أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 26th September,2000العدد:10225الطبعةالاولـيالثلاثاء 28 ,جمادى الثانية 1421

مقـالات

قوانين التَّماس بين (السياسة والإعلام) (3/8)
د. حسن بن فهد الهويمل
والحديث عن أي لقاء مثير يجرنا إلى الحديث عن جدوى مثل هذه اللقاءات، إذ لسنا بصدد (العلوي) وحده، وليست القناة الضجة وحدها التي تبعث على الاستياء والريبة، وليست سيئة على الإطلاق، فكم في مشهدنا الإعلامي من قنوات وصحف ، تزيف الوعي، وتهدم القيم، وتفسد الأخلاق، يموِّلها من أنعم الله عليه بالثراء أو بالسلطان، كما أننا لسنا بصدد الدفاع عن أي كيان لا يواكب الحق، وحين نقول ما نعتقد أنه الحق لانبرىء أحداً ولانزكيه امتثالا لقول الحق: (وما أبرىء نفسي) وقوله: (ولا تزكوا أنفسكم), ولو لا ان (العلوي) بخطبه الاستعدائي التحريضي يشكل ظاهرة مؤذية وضارة ومتكررة لما ضربناه مثلا ونسينا ما دونه، وحين نجتذبه بعينه، فإنما نحن بصدد نمط إعلامي تتلاحق حلقاته بتشابه يصل حد المطابقة كبقرة بني إسرائيل، ومما يعمق الإشمئزاز أنك تعرف هؤلاء من لحن القول، وما تخفي صدورهم أكبر، وبدو صفحة الخطيئة السياسية أو الأخلاقية وعدم التواري يؤذي حتى غير المعنيين، والمجربون يعلمون يقينا أن لهم أعداء وحسادا وكما قيل: لا يخلو جسد من حسد، واليد واللسان يظهرانه أو يكتمانه، وما نقوله لا نريد به استلال الضغائن،وإنما نريد منه كف الأذى، ولا يعنينا بعد ذلك أن ترم نفوس أولئك على فساد حتى تريها أو تصفو من الضغن، والمشهد الثقافي والسياسي يفيضان بالمرتجلين والمتسرعين وجهلة الأحوال وجهلة الذوات، والعدو العاقل أفضل من الصديق الجاهل، وتصوروا كيف تكون الحال حين يجمع الإنسان بين العداوة والجهل، ولست أعني بالجهل المتعارف عليه والمتبادر إلى الذهن، فالذين يوغلون في الخطيئة ذوو مؤهلات عالمية، وفي الحديث :(إنما دواء العي السؤال) وكان على أولئك أن يطلعوا ويعرفوا قبل أن يحكموا او يفتوا، وآفة الأخسرين أعملا من يعتمدون على الشائعات ويقرؤون عن الأشياء ولا يقرؤونها, والمتخللون بألسنتهم من هذه النوعية يأخذون المقيم بالظاعن، والشرعي بالمتسلط, ولأن وضع الأمة لا يحتمل المزيد من الأوجاع فإنه من غير المقبول أن تجرى سجالات سياسية أو دستورية أو تشريعية بين متناقضين في مرجعياتهم وأهوائهم وصفاتهم, وحاجة المشتغلين في شؤون الغير تقوم على تفهم الظروف والملابسات والعوائد قبل الزج بالمثمنات الشخصية أو الأممية، وقد شهدنا عبر الملاحاة الإعلامية مهازل وجنحا لا تليق بالأطراف المتداولة، لأنها سجالات تتسم باللجاجة، تبحث عن الإدانة، ولا تريد إحقاق الحق، ولهذا تراها تدار بين جادين يحترمون أنفسهم ومستمعهم وفضوليين و هازلين لا يحترمون المصداقية ولا يضعون ادنى حد من القيمة لمشاعر المتلقي الذي يعرف الحقيقة، ويتأذي من طمسها, والحوار لكي يكون متكافئا ومجديا، لابد أن ينطلق من ارضية مشتركة، ولو على أضيق نطاق، ويبوء إلى مرجعية متجانسة عند الطرفين ، أو على الأقل يكون بين مشروعين قائمين في سياق مجتمعي متجانس، لكل واحد ممثله وممارسه، بحيث يقدم كل واحد نتائج مشروعة بوصفها شواهد إثبات, ومن الخطأ ان يضع البريء نفسه موضع المتهم، ثم يجتهد في نفي التهم التي لم تتجاوز مرحلة الادعاء، ولاسيما إذا كان الاتهام ممن لا يؤبه به ولا تقوم الحجة بغلطة، إن إتاحة الفرصة لمثل هذه النوعية تعطيها بعداً إعلاميا لا يمكن أن تظفر به إلا بهذا التمكين من صاحب الشأن، وقد يضطر البريء والحالة تلك إلى استعراض نتائج مشروعه امام مسائل مفلس لا يقدم ولا يؤخر، ولا يضر ولا ينفع، ولأنه لايملك ما يخشى عليه ولا ما يدافع عنه فإنه يقتصر على تناسل الاتهامات واجترار الشائعات متخذا التجريم والإسقاط دأبه وديدنه، دون أن يركن إلى التقويم بشقيه : التعديلي، أو التثميني, ولكي تتكافأ الفرص يجب ان يكون الحوار بين متماثلين بمستوى المسؤولية على الاقل، أو بين مسؤول ومتابع حصيف يزن الامور ويقدر الاقدار، وهذا ما لم يكن في كثير من الحوارت, نحن دائماً نرى شخصاً في السلطة وآخر ناقم عيها، وهذا الآخرُ لن يفقد شيئاً عند الهزيمة، لأنه لا يملك شيئاً، والطرف المسؤول على رأس العمل في مشروع رضي ان يطرحه للتداول مع من لا يستحق ان يداول، فأي قضية مشتركة بين خلي تنفخ أوداجه تطلعات الممول وشجي غارق في المسؤولية؟, وقد يكون التلاحي بين ناقم ومداهن ليسا على شيء من الأهلية، والمادح الكاذب كالقادح الحاقد كلاهما يسيء أكثر مما يفيد، وما أضر بمصالح الشعوب إلا الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحثو التراب في وجوههم.
والمادح والقادح والمثالي غير المجرب يجنون على أمتهم مثلما جنت براقش على أهلها, ومن المفارقات العجيبة أن تكون بعض الحوارات مع مثالي لم يجرب أو موظف لقدرته البلاغية وآخر عركته التجارب وأقامت أوده المحن وشيبته المغالبات, وحق المتلقي أن تراعى مشاعره ومصالحه في آن، فهو الذي أنفق المال والوقت واستقبل هذا الفيض الإعلامي الذي ينعكس سلباً أو إيجاباً على أشيائه, ثم إن الإعلام الذي يحترم المصداقية لايبتسر الأشياء من سياقها ولا يوازن بين الشيء ونقيضه ولا يهدر وقته في حفريات يعرف سلفاً انها لا تنطوي على شيء، والدول ذات التجارب المتواصلة والعمق التاريخي والبعد الديني والاقتصادي يجب ان تحترم مبادراتها، وأن تناقش للتصحيح لا للإلغاء والسخرية، ثم انه ليس من العدل محاسبة اي نظام خارج سياقاته المتعددة وانساقه المتناظرة.
لقد كانت تجربة الدولة الشورية المتساوقة مع امتثالها للحاكمية الإسلامية مثار تساؤل لامن حيث تكوينها ولا من حيث عملها الإجرائي، وهي بكل ملابساتها تشكل نشزاً في السياق السياسي العالمي، ولكنه نشز مشروع فرضه الانسياق العالمي وراء المستجدات دون مراعاة للخصوصية الحضارية, وإشكالية (العلوي) أنه لاينقم على الشورى في المملكة لخلل في وضعها التطبيقي، وإنما ينقم عليها لانها تأتي في سياق إسلامي لا يراه، وعبر كيان سياسي يود لو يزلقه ببصره, ثم هو لا يرى اجرائياتها ك(الاختيار)، إذ لم يأت باحثاً عن معقولية الصيغة والممارسة، وإنما جاء نافياً لكلتيهما مستبدلاً رؤيته البشرية بالرؤية الشرعية، وتلك معضلة كنت أود التنبه لها في مثل هذه اللقاءات, إن أخطر لقاء ما يكون بين متجادلين لكل واحد انتماؤه الحضاري وليس الحزبي أو السياسي أو الاقليمي.
ولو كان العلوي على سبيل المثال يرى الحاكمية الإسلامية، وينتقد تطبيقها في المملكة، لكان من الممكن قبول الحوار معه للاستفادة من آرائه بوصفه راصداً محايداً، فأنا أعتقد أن أي دولة سوية بأمس الحاجة إلى مرايا تجسد ذاتها وتبرز عيوبها، فما من عاقل مجرب يدعي العصمة والسلامة واكتمال الذات، والأمة السوية بحاجة إلى أن تقف على رأي الآخر الناصح، إذ ليست على يقين من مثاليتها التطبيقية، وليست فوق المساءلة والنقد، ولكن مَن النقاد؟ ومن المسائل؟ وكم هو الفرق بين النصيحة والفضيحة، وبين حب الخير ونشدان الوقيعة، وبين التدخل في شؤون الغير وموضعته، بحيث يقرأ من خلال منجزه لامن خلال ذاته المرفوضة المستهجنة دون مساءلة, والدولة القوية التي تملك مشروعية البقاء تسعى الى الافضل متيحة الفرصة للرأي والرأي الآخر في اطار من الضوابط، ومن ثم لا تخشى النقد التوجيهي، ولا يتحقق لها البقاء الشريف إلا بسماع النقد التقويمي لا التقويضي،وهذا ما يجب ان تستمر عليه الدولة وتستمرئه، ولن تحقق الدولة اي دولة نتائج افضل في ظل الإعجاب بالذات وكره الناصحين، ومن مصلحتنا خليجيين أو عرباً أو مسلمين أن نفتح النوافذ دون أن نسمح للرياح الهوج باقتلاعنا، ومثل ذلك مؤشر الثقة بالنفس, والدولة المؤسساتية لا يتجه النقد فيها بالضرورة إلى رأس السلطة، وليس بضائر قمة الهرم حسيس المباضع في جوانبه، وما يقوله الإعلام المحلي من نقد عنيف للمؤسسات التنفيذية ورؤوسها المديرة قد لا يقوله الناقمون، ولكن الفرق بين الطائفتين واضح, فالناقم يسعى للإلغاء، والناقد يهتم بالإصلاح، على انه من حق الدولة الشرعية مع كل هذا ان ترفض النقد التجريحي الساعي للإسقاط لا للتقويم, ولو كان الناقمون والمعارضون اذكياء مخلصين، لكان الأجدى لهم أن يقدموا بين يدي حديثهم رغبة الإصلاح لا مهمة الإلغاء، والنخب السوية تود لو وجدت من الآخر محاوراً يمتلك ناصية الحق، بحيث يتداول الآراء مع الأطراف المعنية بأسلوب حضاري، وكم يود المخلصون تطوع الكفاءات الفكرية والسياسية وأخذ مشاريع الدولة بالدرس والتقويم، ومثلما يسعد الصحابة رضوان الله عليهم بالأعرابي يفد على المدينة ثم يطرح أسئلته بعفوية وفطرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون سعادة المواطن بالمفكر يسلط الضوء على مثمنات الأمة ويهديها سواء السبيل.
وإذا كنا على خير كثير في أمورنا الخاصة والعامة، والكثير من تجاربنا متناغمة مع همومنا مستجيبة لحاجاتنا، متساوقة مع إمكانياتنا، فإن هذا لا يجعلنا أغنياء عن الآراء والنصائح، كما لا يخولنا من التباهي، ولا يبيح لنا غمط الحق، ولا يحملنا على التفكير في تصدير النظام، على غرار تصدير الثورات التي اضاعت المثمنات ، وصعدت العداوات، وفتحت الثغرات للعدو الحقيقي، ومنحته مشروعية الوجود والتدبير والتحكم، وعرضت الكيانات القوية إلى انهيارات موجعة تجرعت ويلاتها شعوب مغيبة، كما لا يحملنا رضانا بما نحن فيه على أن نتأفف من النقد التقويمي ولا أن نستغني عن تجارب الآخرين وخبراتهم, الإنسان العربي الناصح لأمته يبحث عن إصلاح القائم، ولم يعد ساذجاً غوغائياً يبحث عن شيطان أكبر يتمثل في السلطة أو في الدولة الأقوى، فيظل معها في نزاع متواصل وخوف وترقب، يكتم نصحه ويبدي تذمره، ثم تضيع في أثناء ذلك المصلحة وتنعدم الثقة، لقد مل الجيل التعيس من الثورات باسم الديموقراطية، وملَّها باسم التصحيح، ومل تصديرها عبر الترسانات البلاغية، والتدخلات الدنيئة، والوقيعة المشينة، وما من ثائر حين أنقذ أمته من براثن سلفه كما يدعي سلم السلطة للشعب، إلا (سوار الذهب)، وما أحد ذكره بخير، لأنه مثل التحدي لسائر الثورات، والإنسان العربي الذي عاش فواجع الثورات، مل التدخلات العسكرية باسم الإنقاذ أو التصحيح وحراسة الذات الحاكمة بدل حراسة الأمة، ومل التلاسن والإدعاء، ومل فتح الملفات الوهمية وإثارة القضايا الحدودية والطائفية والحضارية لإشغال المواطن وشحنه بالخوف والتوتر والترقب وتأصيل الفرقة، مل الإرهاب والتطرف والتسييس الثوري للإسلام والتعصب وتصنيم الاشخاص، ولم يعد واثقا بالمشاريع السياسية ولا بالوعود الباذخة ولا بالحركات المتعددة, وإن كان ثمة حاجة إلى التلاسن لإصلاح ما أفسده الدهر، فيجب قبل الملاحاة أن يحدد كل إنسان هويته وقواعد لعبته وشروط مشروعه، فإما ان يكون إسلاميا يرد أمره الى الله والرسول او علمانيا يستفتي مؤسسات الغرب، أو ثوريا يفسد ما أصلحه السلف، أو ما شئت من هذه المصطلحات، وحين لا تتحدد الهوية لا يستقيم الجدل, لقد أمعن العالم العربي في الفرقة والمفارقة بمباركة من المستفيدين من التناحر، بحيث تعذر اللقاء حول اي مشروع معدل، يقرب من وجهات النظر، حتى مؤتمرات القمة لم يوفر لها اقل مساحة مشتركة لإمكان تداول الرأي من خلالها حول القضايا المصيرية، وما بقي في ظل هذه المفارقات إلا التعاذر، وكف الأذى، والارتداد إلى الداخل، والاشتغال بعيوب الذات عن عيوب الغير، والغريب أن كل دولة تنفي اعتراضها على عقد القمة، وكان يجب ان يكون الاعتراض مشروعا متى قامت دواعيه، وأن يتحمل المسؤول عنها ما يترتب من تبعات، ومن حق المعترضين أن يبدوا حيثيات اعتراضهم، إذ هناك أعلام يتعمد تفريق الكلمة وإيغار الصدور، ويكفي أن نضرب المثل بما ارتكبته قناة الجزيرة من اتهام الكويت بإيذاء الجاليات العربية مما حمل البعض على اقامة دعوة قضائية، وهناك زعماء يفسدون ولا يصلحون ويعمقون الشك والارتياب وينشئون بفعلهم الحاجة إلى الغير لكف أذاهم، وليس من مصلحة الأمة أن يكونوا دعاة وحدة أو عقد مؤتمرات، لانهم بفعلهم أضاعوا الفرص ودمروا بلادهم وبحواراتهم سفهوا الأحلام، ويكفي أن نتذكر ما دار بين الامين العام لجامعة الدول العربية ووزير خارجية العراق, وهل احد من الزعماء الذين يحترمون انفسهم من يرضى بوضع نفسه موضعا لا يليق بها؟ والفاشلون على كل المستويات يرفعون شعار : (عليَّ وعلى أعدائي)، ومن ثم لم يتركوا أرضية مشتركة يتحقق من خلالها أدنى حد من الوفاق, وقبول القمة أو رفضها ليس مؤشرا للتقويم، فالحالتان تحدد مشروعيتهما الأوضاع، والمسؤولية على من افسد الأجواء، وما أكثرهم، وحتى لو كان من مصلحة إسرائيل أو امريكا تعويق القمة فإن قيامها في ظروف غير مناسبة يعمق اليأس والإحباط، والتدافع العاطفي وخداع الشارع السياسي والتغرير بالرأي العام غير مجد في زمن استفحلت فيه الغثائية، والأكثرون من الساسة ينطبق بحقهم المثل القائل : (الصيف ضيعت اللبن), إن خللا متعدد المصادر يتنامى بشكل مخيف ومن أخطره الخلل الفكري، والتعارض الاستراتيجي، وتلاحق الفشل، والتعدد الانتمائي المؤدي إلى تعارض المصالح، كل ذلك عرض جدل النخب إلى الفشل الذريع، فالعلماني يجادل بهاجس العلمانية، ثم يقول لامزايدة على الإسلام، والإسلامي ينطلق من قواعد مختلفة ومذاهب متعددة، والمخلص المؤمن بمبدأ التعاذر خائف يترقب، وكأنه وافد من خارج التاريخ, وما عجبت من شيء عجبي من مرافعات تمت بين (محمد عماره) و (نصر حامد أبو زيد) عبر تلك القناة, نفى فيها أبو زيد مقترفاته وانحرافاته، واعتبر خطابه إسلاميا، يحترم العقل، ويحقق حرية الفكر، ولا يخرج عن المعقول والمقبول، وهو أبعد ما يكون عن الإسلام، بل هو خطاب يتصدى لثوابت الإسلام، ومثله المدافعون عن الحق في طباعة رواية (وليمة لأعشاب البحر) بحجة أنها لا يمكن أن تدان إسلاميا، وهي مدانة إسلاميا وحزبيا وثوريا.
إنها تدنيس قذر للثورة الجزائرية وللكفاح العربي واستخدام دنيء للانشقاقات الحزبية, ومواجهة مفتي جبل لبنان مع (ممدوح عدوان) عبر هذه القناة مهزلة مضحكة مبكية، فكلا المتجادلين لم يتقنا اسلوب الحوار، ولم يستوعبا متطلباته المعرفية، والغيرة الدينية وتمعر الوجوه غضبا لله غير مخولين ولا كافيين للدخول في جدل معرفي وفني, والرواية لا تحاكم فقط من خلال النصوص التي يدعي المدافعون ابتسارها، وإنما ينظر إلى الهمم والمآل والمقاصد والنوايا والرؤية الحضارية والأخلاقية والاستعانة بكل الأنساق، وهو ما لم يأخذ به المنفعلون, لقد تعمد الروائي تدنيس حرب التحرير الجزائرية، واتخذ الدعارة والنفعية سبيلاً لذلك، وضرب المقدس وسخر بالمعصوم الذي خلقه القرآن , وهكذا نكون أمام خلط فكري مثير لا هو إسلامي ولا علماني, والأمة الخيرة من تعي الواقع وامكانيات الذات، فلاتعرض نفسها للتهلكة، ومن مصلحة الأمة الا يُصاب أفرادها بجنون العظمة بحيث تصدر للآخر مشروعاً لم يحقق أدنى حد من النجاح في بلد المنشأ ، أو تشيع الاتهام بسرقة النظرية، أو تدعي ملكية المريخ، ومن الخير لكل دولة أن تتوخى من الأقارب والأباعد تبادل الاستراتيجية التسامحية التصالحية الوقائية، واتخاذ سياسة الدفع بالتي هي أحسن والأخذ بمبدأ: (إلا أن تتقوهم تقاة).
والأمة العربية بوضعها الحالي غير قادرة على المواجهة، وليس من مصلحتها الاستسلام والهرولة، وعليها أن تبتغي بين ذلك سبيلا، ودول الخليج تتوخى ذلك السبيل، وأحسب أن المملكة هي الأميز في ذلك، ومع كل ما حققته من وسطيتها ومعقوليتها وكفها عن الإيذاء والتدخل في شؤون الغير، فإنها تتعرض للإيذاء وتضيق ذرعاً ممن يتدخل في أدق تفاصيل حياتها،ويجعلها مثلاً للتخلف والتصحر الجغرافي والفكري ثم تضرب الامثال بتحفظها الوقائي على قيادة المرأة للسيارة، وتحاميها الاختلاط في التعليم والعمل، مع أنها لم تتردد في التوقيع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وأن تحفظت على ما يخالف المقتضى الإسلامي وهذا من حقها، مع أنه لم ينظر أحد من أولئك الساخرين ما نال المرأة من عبودية وإذلال حين خرج بها المفسدون عن منهج الله، وهناك دول غربية مالت إلى التفريق في التعليم بعدما تجرعت مرارات الاختلاط والخلوة، ومثل هذا التقحم الفضولي على خصوصياتها جيعلها غنيمة سهلة يشاركها الفضولي كل شيء، ولأنّ هذا الفضولي لا يملك مثمنات، فإنه ينيلك منه ما تريد، لينال منك ما يريد وما لا تريد، من الوصايا: (لا تتحدى إنساناً ليس لديه شيء يخسره) وقد وصف الشاعر هذه النوعية بقوله:


ينيلك منه عرضاً لم يصنه
ويرتع منك في عرض مصون

على أن رضى الدولة السوية بما هي عليه لا يدفعها إلى المكابرة، وإنما يحملها على المزيد من المراجعة وسماع الرأي الآخر، فالكيان السياسي والإداري والأسري خليجياً أو غير خليجي في النهاية مجموعة من البشر، وهم بحاجة إلى النظر المستمر في كل الأمور والمسؤول العاقل السوي لا يخاف من النقد، ولا يضيق من توجيه النصيحة، ولا ينكر وجود الساخط والمعارض، ولا يبرىء السوي العاقل نفسه من النقص والتقصير، والرسول صلى الله عليه وسلم طلب المشورة، وأبو بكر رضي الله عنه ترحم على مهدي العيوب، وعمر نفى الخيرية عن نفسه وعن الناس حين لا تقال كلمة الحق أو حين لا يقبلها, والدولة الشرعية لا تمل من التعديل والتبديل، ولكل دولة خياراتها، وهي خيارات لها وعليها،وقد لا تكون الأمثل، وقد لا تكون من الأولويات، ولكن فرضتها ظروف العصر التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، وقد تمنى الدولة بفشل واحد أو أكثر في مبادراتها، ولكن هذا لا ينال من إخلاصها، ولا يفت في عضدها، ولا يمنح الآخر حق إلغائها كمشروع سياسي وإحلال مشروع آخر, إن الدولة بمبادراتها تعي دورها، وتحسب لتحولاتها كل حساب، متفادية التجريب والارتجال واللعب بعواطف الغوغاء، هذه المبادرات دليل على انها بحاجة إلى مراجعة أمورها وسماع الصوت الآخر، والدولة السوية لا تدعي (نهاية التاريخ) كما كان يتصور البعض ويحلم، وإنما ترى أن كل شيء ممكن،وأن العالم في سباق محموم في كل المضامير، وهي جزء من هذا العالم، ومن واجبها ألا تنفصل عن سياقه، ولا أن تدابره وتعاديه فالمصالح مشتركة


(الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم


أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved