| الثقافية
علمت بعد ظهر يوم الخميس 16/6/1421ه بوفاة استاذنا علامة الجزيرة الشيخ حمد بن محمد الجاسر عندما دخل الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك على مجموعة من الأدباء بدار المفردات للنشر وكان يتواجد هناك وقتها الدكاترة والأساتذة عبد الرحمن الطيب الأنصاري ومنصور الحازمي وعزت خطاب وعبدالرحيم الأحمري فنقل لنا الخبر المؤلم, فترحمنا عليه ودعونا له فاستعدت الذاكرة في اول لقاء كان معه منذ مايزيد على ربع قرن بالاحساء، عندما دعاني أمير الاحساء وقتها الأمير محمد بن فهد بن جلوي على الغداء بمناسبة قدوم الشيخ حمد مع صاحبيه المشايخ محمد الناصر العبودي وسعد بن جنيدل في احدى جولاتهم على مناطق المملكة للتحقق من بعض المواقع وموارد المياه للإعداد للمعجم الجغرافي الذي كان يعده معهم قبل نشره.
وصلت لمقر الامارة قبيل صلاة الظهر ووجدت مكتباً بجوار مجلس الأمير وقد جلس به رفيقاه, وبعد السلام عليهما سألت عنه فقالا انه مستريح في غرفته، وبعد أذان الظهر انضم اليهم، فقُدم الشاهي عندها اخرج من جيبه ليمونة صغيرة فتلفت يبحث عن سكين يقطعها بها فلم يجد، فعضها باسنانه وعصرها بفنجانه وعدد فوائد الليمون للجسم ومضار الشاهي، وان الليمون مع الشاهي يخفف من ضرره ويلطف طعمه,,, والخ.
دعوته لالقاء محاضرة ثقافية على شباب الاحساء في احد الأندية الرياضية وكنت وقتها ادير مكتب رعاية الشباب هناك, اعتذر لانشغاله وبأنهم في طريقهم للحدود لاستكمال مهمتهم، وكان معهم مرافقون وأدلاء وسيارات مجهزة لقطع النفود واجتياز الربع الخالي, وذكر انه في سبيل اصدار عدد خاص عن منطقة الاحساء من مجلة العرب وانه يجمع بعض المراجع والبحوث.
وقداعطيته عدة وريقات سبق ان طبعها المكتب تتضمن بعض المعلومات التاريخية والجغرافية لمنطقة الاحساء, وبعد سنتين صدر العدد المذكور.
زرته بعد سنة بمنزله بالملز بالرياض وجددت الدعوة للمشاركة بالموسم الثقافي لمكتب الاحساء ووعد انه سيحققها في المستقبل القريب لأنه على جناح سفر, وكان يتباحث مع احد اصدقائه (لا أذكر اسمه الآن) عن تفاصيل دقيقة في المعجم ومن ضمن بحثهم اسم (عشيرة) وكم عدد مواقعها بالمملكة فعدّد خمسة مواقع، فذكرت له انه يوجد بالزلفي عقلة بهذا الاسم، فالتفت الى مكتب بجواره وأخذ مغلفاً من فوقه وعندما فتحه وأتى على حرف (العين) وجد انها ضمن المواقع الخمسة.
عدت للرياض بعد سنوات، وزرته بعد مغرب ذات يوم في منزله بمناسبة فوزه بجائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1403ه ووجدت معه صديقيه الاستاذين عبدالكريم الجهيمان وعبدالرزاق الريس, انتقل بعدها لمنزله الجديد بالعليا والذي سماه (دار العرب) وتوثقت علاقتي به، فكنت ازوره بين آونة واخرى او التقيه في احدى مناسبات النادي الأدبي.
كان يحدثني عن والدي عندما كان يطلب العلم بالرياض وقبل انتقاله لمكة المكرمة ليدرس بالمعهد السعودي هناك واعتقد انه يقصد اعوام (عشر الاربعين) فيقول عن والدي انه يهتم بمظهره ونظافة ملابسه واكثاره من استعمال الطيب.
وقال ضاحكاً وانه علاوة على ذلك (مزواج) فيقول انه عندما يمشي بشارع ما مع احدهم ويشم رائحة طيب نفاذة قلنا هذا فلان من باب تميزه بمثل هذه الصفات حتى انني عندما زرته مع امين مكتبة الملك فهد الوطنية الاستاذ علي بن سليمان الصوينع في 18/7/1418ه وأهداني الطبعة الثانية من كتاب الدكتور علي جواد الطاهر معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية والذي اعاد الشيخ طبعه بعد وفاة مؤلفه كتب إهداء جميلاً افتخر به يقول فيه (للابن الحبيب الاستاذ/ محمد بن عبدالرزاق القشعمي الذي يذكرني ببشره وطلاقة وجهه وظرفه وأدبه بوالده الجليل الشيخ عبدالرزاق غفر الله له ووفق محمداً واسعده في دنياه وأخراه، 18 رجب 1418ه من اخيه حمد الجاسر).
وتعددت الزيارات واللقاءات، وكان كثيراً ما يكلفني أو يطلب مني احضار كتاب او بعض الاعمال من مكتبة الملك فهد الوطنية، وأذكر ان آخر لقاء معه قبل سنة كان اثناء زيارة الاستاذ الدكتور ابوبكر احمد باقادر استاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وعضو مجلس ادارة النادي الأدبي هناك، فبعد ان القى الدكتور باقادر محاضرته بمركز الأمير سلمان الاجتماعي ذات صباح رافقته مع الاستاذ حسين بافقيه الى حيث منزل الشيخ حمد وهناك وجدناه بين موظفي مجلة (العرب) في الملحق المخصص للمجلة والمكتبة, وبعد ان قدمت له صديقي رحب بهما، وطلب ان ننتقل الى المجلس حيث يستقبل ضيوفه هناك, كان أذان الظهر على وشك ان يرفع فحاولت ان اطلب منه الا يكلف نفسه بالانتقال الى هناك بل يمكن ان نبقى بجواره، لأن الاستاذ باقادر لديه مهمة بعد السلام ان يأخذ موافقته على الاشتراك في لجنة الاشراف على مجلة النادي الجديدة (الجذور).
اصر على ان نذهب الى هناك قبل ان يلحق بنا، إذ انه لا يستطيع المشي بمفرده فهو يتنقل داخل المنزل بواسطة (عربة) تدفع به، وكأنه لايحبذ أن نراه بهذه الصورة.
التحق بنا بعد قليل وقد انفرجت اساريره فرحاً ومرحباً وبدأ يتكلم عن اصدقائه من اليمن مثل الاكوع ومحمد انعم غالب ومؤلفاتهما وغيرها.
بعد تناول القهوة والشاي والمرطبات استأذنا في الخروج على ان نلتقي بعد ذلك اذ طلب مني ان احضر له اوراقاً بالمكتبة يحتاجها في مشروعه القادم عن تاريخ التعليم في نجد,, لم يتحقق له ما طلب اذا لم اجد بغيته وسمعت بعد أشهر انه ادخل المستشفى وهممت بزيارته الا انه انتقل الى امريكا لاستكمال العلاج, ولم يلبث ان نعاه الناعي فسبحان الله,, رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته، لا انسى ان لقائي به قبل ثلاث سنوات مع الاستاذ الصوينع، وكان يتحدث عن سنه وعن مزاملته لصديق عمره ابي سهيل الاستاذ عبدالكريم الجهيمان.
فيقول إنه اصغر من زميله الجهيمان بدليل انه قدم لمكة لغرض الدراسة بالمعهد السعودي في حدود عام 1346ه 1926م وانه كان حافي القدمين وبدون غترة تغطي رأسه بدليل انه مازال صغيراً بينما الاستاذ الجهيمان يعمل في الهجانة عسكرياً ويلبس المشلح البشت اي انه رجل كبير وهذا دليل على انه اكبر منه صحيح انهما دخلا المعهد سوياً ولكن فارق السن واضح.
وهكذا رحل عنا علامة الجزيرة رائد التعليم ورائد الصحافة ورائد الطباعة بالمنطقة الوسطى والعالم والمؤرخ والبحاثة.
وتحضرني كلمته في العدد الاول من جريدة القصيم 1/6/1379ه وفيها يقول: ,,,, سررت بصدور هذه الصحيفة، وسررت بأن أملاً من آمالي قد تحقق، فقد اعاد إليّ نبأ صدورها ذكريات كاد يعفيها النسيان وطول الأمد، كنت صباح يوم من ايام عام 1372ه جالساً اتحدث مع الكاتب الكبير السيد/ محب الدين الخطيب في مكتبه بالقاهرة وكان موضوع الحديث انشاء مطابع في مدينة الرياض في قلب الجزيرة وكان يقول انكم متى استطعتم إنشاء مطابع هناك فإنكم ستشيدون صرحاً عالياً، تشع منه اضواء المعرفة، وتقومون بعمل لا يقل عن انشاء جامعة علمية في تلك البلاد.
ذكرني نبأ صدورها بما انتابني من سرور حينما تم إنشاء مطابع الرياض ذلك السرور الذي لم اكتف بتسجيل ما خفي منه في موضوع واحد من أول عدد قامت المطابع بطبعه (العدد التاسع السنة الثانية رمضان 1374ه مايو 1955م) بل سجلته في موضعين فقلت في مقدمة العدد: (انشاء دار للطباعة والنشر في مدينة الرياض يعد من الأمور العظيمة الاثر في تطور الحركة الفكرية والثقافية في بلادنا,, وان يوم الثلاثاء 26 شعبان 1374ه الذي دارت فيه تلك الآلات دورتها فأخرجت أول ورقة مطبوعة ليعتبر من ايام هذه المدينة المعدودة,,) فعزائي لأهله ولابنه (معن) واخواته واصدقائه وتلامذته,
رحمك الله رحمة الأبرار، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
محمد القشعمي
|
|
|
|
|