أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 22nd September,2000العدد:10220الطبعةالاولـيالجمعة 24 ,جمادى الثانية 1421

شرفات

الوسائط التكنولوجية الحديثة ألغت المسافات بين الأدب الشعبي والأدب الكلاسيكي
الأديب النمساوي فالتر جروند
حرب البوسنة كان هدفها تدمير الذاكرة الثقافية والحضارية لأمة بكاملها
يقول الأديب النمساوي فالتر جروند ان الجيل الذي نشأ مع التلفزيون والكمبيوتر اوجد علاقة جديدة بين المنتج الإبداعي ومستهلكيه من خلال الكتابة بغرض تحويل الاعمال الإبداعية وتقديمها عبر وسائط اخرى غير الكتاب مثل السينما والتلفزيون, وقد فرض ذلك على الكتابة نوعاً من الضرورات التي تقتضيها هذه الوسائط كأن يكون العمل مثيراً بشكل يتناسب مع الوسيلة التي سيقدم من خلالها كما أوجدت ما نطلق عليه الادب العملي الذي ينزل من خلاله الأديب للواقع يشاهد ويتعامل مع الناس ليقدم صورة واقعية حقيقية، ودلل على ذلك بأن بيتر هانكا الذي يعتبر من اشهر كتاب الالمانية كان يكتب خصيصا للتلفزيون، وقد ساعد على تدعيم مثل هذا الاتجاه ظهور الطبقة البرجوازية وما فرضته على الواقع من ذوق خاص.
ويعتبر فالتر جروند من اهم الادباء المعاصرين في النمسا، ولد عام 1957م وعمل بكل من الإذاعة والتلفزيون هناك واصدر عدة مجلات ادبية، وهو مؤلف ومنظم جروند هوميروس الابدي وهو مشروع التنقل والتجوال الخاص بإعادة كتابة اوديسا هوميروس من خلال 21 اديبا واديبة كما قام بتنسيق المشاركة النمساوية في مدن الملاذ ، برلمان الكتاب الدولي وله عدد من الروايات اهمها الجندي والجمال وبيت الدانوب القديم والراوي والعالم السيبيري وله مشروع على شبكة الإنترنت يهدف الى تجمع ادبي يضم كتاباً من جميع انحاء العالم يقدمون اعمالهم من خلال الشبكة ليتم التعرف على الآخر لنصل الى حوار بين الحضارات يمنع التصادم المتوقع بينها.
نوعان من الأدب
ويؤكد جروند انه في اوربا كان هناك مصطلحان للأدب، احدهما الادب الطليعي او ما يمكن ان نسميه الادب السامي وكان يكتبه الكتاب الكبار ويوجهونه لعدد قليل من القراء الذين يمثلون الارستقراطية الثقافية، والمصطلح الثاني كان الادب الشعبي وقراؤه على العكس كثيرون جدا، وما حدث ان التطورات المذهلة في الوسائل التكنولوجية قربت المسافات بين الادب السامي والادب الشعبي وستتلاشى هذه المسافات في المستقبل القريب لأن مساحة التقاء الآداب مع بعضها قد زادت بشكل كبير في الفترة الاخيرة.
اما عن الملامح الجغرافية لأوربا فيقول بأنها تتغير من عصر لآخر نظرا للتداخل القائم بين جوانبها وغياب الموانع الطبيعية فيما بين اجزاء القارة المختلفة مما يؤثر على الفكر الغربي، حيث ان سقوط الاتحاد السوفيتي يمثل خطوة في سبيل انهيار الستار الحديدي الذي كان يفصل بين شرق اوربا وغربها، وإن كان هذا الستار مازال قائما بصورة اخرى حيث تمنع دول اوربا الغربية مواطني الكتلة الشرقية من الدخول اليها، الى ان جاءت الحرب اليوغوسلافية لتصدم المثقفين الذين ظلوا ينادون بحماية الفكر وتحريره، فكانت الحرب الدائرة في يوغوسلافيا بمثابة حرب في عقولهم ولم تكن حربا على الارض فقط، هذه الحرب كانت على بعد كيلو مترات قليلة من النمسا ولم يكن المثقفون النمساويون يفكرون قبلها في انه يمكن ان تحدث مثل هذه الحرب لأنهم كانوا يؤمنون بأن الغرب اكثر حضارة من ذلك.
ويضيف جروند: استطيع بعد زياراتي المتعددة لسراييفو قبل وبعد الحرب التأكيد على ان ما حدث لم يكن حربا عادية، فالمعتاد في الحروب تدمير القواعد العسكرية، لكن الذي حدث في سراييفو هو تدمير المكتبات والمتاحف والمراكز الثقافية بغرض محو الذاكرة الثقافية لهذه الامة، وقد حدث ذلك لسراييفو بالذات لأنها كانت النموذج الأمثل للمجتمع متعدد الثقافات تعيش فيه جماعات مختلفة في اجمل دراما سلمية وكان الهدف ضرب هذا النموذج الفريد لأنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كنا نراه العدو الأوحد تصور الغرب ان العدو الجديد هو الإسلام وكان عليه ان يضرب هذا العدو، وبعد هذا كله يجري بناء سراييفو بأموال أوربية ولكنه من الصعب إعادة بناء الحضارة التي تم هدمها، ففي عام 1987م اي قبل الحرب اقمنا مؤتمراً في يوغوسلافيا ضم ادباء وكتاباً من كل انحاء يوغوسلافيا ينتمون لقوميات مختلفة وتحدثنا عن مشكلات المثقفين وهمومهم، وفي عام 1994م صممنا على إقامة نفس هذا المؤتمر إبان فترة الحرب وجاء له الادباء اعينهم، جاءوا من مناطق الحرب ليحكوا عن مآس بشرية ويعبروا عن إحباط بشري كبير، كان الناس هم نفس الناس، الكتاب والمثقفون ولكنهم كانوا لا يريدون ان يلتقوا بأعينهم وكان هناك سؤال واحد هو: لماذا يحدث ما يحدث؟ ولماذا علينا ان نعاني في هذه الحياة؟!
استعمار جديد
ووصف فالتر الوضع الثقافي والفكري في الغرب حاليا بأنه يعاني من ان الكتلة الانجلو امريكانية تحتكر التطور التقني الهائل في ظل تحجر الفكر الارستقراطي الاوروبي ونظم التعليم التي تحتاج لسنوات عديدة لتواكب هذا التغير السريع لان هذه النظم كانت في غيبوبة فألمانيا مثلاً تحتاج الآن لاستيراد اعداد كبيرة من البشر الذين لهم خبرة بالكمبيوتر، وإن كان البعض يعتبر هذا نوعاً من الاستعمار الجديد الذي يعتمد على تفريغ المجتمعات النامية من العقول الراقية بها في حين ترفض الهجرات العادية اليها ولكننا يمكن ان ننظر لذلك من وجهة أنه يعمل على التقارب بين الغرب وهذه الشعوب وحضاراتها وتقاليدها، ويستفيد هؤلاء المهاجرون من الإمكانات الهائلة التي توفرها اوربا لهم كما تستفيد اوربا من تهجين العقول ومن خبراتهم المتطورة.
ويرى فالتر جروند بعد قراءته لنماذج من الادب العربي انه من المهم ايجاد قنوات جديدة لتبادل الاعمال الإبداعية بين الشرق والغرب بطرق ابسط حيث يعمل هذا النقل على تكوين صورة واقعية عن الآخر مما يجعل التواصل معه اسهل لانه لا يمكن بناء جسور من الحوار بين الثقافات المختلفة دون التعرف عليها عن قرب وبطريقة غير مغرضة وبصورة غير مبالغ فيها، ويؤكد انه شخصيا استفاد من صداقته للكاتب البوسني شيفرد كارا حسن الذي يعتبر اهم كاتب مسلم في يوغوسلافيا ويعمل استاذا للفلسفة الإسلامية وكان عميدا لكلية الآداب هناك وكان قد ذهب الى فيينا بواسطة طائرة حربية تتبع حلف شمال الاطلنطي عام 1993م اثناء فترة حصار سراييفو، وانه عرف منه الكثير عن الاسلام والحضارة الإسلامية.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved