المكان: قاعة محاضرات القسم النسائي في مكتبة الملك عبدالعزيز
الزمان: من بعد مغرب يوم الاثنين أول أمس العشرين من جمادي الثانية للعام 1421ه وحتى التاسعة وبضع دقائق,,.
الحضور: جمعٌ تقاطر من الأكاديميات، والإعلاميات، والمتذوقات، والراغبات في الثقافة والفكر والأدب,,.
المحاضِرة: الدكتورة اللغوية وسمية عبدالمحسن المنصور عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود,,.
الموضوع: لغة الحركة الجسمية (الدلالة والمفهوم),,.
وجئت بي شوق إلى لغة وسمية وحضورها، وهي كثيراً ما حلَّقت بي، وشدّتني إلى مجالستها ذكية لمّاحة تملك ناصية الكلام,,, قادرة على الولوج بفكرتها ولغة إيصالها في حركيتها التعبيرية إلى من يجلس إليها,,, وقد جاء هذا الشعور في جملة علقت بها على موضوع المحاضرة الدكتورة الزميلة الصديقة سعاد المانع حين قالت: إن المحاضِرة كانت معبرة عن موضوعها في أسلوب مشوِّق وقد عُهد في العزيزة سعاد تجرُّدُها وعدم مجاملتها على حساب الحقيقة,,.
جئت وقد رأيت عدداً كبيراً من النساء يثلج الصدر وهنَّ يأخذن مواقعهن للاستماع إلى موضوع لغوي قد لا يجذب إليه إلا ذوات الاختصاص,,, لكن المؤشر إلى نمو الوعي الثقافي وحاسة التذوق الجمالي لدى الشريحة العامة بشكل لافت,,, كان واضحاً.
جئت وقد رسمت في مخيلتي لغة الحركة,,.
وتذكّرت دموع الحمار تلك التي أقضَّت مضجع طفولتي,,, ولاحقتني طيلة سنيِّ حركتي الناطقة والصامتة الناطقة، ولا تزال,,, والناس قد نسوا الحمار، ونسوا حركية القرود الحكيمة في صمتها، وعماها، وصممها!!,,, لأن لا حمار يُرى، ولا قرد يُشاهد,,,، وابن المقفع قد غفا طويلاً بين أرفف المكتبات!!,,, لكن أشجار النخيل الفارهة عند مداخل جامعة الملك سعود لا تزال ترسل أصواتاً جميلة لا تمنع المار وهو يتذوق بأذنيه دلالاتها ترسلها الطيور الملوّنة من القماري والعنادل وسواها فيقف في عزَّ الزمهرير المصطلي بأتون قيظ الظهيرة كي تنزل هذه الأصوات بدلالاتِ حركيَّة أجنحة أصحابها برداً عليه وسلاماً,,.
ولكن الأيدي بقبضاتها، أو بمؤخرة الأقلام بين أصابعها لا تزال تدق، وتدك الطاولات الطويلة والمستديرة، والمربعة، والبيضاوية، وعلى أيِّ تصميم، وبأيّة خامات، وفي أيِّ الألوان,,, كي تهدأ أصوات من يجلسون، ويتحلقون فوق كراسيِّها,,.
ولكن,,, لا تزال إشارات المرور لم تغنِ عن وجود الرجال المعتمرين خوذاتهم، والمرتدين بزّاتهم من الوقوف في منعرجات الطرق كي يحرِّكوا أيديهم يُمنة ويُسرة، وإلى الأمام وإلى الخلف ليكبحوا عجلات السيارات في مروقها الخاطف، كي لا تتخطى الأخضرار في الإشارات، لعلَّ أيديهم تقوم بالتعبير عمّا لم يقم به اللون الأحمر,,.
ولكن,,.
خليط من الذي يستلُّ لغةً من لغة، ويوظف دلالةً في إشارة، ويُخرج معنى من حركة، ويحرك لغةً في حركة، وحركةً في أداء، وأداءً في تعبير، وتعبيراً في حركة,,,؟!
من يقرأ الإحساس، ويبحر في معارج الإشارات، ويخرج إلى حيِّز التعبير بفهم حتى لو جاء عن أداء جسدي عن عضو فيه، بحسٍّ يتصل بين وبين، ويكون له ردّة فعل تجيب أو ترفض؟!
خليط من التخصصات العلمية في الزمن الراهن الذي ثقُل بتفاصيل جزئيات معارفه واختصاصاته حتى غدا المختص جاهلاً، والجاهل مغرقاً، في ملكوتٍ يتسع لكل شيء إلا أن تستوعبه ذواكر البشر واحداً واحداً,,, لكنَّ موضوع الزميلة وسمية الطريف والشيِّق وغير الجديد والجديد في آنٍ هو ذو دلالة لعلَّ المهتمِّين بها يشتركون,,, مع اختلاف مناحي اهتمامهم العلمي والتخصصي,,, إذ إن لغة الحركة، أو لغة الجسم، أو الجسد، أو الحركيّة الأدائية في عمل الجسد، أو الأداء الحركي فيه كلها مصطلحات جاء بها علماء الاجتماع وعلى وجه الخصوص الأنثربلوجيون ، وعلماء النفس وعلى وجه الخصوص المحلِّلون المرشدون ، وعلماء النقد وعلى وجه الخصوص النحويّون والناقدون ,,, والفاعلون هم: البشر، بطبيعتهم، وفطرتهم، في إشاراتهم، وحركاتهم، ومختلف أسلوب تعبيرهم الناطق الصامت، والصامت الناطق أو كما يحلو لوسمية المنصور أن تقول (الصمت الثرثار) على الرغم من أن إشارة صغيرة قد تفضي بكثير، بينما ثرثرة كثيرة قد لا تشير إلى يسير!!,,.
وفعلوا ذلك في مطلق تعبيرهم اليومي، وعلى مستوى تعبيرهم الجمالي: في الرسم، في الشعر، في النثر، وفي إطلاق حواسِّهم أيديهم، وأعينهم، وشفاههم، وجباههم، وحواجبهم، بل أقدامهم، وأكتفاهم,,, واللبيب من الإشارة يفهم ,,, وقبلاً وبعداً جاء في القرآن من آيات الله تعالى ما يوطِّن فطرة التعبير الدلالي بحركيّة الجسد وآليّة الإشارة وما يؤكد كلام الصمت، وصمت الدلالة الناطق بلغة الإشارة الدلالية المعبِّرة: قال تعالى: ,,, فلن أكلِّم اليوم إنسيّا (26 - مريم)، و,,, فأشارت إليه ,, (29 مريم) فصكت وجهها (29 الذاريات),,.
وبعد، فلقد أثرتنا لغة الإشارة وتلفَّت كلٌّ إلى كل، وكلٌّ إلى بعض,,, فإذا الأيدي تعبر,,, وإذا الأوجه تعبر,,, وإذا علامات البِشر والاستمتاع تصل إلى الدكتورة المحاضِرة بدلالة الارتياح إلى ما قالت وبلوغ الإشارة إلى من أصغين.
|