| مقـالات
عندما قال الشاعر العباسي أبو نواس منذ ما يربو على الألف عام:
مالي بدار قد خلت من أهلها شغل
ولأشجاني لها شخص ولا طلل
فإنه بالتأكيد كان خاليا من نظرية المؤامرة، ولا يحمل ضغينة مسبقة على الشعر العربي القديم، كل ما هنالك هو أنه كان صادقاً مع تجربته الشعرية، فلا يريد أن يعبر عن تجربة لم يعشها أو يخبرها وبالتالي رفض الوقوف على الأطلال أو البروتوكول الرسمي الذي كانت تفتتح به القصائد آنذاك واستبدله.
هذا التمرد أو المروق كما سمي في ذلك الوقت قوبل بجبهة حادة من الرفض من قبل النقاد التقليديين، وكانت أقرب تهمة في متناول اليد وقتها في ظل اشتعال نيران الشعوبية ، هي أن أبا نواس وبعضا من شعراء جيله من طبقة الشعراء المولدين!! أي الذين لا يمتلكون أصولا عربية نقية ولهذا انتهكوا الثوابت الشعرية واخترقوها وهم يحملون نوايا تخريبية!!
ولعل هذا الميكانيزم الدفاعي في رفض الغريب أو الدخيل كان لابد من وجوده لحفظ الذات العربية الفتية أمام الحضارات العريقة التي احتكت بها آنذاك احتراسا من أن تذبل أو تتلاشى، بل أن الحركات التجديدية في الشعر العربي جميعه قد وصمت بالمروق وخلوها من الأصول العربية النقية آنذاك سواء ما قام به مسلم بن الوليد و بشار بن برد أو ما أسسه أبو تمام شيخ المجددين في الشعر العربي القديم الذي سأله أحد التقليديين آنذاك: لم لا تقول ما يفهم، فأجابه أبو تمام: ولما لا تفهم ما يقال؟؟
والغريب أن هذا الميكانيزم الدفاعي ما برح يتسيد الكثير من كتب النقد كخط دفاعي أول ضد أي غريب أو طارئ، بحيث أصبحت النظرية الجمالية في النقد الأدبي تعاني من استاتيكية وجمود على كثير من الأصعدة!!
وإلا ما برحنا نسمع أقوالا مثل: أن نزار قباني شتم العرب لأنه يمتلك أصولا تركية!! أو أن شعراء مجلة شعر من دعاة الفينيقية، وطه حسين مارق يدعو لإحياء علاقة مصر بأوروبا وأدونيس يتسول الرضى الغربي للحصول على جائزة نوبل!! وهكذا إلى ما لانهاية وكأن الشعوب العربية شعوب منزهة عن التطور عن الحياة عن الاختلاف!؟
هذه الدعوة تتجذر عميقا في عمق التاريخ وإن كانت في السابق تمتلك مبرراتها الموضوعية فهي اليوم أداة دفاعية، من ذات مهلهلة وفي حالة رعب دائم من الغريب والطارئ والجديد.
|
|
|
|
|