| مقـالات
أي نجم أسطع من حمد الجاسر الذي أضاء سماء الكلمة والأدب والبحث والنشر في سماء الجزيرة العربية لعقود من الزمان؟
عمل في مهن عديدة,, من القضاء إلى التدريس، إلى الصحافة، إلى البحث عن الوثائق والمخطوطات، وقاده شغف الباحث إلى بلاد بعيدة متعرضاً للأخطار بجميع أشكالها بل والتوقيف والمساءلة، حينما استغرق في البحث والقراءة ونسي نفسه فأغلق عليه باب دار المخطوطات في احدى الدول الأوروبية بعد انتهاء الدوام الرسمي، فاعتبر في عداد المتسللين إلى ذلك المكان على اثر قرع أجراس الانذار.
لا أدعي أنني صديق للشيخ كما يحلو للبعض ان يفعل حينما يموت المشاهير ولست من رواد ندوة الخميس في دارة العرب مع كل الأسف, لكنني أسمع وأقرأ له وعنه فأزداد اعجابا بثاقب رأيه ودفاعه عن هذا الرأي بكل قوة متمثلا بقول الشاعر:
قف دون رأيك في الحياة مجاهداً إن الحياة عقيدةٌ وجهادُ |
ولعل البعض يذكر معاركه الأدبية التي اثرت الساحة الفكرية ببحوث لغوية وتاريخية بل وفقهية، استناداً إلى دراسته الشرعية التي جعلته بلا منازع أديب الفقهاء وفقيه الأدباء, ولعل ما يجبر مصاب الجميع في هذا العلامة انه ترك آثاراً باقية وخالدة حرص كل الحرص على غرسها وسقيها، وحتى قبيل رحيله للخارج للعلاج كان يوصي كل من اتصل به من أهل الكلمة والفكر على رعاية مجلة العرب والعمل على دعمها للاستمرار والصدور,, لم تكن توصية على ارض للبيع أو طلبا للترقية في وظيفة، وإنما همه الأول استمرار الاشعاع والنور لتبقى بلاده التي احبها وأخلص لها منارة لكل العرب والمسلمين.
ومن الجوانب الخفية في شخصية الفقيد الكبير الصبر على تحمل المصائب,, فلقد شاهد الطائرة التي كان ضمن ركابها ابنه محمد يرحمه الله وهي تهوي أمام عينيه في البحر وهو يقف مع رفيقة درب ام محمد فصبر واحتسب وظل خمس سنوات لم يكتب حرفاً واحداً عن فقد ابنه وفلذة كبده، ثم كتب مقالاً بليغاً يقطر حزناً وألماً.
وسيظل تلامذة الشيخ كما أتصور في ذهول لمدة طويلة ثم يكتب من يجيد منهم ادب الرثاء، المقالات والقصائد التي تعبر بلاشك عن مشاعر امة فقدت علما من أعلام الفكر والأدب وليس أشد على الأمم من فقدان مفكريها وعلمائها.
رحم الله أبا محمد وأسكنه فسيح جناته وألهم ابنه معن ووالدته واخوانه وتلامذة الشيخ ومحبيه ومريديه الصبر والسلوان.
ولعل من المناسب في هذا المقام أن أثني على اقتراح طرح من قبل العديد من الزملاء حول انشاء مؤسسة أو مركز يحمل اسم الشيخ ويعنى باكمال ما بدأه من أبحاث ودراسات تاريخية واثرية يحتاج إليها الدارسون والباحثون، وليكن هذا المركز ملحقاً بجامعة الملك سعود لكونها تقع في المدينة التي كان يقيم فيها الفقيد وتصدر منها مجلة العرب، التي نأمل أن تستمر كاحدى منارات الاشعاع في عاصمة الثقافة العربية.
|
|
|
|
|