| الاخيــرة
قرأت منذ عهد الصبا الأول، مقولة الامام علي، كرم الله وجهه: لو كان الفقر رجلاً، لقتلته, ومنذ ذلك الزمن، وأنا أتصور الفقر مخلوقاً بغيضاً، مستحقاً، للسحل وتمزيق الأوصال, وكلما امتد بي الزمن، وعرفت كثيرا عن الحالة الانسانية، ازدادت قناعتي باستحقاق الفقر، لحكم الاعدام والصلب، والتشهير، واللعن.
الفقر هو، الغول الذي يخطف الأطفال، ويأكلهم.
والفقر هو، تاجر العبيد البغيض، الذي يسرق الأحرار ويسترقهم.
والفقر، هو الطاغية، المستبد، الظالم، الذي يكتم الأنفاس ويسلب الأرزاق، ويسجن الأبرياء.
والفقر هو الارهابي الدموي، الذي ينشر الخوف بين الآمنين الوادعين، ويذبح الأطفال والنساء والشيوخ، ويلتذ لمناظر الدماء وهي تسيل، وينتشي لصرخات العذاب وهي تُدوي، ويرتفع عالياً حين يرى العيون الجاحظة المذعورة، قبل الذبح، وبعده.
الفقر هو الذي يسرق حلوى الأطفال في العيد، وهو الذي يحرم الأطفال ثيابهم الجديدة، ويقطع للبنات الصغيرات، العذبات، ضفائرهن الجميلة، وهو الذي يقتحم كوخ الطفولة الوديع المسالم، فيقتل الأمهات المكافحات، وهن في عُمر الشجيرات المثمرة الظليلة، وهو الذي يجتاح حقول المكافحين الصابرين، مصانعهم، فيغتال الآباء وهم في عمر الرجولة المعطاء.
الفقر هو اللئيم الذي يُذل الأحرار الكرام, والفقر هو الخسيس الذي هدد شرف الكريمات.
والفقر هو الميكروب القاتل الذي يفتك بالمجتمعات الصحيحة.
والفقر هو، الفتنة المستيقظة، تقُضُّ مضاجع المجتمعات الآمنة.
الفقر هو المعلم الأكبر للنفاق، والكذب، والخداع.
هو ناقض العهود، وممزق العقود، وحانث الأيمان، وناكص المواثيق.
هو الذي يجعل أعزّة الناس أذلة، وفُجارها أكابر ومحترميها متسولين، وهو الذي يمحق الكرام، ويسود اللئام، ويفضح المستورين، ويشيع الفاحشة، وينشر الرذيلة، ويغتال الفضيلة، وينفث الحقد، والبغضاء، والحسد.
تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الفقر، وأراده الإمام علي، رضي الله عنه، رجلا، ليبارزه، ويقتله.
ويتمنى كل العقلاء، والرحماء، والحكماء، والراشدون وأمم كثيرة، في اقصى الأرض، وأدناها أن يتمثل الفقر، حشرة قذرة، يسحقونها بأقدامهم، ويلقون بها في هوّة سحيقة ما لها من قرار.
|
|
|
|
|