاساسي الى الجامعة وفي مختلف الشعب، فإن الاصلاح الذي طال الجامعة الزيتونية رمز الهوية التونسية يوجز عمق الإصلاحات الهادفة إلى تجذير الهوية في هذه الربوع وإعادة الاعتبار إليها في المنظومة التربوية.
لقد أصبحت الجامعة الزيتونية في عهد بن علي صرحا علميا وتربويا يترجم عراقة الاصل وحداثة التوجه.
وقد جاء في الامر الرئاسي الصادر في 8 مايو ايار 1995 والذي ضبط مهام جامعة الزيتونة ان نظام الدراسة فيها يتنزل في دائرة الاهداف العامة للتعليم العالي والبحث العلمي ومهام الجامعات، وفي إطار الهوية الوطنية التونسية والشعور بالانتماء الحضاري العربي والاسلامي,, وان من الغايات المطلوبة لهذا النظام وترسيخ الوعي بان جامعة الزيتونة رمز يختزل مدرسة فكرية دينية قوامها تسامح دائم ونظرة متجددة الى الدين والتاريخ وتوق الى حياة روحية خصبة وعمل دؤوب لخير الانسانية .
كما نص الامر الرئاسي على تمكين المتعلّم في الجامعة الزيتونية مما يؤهله للتفاعل المعمق مع الثقافات والحضارات واثراء الفكر الاسلامي والانساني وذلك بجعله يحذق المعرفة الحديثة التي تتيح له فرص الاطلاع على انتاج الفكر الكوني اطلاعا مباشرا.
وهكذا اصبح يتخرّج من الجامعة الزيتونية اليوم جيل يتسلح بسلاح المعرفة ويتحصن بنظرة دينية عميقة متزنة بعيدة عن الغلو والانغلاق والتحجر جيل يفهم ان الهوية قاعدة للابداع والتنوير.
الذاكرة,, رموز تتجدد
ان المصالحة مع الهوية التي تحققت في تونس العهد الجديد بهدف تربية التونسي على الاعتزاز بانتمائه دينا وفكرا ولغة، وبناء المجتمع على سلامة العقيدة وصحة العلم تقدم نموذجا للهوية التي تحرر العقول والتي ترى ان رموز ذاكرتها لا تستمد استمرارية اشعاعها وحضورها الحي من عراقة دورها في الماضي فحسب, وإنما من قدرة المنتسبين الى تلك الهوية على التجدد والمساهمة في الفعل المستقبلي.
تشجيع,, وعناية مستمرة
من المظاهر الاخرى لعناية تونس بشؤون الدين اهتمامها بتحفيظ القرآن الكريم وذلك بتنظيم مسابقات لهذا الغرض على الاصعدة المحلية والجهوية والوطنية ورصد الجوائز القيمة للاطفال والشبان المتفوقين, ويشهد شهر رمضان من كل عام قيام مثل هذه المسابقات في مختلف انحاء البلاد وتتوج جميعها بتظاهرة وطنية كبرى.
ومع العناية بتحفيظ القرآن، شهدت المساجد والجوامع رعاية فائقة من قبل العهد الجديد في تونس فارتفعت بيوت الله في كل المدن والقرى والاحياء وهي تحظى بالصيانة والتعهد اليومي من اجل ان تؤدي رسالتها الروحية على احسن الوجوه.
وفي هذه الحركة المستعيدة للهوية العربية الاسلامية لم تنس تونس ابناءها في الخارج فدرجت منذ سنوات التحول الأولى على ابتعاث الائمة والاستاذة المختصين في علوم الدين الى البلدان الاوروبية التي تعمل بها الجاليات التونسية وذلك بهدف تعميق ارتباط التونسيين المهاجرين بهويتهم العربية الاسلامية وتبصيرهم بتعاليم دينهم ومبادئه السمحة.
وقد رافق هذه العناية بشؤون الدين تركيز العديد من الهياكل المشرفة على هذا الجانب الروحي من حياة المواطن والمنظمة لنشاطاته وكان البدء باعادة هيكلة المجلس الاسلامي الاعلى وتوسيع مشمولاته وتعزيزه بالكفاءات النيّرة حتى يلعب دوره كاملا كهيئة استشارية في كل مايتعلق بشؤون الاسلام على المستوى الوطني.
كما شمل التغيير، منذ ايامه الاولى ادارة الشعائر الدينية فألحقت بالوزارة الاولى ورفعت الى مستوى ادارة عامة في الشهر الذي تلا تحوّل السابع من نوفمبر 1987 وفي الذكرى الاولى للتغيير تطور هذا الجهاز الى كتابة دولة للشؤون الدينية, وبعد اقل من ثلاث سنوات صارت كتابة الدولة وزارة.
اما على الصعيد الجهوي فقد احدثت خطة معتمدة للشؤون الدينية في كل ولاية محافظة باعتبار ان الدولة هي الساهرة دون سواها على حماية الدين واحياء شعائره ورعاية شؤونه.
وتجتمع كل هذه الاعمال وغيرها في تمش واحد يهدف الى اعلاء كلمة الاسلام ومصالحة تونس مع هويتها العربية الاسلامية مع الحرص كما اكد ذلك الرئيس بن علي نفسه على التقيد بالقيم والمبادئ السامية دون تعلق بالمظاهر والشكليات ورفض كل مايخالف جوهر الاسلام وروحه الطاهرة ونبذ كل ما هو غريب من الأصالة الاسلامية التونسية.
المنجزات الدينية في تونس
لقد عمل تحول السابع من نوفمير 1987م الذي قاده الرئيس زين العابدين بن علي، منذ فجر انطلاقته، على دعم هوية تونس العربية الاسلامية والحفاظ على مقوماتها، ومن أبرزها الدين الاسلامي الحنيف باعتباره مصدرا للقيم السامية، الداعية الى الوفاق والاخاء، والعمل الموصول والتسامح والتفتح، بعيدا عن الانغلاق والتطرف.
ومن منطلق هذا الاهتمام بالهوية، عرفت الشؤون الدينية في تونس نقلة نوعية متميزة، بفضل ما اتخذ من اصلاحات رائدة وإجراءات إيجابية ردت للدين الاسلامي الحنيف اعتباره الجوهري وللهوية الحضارية مكانتها الراسخة وللقيم ثبات أصالتها وهيبتها.
وقد شملت هذه الاصلاحات والاجراءات هيكلة المؤسسات المسؤولة عن شؤون الدين والمعالم الدينية والأطر العاملة في هذا المجال، كما شملت الاعلام والتثقيف الدينيين وكان تأثيرها واضحا على الخطاب الديني ووضعه في مدار الفكر المستنير.
من إدارة إلى وزارة
فعلى مستوى الهياكل المعنية بشؤون الدين شهدت سنوات التغيير تطورات عميقة وسريعة نحو مزيد من فاعلية التأطير واحكام التسيير، فبفضل عناية الرئيس بن علي ارتفعت مصالح الشؤون الدينية الى ادارة عامة بالوزارة بعد عشرين يوما فقط من تاريخ السابع من نوفمبر 1987م، ثم تحولت الى كتابة دولة في الذكرى الأولى للتغيير، ومنها الى وزارة للشؤون الدينية في 4 مارس 1992م، وبحكم هذا التحول، انتقلت الميزانية المخصصة للشؤون الدينية من حوالي 5 ملايين دينار 5 ملايين دولار تقريبا عام 1987م الى حوالي 18 مليون دينار سنة 1997م، أي بنسبة تطور تجاوزت 250 بالمائة.
كما شهدت سنوات التغيير إحداث المجلس الاسلامي الأعلى، وهو ينظر في سير المؤسسات الاسلامية ويقدم التوصيات والمقترحات بشأنها كما يبدي رأيه الاستشاري في البرامج التربوية المتصلة بالدين وكذلك في برامج جامعة الزيتونة وفي طرق تكوين الأئمة والوعاظ وفي كل المسائل التي تعرضها عليه الحكومة.
وحرصا على إحكام تأطير الشؤون الدينية وحسن تسييرها، قرر الرئيس بن علي احداث خطة معتمدة للشؤون الدينية في كل ولاية من ولايات البلاد الولايات في تونس هي رديف المحافظة في الشرق العربي يعود اليه النظر في المسائل المتعلقة بالمعالم الدينية وبنائها وبتنظيم حلقات تكوين الأطر الدينية واعادة تكوينهم وبمتابعة كل الأنشطة ذات الصبغة الدينية بالولاية.
ورافقت هذه الاجراءات على مستوى الهياكل عناية فائقة بالمعالم الدينية من مساجد وجوامع وزوايا وكتاتيب وقد شملت هذه العناية كل مجالات التعهد والصيانة والترميم واتمام ما كان معطلا قبل السابع من نوفمبر 1978م، اضافة الى البناءات الجديدة, وقد ارتفع عدد المعالم من جوامع ومساجد وكتاتيب من 2912 معلما سنة 1987م الى 4997 معلما عام 1997م، وان ما بني من معالم دينية خلال سنوات التغيير العشر يمثل نسبة الثلث مما بني في البلاد التونسية عبر تاريخها الاسلامي الحافل الطويل.
أما الزوايا فقد احيلت مشمولاتها الى وزارة الشؤون الدينية بعد أن كانت تابعة للمعالم الجهوية ولوزارة الثقافة, وقد قامت وزارة الشؤون الدينية بتصنيفها واحكام تأطيرها والسهر على نشاطاتها بتعيين نقباء مشرفين على تسييرها، الى جانب تعهدها بالصيانة والترميم، وقد بلغ عدد الزوايا بالبلاد التونسية 2318 زاوية، وهي تشهد على موروث حضاري ثري وعلى تاريخ عريق في الدفاع عن الهوية العربية الاسلامية والحفاظ على أصول المذهب السني وفروعه في تونس.
منح وتكوين مستمر
وقد وجدت الاطارات الدينية نفس الرعاية من قبل عهد التغيير، كيف لا وهي التي تضطلع بمهمة سامية تتمثل في ترسيخ التعاليم الاسلامية الحنيفة في الأنفس والعقول، وكذلك في الحفاظ على المكاسب التراثية الأصيلة والعناية بالمعالم الدينية, وفي اطار هذه العناية حظيت الاطارات الدينية بزيادات هامة في المنح التي تتقاضاها، وذلك في مناسبات عديدة وبمبادرات شخصية من الرئيس زين العابدين بن علي، اضافة الى تعهد هذه الاطارات بالتكوين واعادة التكوين لتقوم برسالتها أحسن قيام، وعلى سبيل الذكر، فقد بلغ حلقات التكوين في عشرية التغيير حوالي 3300 حلقة نظمت محليا وجهويا ووطنيا.
وفي اطار التكوين المستمر للأئمة والوعاظ، وضع المعهد الأعلى للشريعة بتونس تحت اشراف وزارة الشؤون الدينية ليتولى تعهدهم بالاعداد اللازم بما يضمن حسن تأدية المسجد لرسالته التعبدية ونشر توعية دينية قويمة فيها تبصير بقيم الوسطية والتسامح والاعتدال، وفيها تنوير بقيم التحرر والتقدم والاجتهاد.
وتجدر الاشارة الى ان عدد الاطارات الوظيفية الدينية، بين امام خطيب وامام للصلوات الخمس ومؤذن وقائم بشؤون المسجد ومؤدب وقارىء وراوي حديث ومدرس آفاق، قد تطور من 8868 اطارا سنة 1987م الى 12,573 اطارا عام 1997م، أي بزيادة بلغت 44,21% خلال سنوات التغيير العشر.
سنن حميدة
ومن ناحية أخرى، تحظى المناسبات والمواسم الدينية بعناية فائقة من قبل حكومة التغيير والرئيس بن علي نفسه, وقد أصبح شهر رمضان المعظم في عهد التحول مناسبة متميزة للتوعية الدينية واحياء الذكريات الاسلامية الخالدة, فرئيس الجمهورية يشرف بنفسه على موكب الاحتفال بختم الحديث النبوي الشريف في ليلة القدر بجامع الزيتونة بالعاصمة, وكذلك تشهد كل ولايات البلاد نشاطا دينيا مكثفا يشفع بأختام الحديث والمسابقات القرآنية وتوزع فيه الجوائز على حفاظ القرآن من الكبار والشبان والأطفال.
وبمناسبة هذا الشهر المبارك سن الرئيس زين العابدين بن علي سننا حميدة تتمثل في موائد الافطار التي تفتح في كل رمضان أمام الفقراء والمحتاجين وفي المأدبة السنوية التي يقيمها سيادته بقصر الرئاسة بقرطاج على شرف الأئمة الخطباء ليلة السابع والعشرين من رمضان، تكريما لهم وتقديرا لما يقدمونه من جهود في مجال التوعية الدينية.
وعلى غرار شهر رمضان المعظم، عرف موسم الحج، منذ تغيير السابع من نوفمبر، عناية خاصة من لدن الرئيس بن علي، وحرصا على احكام تأطير الحجيج وتحسين الخدمات المقدمة اليهم, ومن بينها خدمات الرعاية الصحية, وقد أذن الرئيس بن علي في هذا الصدد باحداث اللجنة الوطنية للحج، وهي تستمر في أنشطتها كامل السنة لمعالجة الصعاب وأوجه النقص ان وجدت، ولتقرير ما هو أفضل لحجيج تونس حتى يؤدوا مناسكهم في أحسن الظروف.
تجدد الخطاب الديني
وقد واكب كل هذه الانجازات تجديد في الخطاب الديني منذ السابع من نوفمبر، وكذلك في الاعلام المتصل بمسائل الدين, فقد أصبح الخطاب الديني مرجعية موثقة، اضافة الى استعماله منهجية تراعي اختلاف المستويات التعليمية وتباين الحاجات والاهتمامات.
أما على مستوى الأغراض فمن أبرز خصائص هذا الخطاب الديني الجديد تفتحه على أحداث العصر ومستجدات الحضارة، والتزامه بالقيم الاسلامية السامية كالعدل والتسامح والوسطية وتكريسه لمبادىء التكافل والتضامن التي أصبحت واقعا مملوسا في تونس التغيير.
وعلى نفس الدرب، درب التجديد والاجتهاد، سار الاعلام والتثقيف الدينيان، فالى جانب النقل الفوري والمباشر للأذان وخطب الجمعة اذاعيا وتلفزيونيا تبث مؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية مجموعة من البرامج الدينية المتخصصة يشرف على اعدادها وتقديمها شيوخ وأساتذة من أصحاب الثقافة العلمية الدينية المتينة, وكل هذه البرامج هادفة في محتواها وتقدم في أسلوب واضح سهل يفيد منه الجميع وقد ساهم انشاء القناة الفضائية السابعة في نشر هذا التثقيف الديني خارج حدود تونس وخاصة في أوساط التونسيين المقيمين بمواطن الهجرة في أوروبا.
كما تحرص وزارة الشؤون الدينية على نشر الفكر الديني المستنير وذلك من خلال الكتب التي تندرج في سلسلة آفاق اسلامية وهي تتناول بالدرس والتعريف نخبة من علماء تونس ومصلحيها الذين أسهموا بفاعلية في تكريس الخطاب الديني الهادف المتفتح كالامام محرز بن خلف والزعيم الشيخ عبدالعزيز الثعالبي والعلامة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور والشيخ محمد الفاضل ابن عاشور,, كما تتناول مواضيع دينية وفكرية راقية كالجدل المذهبي في الفكر الاسلامي، والوسطية والتيسير في الاسلام، وجدلية النقل والعقل في الفكر الاسلامي.
صندوق للزكاة
ومن المآثر الأخرى التي تذكر لعهد التغيير في مجال الشؤون الدينية الاحاطة بأبناء تونس في الخارج وذلك بتمكينهم من معرفة دينية تحفظ سلامة العقيدة وتؤكد حب الوطن والاعتزاز بمقوماته الذاتية وتنشىء أبناء الجيلين الثاني والثالث على الاخلاص لتونس والتمسك بالعقيدة الاسلامية واللغة العربية, ففي المناسبات الدينية، كشهر رمضان يتكثف النشاط الديني بين أفراد الجالية التونسية في الخارج ويرسل الأئمة من تونس لالقاء الدروس والمحاضرات.
وتجلت كذلك العناية بالتوعية الدينية للتونسيين بالخارج في عدد من مبادرات الرئيس زين العابدين بن علي، كإذنه مثلا بتعيين امام الجامع باليرمو في ايطاليا وبتحمل مصاريف تعهد هذا الجامع وصيانته وتسييره وكذلك المركز الثقافي بنيويورك وجامع ليون بفرنسا.
ومن الانجازات الأخرى لعهد التحول انشاء صندوق للزكاة تجمع فيه الأموال وتنفق حسب تعاليم الاسلام، دعما لروح التكافل والتضامن الاجتماعيين واحياء لركن من أركان الاسلام الخمسة وقد انتشرت فروع هذا الصندوق في كل أنحاء البلاد لتؤدي وظيفتها.
تقاليد سمحة
وهكذا ارتبطت مسيرة التحول في تونس بنظرة جديدة الى شؤون الدين رفعت من مكانته في المجتمع وأعطت للخطاب الديني بعدا مستنيرا يكرس الاجتهاد والتسامح, كما رشدت هذه النظرة الجديدة رسالة المسلم ليصبح حريصا على العبادة وتلقي تعاليم الاسلام السمحة وقيمه النيرة الزكية.
وقد أرسى السابع من نوفمبر، على صعيد آخر، جملة من التقاليد السمحة ذات الصلة بالحياة الدينية، مثل اعتماد التاريخ الهجري بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وانشاء لجان لضبط دخول الأشهر القمرية باعتماد الرؤية مع الاستئناس بالحساب، واحداث جائزة رئيس الجمهورية للدراسات الاسلامية، واذن الرئيس بن علي بارتداء الزي الوطني في المناسبات الدينية,, وكلها اجراءات ومبادرات تكرس الهوية العربية الاسلامية لهذا البلد وترسي معالم الشخصية الوطنية وتحيى التراث الخالد الأصيل وتسهم في بناء حضارة المستقبل.
|
|
|
|
|