| مقـالات
عندما تكون الكتابة عن شخصية نادرة، أو عن حدث جلل، أو عندما يأتي الحدث مفاجئاً، فقد يخذل القلم صاحبه في المشاركة في المناسبة، ومصاب الوطن في فقد العلامة الكبير حمد الجاسر، تجتمع فيه كل الأسباب التي تجعل القلم يخفق في التعبير عن مشاعر حامله، وإذا ما قدر له أن يكتب فإنه سيتواضع كثيراً عن أن يرثي علامة الجزيرة العربية، أو أن ينصفه الحديث عن صفاته ومآثره وأعماله العلمية الجليلة.
فالشيخ حمد الجاسر، كان علماً غير عادي على مستوى الوطن العربي، والشيخ الجاسر كان أباً روحياً (كما يقال) لكل حملة الأقلام والمثقفين السعوديين، والشيخ الجاسر، كان أستاذ أجيال لكل من غرف من معين علمه، أو استفاد من أبحاثه، أو تتلمذ على يديه,.
والشيخ الجاسر، لكل من عرفه، كان رب الأسرة، أو شيخ العشيرة في الانتماء إلى مدرسته، والارتباط به، والقرب منه، والتحلّق حوله,.
وكان الكريم بعلمه، المتواضع بخلقه، السخيّ بماله، البسيط في مظهره وتعامله، العميق في فكره، المتقدّم على زمنه وعصره، الواسع في أفقه، الوطنيّ في توجهاته، الثابت في مواقفه، القوي في حجّته، الصريح في قول الحق.
وكان الشيخ الجاسر في هيئته يمثّل نقاوة البادية، ووضوح الصحراء، وأصالة البيئة، وفي تواضعه صورة العالم المتجرد الصادق النزيه، وكان في تاريخه إيجاز لتاريخ بلاده التي عايش تأسيسها ورافق تطورها وشهد نهضتها وتقدمها، وكان في عطائه وإنتاجه مثالاً لحياة الباحث المجتهد المسؤول الذي ما فتىء حتى آخر لحظة في حياته يؤدي رسالة العالم، ويقوم بواجب البحث المتواصل، ويحمل مشعل التنوير في مجتمعه.
عاش حمد الجاسر متواضعاً بعلمه وقدره ومظهره، لكنه غادر هذه الحياة محمولاً على أكتاف الوقار والإجلال والإكبار، لأن مكانته بحجم بلاد العرب التي أوسعها بحثاً وتجوالاً، ومحبته لا تتوقف عن حدود وطنه الذي خدمه علماً وتعليماً وإعلاماً، ولذلك فلا غرابة أن تتسع وسائل الإعلام المحلية والعربية للأقلام والتحليلات ترثي غيابه، وتحصر آثاره وتستكشف مدارسه، وتطالب بمعلَمٍ تذكاري تقديراً لما خلّفه من علم وفكر وتاريخ.
لقد كان حمد الجاسر بتنوّع دراساته وأبحاثه، وتعدّد مواهبه وتخصصاته أستاذ الجغرافيين والآثاريين، وشيخ المؤرخين، ورائد الإعلاميين، وموجّه الباحثين، ومعلّم المكتبيين (الورّاقين) والمحقّقين، ومرجع الأدباء واللغويين، وكان له في التعليم والقضاء والعلوم الشرعيّة باع، وفي الشعر ذراع.
لقد رحل حمد الجاسر إلى لقاء ربه في اليوم الذي تعوّد فيه أن يلتقي أحبابه، وشتان بين لقاء ولقاء وحبيب وحبيب.
فكفى حمد الجاسر، الذي كره الألقاب والمناصب والرسميات أن يزفّه الوطن في رحلة الوداع الأخير محمولاً على الرؤوس، وليبقى ذكره وعلمه وحبره وسجله وسيرته تضيء الدروب للأجيال من بعده,,,
إنه حمد الوطن، حمد العرب، حمد الجزيرة العربية,,.
فيا دارة العرب، في شارع حمد الجاسر، في عاصمة الثقافة العربية، بكل ما فيها، وجميع من فيها، لك في فقيد الأمة العربية حسن العزاء.
|
|
|
|
|