| الاخيــرة
* رحم الله فقيد العلم والثقافة، الشيخ حمد بن محمد الجاسر,.
* فقد كان رحمه الله علماً في سيرته,, عالماً في اختصاصه,, ومعلماً لمن أمّ بيته أو مكتبه طلباً لعلمه!.
**
* رحم الله القاضي والمؤرخ والمحقق والباحث والرحالة والأديب والمحاور، الشيخ حمد بن محمد الجاسر.
* فقد كان يجمع بين هيبة العلم، ورصانة العلماء، وحصافة المعلم، وكانت كل تلك الخصال مجتمعة لديه، يقر بها من عرفه عن بعد وعن قرب، ويوقن بها من قرأ له,, أو استمع إليه أو حاوره!.
**
* كان رحمه الله رائداً من رواد الصحافة السعودية الأوائل، وكان جاداً في سبيلها، مجدداً لها عبر مدة فاقت النصف قرن!.
* بدأ مشواره الجميل مع الكلمة المكتوبة عبر صرح (اليمامة) الذي أنشأه في بداية النصف الثاني من القرن الماضي، فكانت (اليمامة) الصحيفة أولاً، والمجلة تالياً، تحمل قبساً من ضياء روحه المشحون بحب المعرفة وأهلها!.
ولذا، كان دوحة للمثقفين الأوائل، أمثال الجهيمان والبواردي والسباعي والعطار وغيرهم كثيرون.
أوقف رحمه الله قلمه وماله وذهنه لخدمة الحقيقة بحثاً وتحقيقاً ونشراً، وكانت (العرب) محاره ومناره، تصدر شهرياً بنفيس الكلام!
**
لن أنسى ما حييت موقفاً طريفاً جمعني بالفقيد الكبير قبل أكثر من ثلاثة عقود،
* كنت في بداية مشوار العناء مع الحرف الجميل,, وكانت (اليمامة) الصحيفة الأسبوعية بقيادة حمد الجاسر، متعة الناظرين.
* كان يراودني حلم الكتابة في (اليمامة) يوماً من الأيام، لكنني استهزأت بنفسي وبالحلم معاً,, إذ كيف لي أن اقتحم عرينها المحصن بهيبة كتّابها الكبار، وعلى رأسهم الشيخ حمد الجاسر نفسه!
**
وقررتُ في صمت أن أخوض تجربة الاقتحام القاسي لعرين (اليمامة)، فكتبت مقالاً أُعلّق فيه على ظاهرة توافد العمالة العربية الى بلادنا، ورأيت في ذلك تحدّياً مكشوفاً للعمالة الوطنية، حملت المقال شخصياً الى الشيخ حمد الجاسر في مكتبه بمطابع (اليمامة) في حي المرقب بمدينة الرياض، تقدمتُ اليه رحمه الله بخطى يتقاسمها الشك والخوف والقلق، لكنه شجعني على الحديث بأريحية أبوية أنستني لحظات رهبة الموقف!
**
قرأ رحمه الله المقال حتى أتى عليه، ثم أعاده إليّ مبتسماً وقال لي (ما معناه):
يا بني، العرب اليوم يبحثون عما يوحدهم وسيلة وغاية، وأنت هنا تدعو الى خلاف ذلك .
* هزّني الردُّ، لكنني آثرتُ الصمت احتراماً لموقف الرجل وحزمه، وغادرتُ المكان,, وأنا لا أكاد استوعب ما حدث لي!
* *
وتحلُّ أزمة الخليج الأولى، يوم حشد حاكم العراق آنئذٍ عبدالكريم قاسم قواته على الحدود مع الكويت، مهدداً أمنها واستقلالها، وتدقّ طبول الحرب عبر الوطن العربي، ويفتنني الحدث السياسي الكبير، فأكتب مقالاً بعنوان (لمصلحة من هذا التشاحن؟) أنعي فيه وحدة العرب وتضامنهم، مؤكداً أن المستفيد الوحيد من فرقتهم هو العدو اللدود الرابض فوق أرض فلسطين! وأرسل المقال عبر البريد الى رئيس تحرير (اليمامة) الشيخ حمد الجاسر، وتأتي المفاجأة مدوية في مطلع الأسبوع التالي، حين طالعتُ مقالي سالف الذكر منشوراً في الصفحة الأولى من صحيفة (اليمامة)، وكان فتحاً عظيماً لطالب شاب لم يتجاوز بعد مرحلة الدراسة الثانوية، ولم تبارحني نشوة ذلك الموقف حتى اليوم,, واعتبرتُ ذلك الفوز بثقة (اليمامة) وشيخها الجليل,, ردَّ اعتبار جميلاً لن أنساه ما بقيت!
**
وبعد,, فالعزاء,, أجلُّه وأجمله وأجزله:
* لأسرة الفقيد الجليل,.
* ولابنه معن وكريماته ولشقيقه رشود،
* ولأصهاره وأصدقائه ومريديه,.
* ولكل من تتلمذ على يديه،
* وللصحافة والصحفيين، فهو رائدهم.
* وللثقافة والمثقفين، فهو عميدهم!
* إنا لله وإنا إليه راجعون!
|
|
|
|
|