أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 22nd September,2000العدد:10220الطبعةالاولـيالجمعة 24 ,جمادى الثانية 1421

شرفات

شخصيات قلقة
وليم شكسبير 1564 - 1616م
الصراع على خشبة المسرح
رغم شهرة شكسبير الجارفة الا ان حياته تبدو غامضة كأنها لغز محير!، هناك أدباء كثيرون اقل منه في الشهرة والمكانة لكننا نعرف عن حياتهم الكثير والكثير بعكس حياة شكسبير الملغزة والمليئة بالاقاويل والمتناقضات، لدرجة ان البعض تساءل : هل شكسبير المشهور هذا هو نفسه شكسبير الريفي الذي كان يسكن في بلدة ستراتفورد في القرن السادس عشر؟!
كان شكسبير بطبعه كتوما يمسك عن الخوض في حياته الخاصة، وما نعرفه عنه مجرد شذرات مبثوثة هنا أو هناك، وتعتمد على التخمين الى حد كبير,, كان والده رجلاً ميسور الحال ثم اصيب بانتكاسة مالية، فاضطر الابن وليم وهو لايزال في طور المراهقة ان يعمل لدى احد الجزارين أثناء عطلة الدراسة الصيفية، حيث يقوم بتسوية الحسابات لصاحب المحل, في تلك الفترة اتُّهم شكسبير بالسطو على غزال يخص احد صغار الطبقة الاستقراطية في ستراتفورد ويُدعى توماس لوس.
جاء هذا الاتهام بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير التي جعلت شكسبير يفكر جدياً في الرحيل عن بلدته وكسائر الشباب من اقرانه اتجه الى العاصمة لندن بحثا عن حلم الثراء خصوصاً انه قد تزوج وهو في العشرين من عمره من فتاة تكبره بثماني سنوات هي آن هاثاواي .
في تلك السن الصغيرة وجد شكسبير نفسه زوجا وأبا لثلاثة اولاد: سوزانا وجوديت وهامنت وعليه الان ان يحاول تحسين احواله وان يجد لنفسه عملا ثابتا، ولم يكن هذا بالامر الهين في مدينة كبيرة مثل لندن، فكان يضطر للوقوف امام أبواب المسارح يمسك بأعنة الخيل للمتفرجين ويحرسها حتى يعودوا واحيانا تواتيه الفرصة ليقف على خشبة المسرح ويؤدي دورا تافها أو يعمل كصراف للفرقة، وبعد اعباء يوم شاق يحلم بالعودة الى الريف كي يبني بيتا جميلا يعيش فيه مع ابنائه.
لكن هذا الشاب الطموح القادم من اعماق الريف الانجليزي اصر على ان يصبح شيئا مذكورا في عاصمة الضباب لندن وقد استهواه في البداية على نحو خاص ترقيع النصوص الفاشلة واعادة كتاباتها وعندما بلغ الخامسة والعشرين من عمره كتب اول نص خاص به, لقد اتاحت الاعمال المختلفة كإداري وممثل ومخرج احيانا ان يتقن حيل فن اجتذاب الجمهور دون ان يفقد اصالته وشعر ان خشبة المسرح هي المنطقة السحرية التي ستمنحه الشهرة والمال والمجد، فعكف قرابة عشر سنوات على الكتابة بلا انقطاع، يكتب في العام الواحد ثلاث مسرحيات واحيانا اربع مسرحيات وحين كان اصدقاؤه يدعونه الى السهر واللهو كان يعتذر ويتعلل بالصداع والمتاعب الصحية لانه يدرك وهو الغريب عن لندن ان المنافسة شديدة وان خصومه لن يتركوه وشأنه وبخاصة ان هناك كتيبة من الشعراء العظام تتنافس على اجتذاب الجمهور الى صفها، فهناك كريستوفر مارلو الذي ولد مع شكسبير في العام نفسه وسبقه الى الشهرة وكذلك روبرت جرين وكيد وبن جونسون وغيرهم.
وعلى شكسبير ان يثبت ذاته امام هؤلاء العمالقة جميعا خصوصاً ان المنافسة حامية الوطيس بين فرقة لورد تشمبرلين وفرقة لورد آدميرال، وكان الكتاب يتنافسون فيما بينهم لإنجاح هذه الفرقة او تلك فاذا فشل النص الذي يكتبه جرين لفرقة آدميرال مثلا من حق شكسبير ان يعيد كتابته للفرقة الاخرى، وعادة ما ينسب العمل الى الكاتب الذي حقق النجاح والسبب في ذلك ان معظم الموضوعات كانت معروفة للجمهور ومستمدة من الأساطير الشعبية والتاريخية، وما يهم الجمهور بالدرجة الاولى هو الوقوف على طريقة الكاتب في معالجة الموضوع ولذلك نرى هناك محاولات كثيرة لكتابة نص هاملت قام بها كيد وجرين وشكسبير.
ودائما هناك روح عدائية بين الفرقتين المشهورتين وبين الكتّاب المسرحيين مما تسبب في تدمير اغلب كتّاب هذا الجيل الفذ، فمثلا توقف جون للي عن الكتابة نهائيا وقتل كريستوفر مارلو وهو في التاسعة والعشرين من عمره اثر شجار في احدى الحانات واتهم كيد بالالحاد وسيق للتعذيب حتى الموت اما روبرت جرين الذي شن حملة شعواء على زميليه مارلو وشكسبير فقد افل نجمه ومات معدما فقيرا.
كانت خشبة المسرح والكواليس اشبه بساحات الحرب بين هؤلاء الكتّاب جميعا، وكما يقول المثل: رب ضارة نافعة، اذ يبدو ان شكسبير كان اكثر المستفيدين من هذا الصراع حيث خلت الساحة له شيئا فشيئا فبدأ نجمه يسطع، ويتلألأ كأهم كاتب مسرحي.
هذا الفتى الضامر اصبح في لحظة قدرية مواتية سيدا للمسرح الانجليزي دون منازع، وللحفاظ على تلك المكانة تحامل شكسبير كثيرا على آلامه الخاصة، فلم يجزع لوفاة ولده هامنت، وانهمك في العمل على نحو جنوني ولسنوات طويلة مما ادى الى الانهيار العصبي من كثرة ما تعرض له من ضغوط في سبيل المحافظة على نجاحه.
حين افاق شكسبير من هذا الانهيار لم يصدق انه عاش في لندن ما يزيد على ربع قرن، في توتر دائم وعمل لا ينتهي,, ومرة اخرى يراوده حلم العودة الى بلدته الريفية وبناء منزل يعيش فيه مع زوجته وابنتيه سوزانا وجوديت، وبالفعل صفى شكسبير اعماله وامواله في لندن وهو على اعتاب الخمسين، معتزلا الكتابة والشهرة والنفوذ، ثم قفل عائدا الى بلدته ستراتفورد للاستشفاء في كنف ابنته الكبرى سوزانا وزوجها الدكتور هول,كان شكسبير بعد ان كتب مسرحيته الاخيرة العاصفة عام 1611م يعيش حالة نفسية سيئة، وكأنه يشعر بأن عاصفة ما ستدمر حياته فجأة, وتضاعف حزنه واحساسه بالعزلة حين فرت ابنته جوديت وهي في الثلاثين من عمرها تقريبا مع شاب عاطل يصغرها بعدة سنوات!!.
هذه القصة التي هزت اعطاف بلدة ريفية صغيرة اقضت مضجع شكسبير وبدت كالسهم النافذ يخترق بنيته الضعيفة, اصبحت جوديت ابنة عاقة سيئة السمعة، ومات هامنت وهو صبي صغير، هكذا تبخر حلم شكسبير امام عينيه، وفشل برغم نجاحه العظيم على خشبة المسرح ان يكوّن اسرة سعيدة ذات ارض وعقار وتحمل اسمه من بعده.
وأثناء سهرة مع صديقيه بن جونسون ودرايتون اسرف في الشراب وانتابته حمى غريبة كانت بمثابة المشهد الاخير في مسرحية حياته, لتصدق فيه مقولة صمويل بيكيت: ان الامهات يلدن الى جانب القبور، يلمع الضوء لحظة ثم يسود الظلام !!.
شريف صالح

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved