| شرفات
رأس العين هي بالفعل جنة من جنان الارض في الجزيرة السورية، فهي تجمع بين التاريخ الذي يمتد ستة آلاف عام في غور الزمن، والطبيعة الخلابة التي تمتلئ بالعيون الصافية كالزجاج، ومياه العيون الكبريتية التي تستخدم كعلاج طبيعي للعديد من الامراض الجلدية وقبل هذا وذاك فهي المدينة التي استطاعت أن تأسر خالد بن الوليد عندما قام بفتحها.
تقع مدينة رأس العين في الشمال الغربي من الجزيرة السورية، ضمن محافظة الحسكة التي تقع في الشمال الشرقي من قطرنا العربي السوري، وتبعد مدينة رأس العين مسافة 90كم عن مدينة الحسكة، تحدها من الشمال تركيا ومن الشرق العراق ومن الغرب الرقة ومن الجنوب دير الزور، تبلغ مساحتها 23 ألف كم مربع.
سبب تسميتها برأس العين يعود لوقوعها على اكبر عيون منابع نهر الخابور الذي كان ينقل تجارنا الى بغداد وبقية مدن مابين النهرين، وقد وصفها الادريسي في كتابه نزهة المشتاق بقوله: رأس العين مدينة كبيرة فيها مياه نحو من ثلاثمائة عين عليها شباك حديد تحفظ مايسقط فيها، ومن هذه المياه ينشأ معظم نهر الخابور الذي يصب في قرية البصيرة .
وقال عنها ياقوت الحموي: هي مدينة مشهورة من مدن الجزيرة بين حران ونصيبين ودنيسر، وفي رأس العين عيون كثيرة عجيبة صافية وتجتمع كلها في موضع فتشكل نهر الخابور واشهر هذه العيون أربع: عين الآس وعين الصرار وعين الرياحية وعين الهاشمية .
لمحة تاريخية
لقد اثبتت المكتشفات الاثرية التي تمت في قرية تل حلف منذ عام 1899 على يد عالم الآثار الالماني ماكس فون اوبنهايم ان تل حلف ماهي الا مدينة رأس العين التاريخية القديمة ذاتها، وهناك اسماء اخرى لها غير اسم تل حلف اذ كان يطلق على رأس العين اسم تل الفخيرية وواشوكاني وفاشوكاني وغوزانا ورش عينا وعين الوردة ويؤكد علماء الآثار والمؤرخون ان منظمة ينابيع الخابور كانت قاعدة لحضارة الشعب السوباري الذي ظل قروناً طويلة في هذه المنطقة الى ان آل الامر الي قبائل انحدرت من الشمال الغربي واستولت على بلاد سوبارتو لكن الامر لم يدم طويلاً لهذه القبائل، اذ هبط عنصر آري من الشمال الشرقي بعد منتصف الالف الثالث ق,م, واستقروا في منطقة ينابيع الخابور في تل حلف واسسوا الدولة الميتانية، ثم زحف الآشوريون علىالدولة الميتانية واستولوا عليها ودمروا عاصمتها فاشوكاني أو رأس العين إلا انهم لم يستقروا بسبب الحروب بينهم وبين الحثيين الامر الذي مهد لظهور الدولة الآرامية التي اسسها الملك كابارا بن قاديانو وجعل قاعدتها عند ينابيع الخابور مختاراً تل حلف مقراً لها وفي القرن العاشر ق,م, قام تيفلات تلاصر الاول ملك آشور بغزو الدولة الآرامية ودمر مدينة تل حلف رأس العين ومنذ ذلك الحين اصبحت الجزيرة السورية مقاطعة آشورية حتى انهيار هذه الدولة على يد الفرس ثم استولى عليها اليونانيون ثم الرومان الذين اصبحت في عهدهم في مصاف المدن الكبرى، وكانت المنطقة ميدان صراع بين الفرس والروم الى ان استولى عليها الفرس عام 602 في عهد الامبراطور فوكاس.
وقد بلغت رأس العين من القوة والعظمة ماجعلها تصمد طويلاً امام الفتح العربي في الوقت الذي فتحت فيه سائر مدن الجزيرة صلحاً سنة 17 للهجرة,, واستعصى على جيش المسلمين بقيادة عياض بن غنم، وفتح رأس العين بالحرب المواجهة لولا استخدام الحيل وتحول قسم من جيش حاكم المدينة الى صفوف المسلمين وقيامهم بفتح ابوابها امام الجيش الاسلامي، ويذكر ان القائد العربي خالد بن الوليد قد وقع في الاسر اثناء هذه المعركة واقتيد هو وصحبه الى برج القلعة بانتظار ساعة الحسم في المعركة التي شارك فيها عدد من خيرة ابطال العرب المسلمين امثال ضرار بن الازور وعبدالرحمن بن ابي بكر الصديق والمقداد بن الاسود.
وتذكر بعض المصادر ان الخليفة العباسي المتوكل وغيره من الخلفاء العباسيين قد نزلوا الجزيرة واصطافوا في رأس العين، وان عملة عباسية ضربت يوماً في هذه المدينة التي ارتفع شأنها حتى اصبحت محطة مهمة للتواصل بين ارجاء الامبراطورية العربية في عام 1129 غزاها الصليبيون بقيادة جوسلان وكغيرها من مدن الجزيرة تعرضت للغزو المغولي إبان حكم تيمور لنك الذي دمرها تدميراً شديداً
أما مكانتها العلمية والفكرية فإن المكتشفات الاثرية التي ظهرت في تل حلف رأس العين تخبرنا عن الكثير من المكانة العلمية والفكرية والثقافية المرموقة التي وصلت اليها رأس العين منذ أقدم العصور فقد عثر على بعض المنتجات اليدوية من الفخار الملون مما يدل على وجود مرحلة متقدمة من الحضارة، كما عثر على اختام تعود لعصر المملكة الميتانية الكبرى اضافة الى قطع من البرونز كالعقود والاساور والخواتم في العصر الآرامي كما وجدت مقبرة تعود لعهد كامارا عثر فيها على قطعة تمثل صحيفة رقيقة من الذهب كانت توضع على فم الميت لمنع الارواح الشريرة من الولوج الى جسده ووجدت ايضا علبة من العاج محلاة بخيوط ذهبية وفي داخلها خمسة اقسام يحوي احدها طلاء احمر والى جانب العلبة اداة فضية صغيرة لمد الطلاء واكتشفت بعثة المانية عام 1955 بقايا معبد يرجع الى العصر الآشوري الاول اضافة الى مصنوعات عظمية وعاجية وكؤوس لها قواعد متقنة الصنع من العهد الآشوري الاوسط وعلى ادوات خزفية من العهد الآشوري الجديد ثم عثرت بلدية رأس العين اثناء عمليات حفر كانت تقوم بها على تمثال من الحجر البازلتي الاسود طوله متران له لحية طويلة، ويعود الى العهد الآشوري.
ومن المكتشفات الاثرية المهمة الهيكل الملكي الذي بناه الملك الآرامي كابارا بن قاديانو إذ عثر على اسم هذا الملك على احد الجدران المكتشفة وعثر ايضا على جدار له خمس دعائم مربعة الشكل واكثر من مائة لوحة صخرية تعود الى العهد السوباري تدل على ان انسان رأس العين كان قد تقدم في اساليب حياته التي تقوم على الزراعة، كما استطاع صنع أوانٍ فخارية متقنة ذات الوان متعددة لامعة، وعرف هذا الانسان كيف يصهر النحاس ويصنع منه ادوات مختلفة، او صنع تماثيل صغيرة من الطمي المحروق تمثل سيدات اعضاؤهن ممتلئة، وأجمل ما اظهرته المكتشفات، ادوات صيد الوحش وصور العربات التي يجرها حصانان ويركبها محاربان، وصور المعارك التي تدور بين انسان رأي العين والاسود والحيوانات المفترسة واشتهر سكان رأس العين بصناعة السكاكين والفؤوس والصحون والاقداح الخزفية كما اشتهرت نساء رأس العين بتزيين انفسهن بالجواهر والحلي واللؤلؤ، فقد عثر على خواتم مرصعة بالاحجار الثمينة واساور ذهبية.
ومنذ عام 1962 انتبه الناس لظهور فوهة صغيرة يتدفق منها ماء اخضر، على بعد ستة كيلو مترات من رأس العين ومنذ ذلك الوقت ظلت تلك الفوهة تتسع وظل تدفق المياه الكبريتية في ازدياد، حتى صارت الفوهة بحيرة صغيرة وصار النبع يعطي 43200 متر مكعب / ساعة، تبلغ درجة حرارة هذا النبع المسمى بعين الكبريت 27 درجة مئوية وهو يحدث شلالات اخاذة عند مصبه, والوقوف تحتها يغني عن المساج ويجعل كل خلية من خلايا الجسد تعلن عن سرورها بطريقتها الخاصة، وعين الكبريت ماهي الا حفرة دائرة كبيرة، يتفجر منها ماء اخضر زاه يدور حول نفسه بقوة عظيمة، حتى يبدو وكأنه يغلي قبل ان يفور ويندفع خارج إنائه الترابي الاحمر، منطلقاً في مجرى متعرج شديد الانحدار، تتصدره صخور بيضاء، ثم ينتهي في بحيرة صغيرة يتشكل عندها شلال جميل ومتسع، وسرعان ماتمتزج مياه النبع الكبريتية بالمجرى العام لنهر الخابور، ويقدر بعضهم عمق هذا النبع بمائتي متر وأكثر، وبعضهم يدعي انه ليس له قرار، اما غزارته فقد بلغت 458 م مكعب / ثا، ولهذا فعين الكبريت بالمقارنة مع الينابيع الموجودة في سورية تعتبر مصدراً عملاقاً لمياه معدنية نادرة الوجود في المنطقة، وهي ايضا من الينابيع المعدنية الضخمة في العالم، مياهها دافئة وهي نافعة صحياً، ومن المعتاد ان يستحم الناس بها عند نهاية المجرى المنحدر من العين، حيث تتشكل بحيرة صغيرة قليلة العمق، هادئة المجرى نسبياً، تزدحم بالراغبين في العلاج الطبي، بواسطة المياه المعدنية حيث اثبتت التحاليل التي اجرتها وزارة الصحة ان المياه الكبريتية الموجودة في رأس العين تصلح لمعالجة الكثير من الامراض الجلدية والرئوية.
|
|
|
|
|