| شرفات
مصطفى صفوان أحد ألمع الشخصيات العربية في مجال التحليل النفسي، يعيش في فرنسا منذ نصف قرن تقريباً، يعمل هناك ويكتب بالفرنسية, كان صديقاً وزميلاً لجاك لاكان لسنوات طويلة، ويعتبر من أشهر تلامذته أيضاً, وقد نشرت لصفوان كبرى دور النشر في لندن وباريس مثل ماكميلان,,
ومن مؤلفاته بالفرنسية الكلمة أو الموت اللاشعور وكاتبه .
ورغم أنه في الثمانين من عمره إلا أن صلته لم تنقطع بالوطن، وكذلك بالأدب العربي، فمن وقت لآخر قد نراه في زيارة إلى مصر أو إلى لبنان، ومن وقت لآخر ينتقي بعض المؤلفات الأدبية والعلمية ويترجمها إلى العربية،فقدم تفسير الأحلام لفرويد إلى العربية وبعض الدراسات عن هيجل ,,.
كما قدم عطيل بالعامية المصرية فكانت حدثاً أثار ضجة كبيرة بين المثقفين المصريين، محلل نفسي كبير يترجم مسرح شكسبير بالعامية؟!
الأدب وعلم النفس
* رغم عملك كأستاذ في التحليل النفسي إلا أن لك اهتمامات واسعة بالأدب,, فما العلاقة التي تربط بين الأدب وعلم النفس من وجهة نظرك؟
اللا شعور نفسه نظراً لأن عليه رقابة يبحث عن تنفيس, فمثلاً نجد أن النكتة تقول الحقيقة ولكن بطريقة غير مباشرة تجعلنا نستغرب العلاقة قبل أن نفهم,, كذلك اللا شعور يقول الحقيقة عبر طرق غير مباشرة، مثلما نجد ذلك عند المجانين, فاللاشعور مجنون أو أديب، من هنا تأتي العلاقة بين الأدب واللاشعور، لكن أقرب أنواع الأدب إلى اللاشعور هو المينارست الذي يعتمد على اللعب بالكلمات,, لكن الأدب مجاله أوسع باعتباره يعتمد على التسامي، فهو ليس مجرد تحريف لا شعوري.
ولأن العجينة واحدة يصبح الاشتغال بالأدب معينا على متابعة المتضمنات اللاشعورية للخطاب والتي تساعد بدورها على فهم الأدب.
* إذا عدنا إلى الوراء قليلاً إلى بداية علاقتك بالأدب العربي كيف كانت؟
علاقتي بالأدب العربي جاءت من خلال الفترة الأولى من حياتي حيث عشت في فترة نهضة أدبية كبرى طرحت أسماء لا نزال نحيا على إنجازها مثل طه حسين والعقاد والمازني وأحمد أمين, وفي تلك الفترة كانت الترجمة مزدهرة فمثلاً فخري أبو السعود يترجم من الأدب الانجليزي ودرين خشبة يترجم في المسرح والصاوي محمد يترجم تاييس لأناتول فرانس, وكانت أقرب الأسماء إلى نفسي في تلك الفترة عبدالقادر المازني، ومن الشعراء أعجبت بمدرسة أبولو وبأحمد زكي أبوشادي.
تلك الفترة لم تكن تتميز بالنهضة الأدبية فحسب وإنما بالنهضة السياسية أيضا، فالصحيفة كانت مهمة عند كل مواطن كرغيف الخبز، وكانت الناس تنتظر ردود توفيق دياب على عبدالقادر حمزة وردود حمزة على توفيق دياب, وبالتالي لم يكن تكويني أدبياً فحسب وإنما أدبيا وسياسياً بحكم هذا العصر.
الأربعينيات والنهضة
* وماذا لو قارنا بين أيام الأربعينيات أثناء دراستك بالجامعة وبين هذه الأيام الحالية؟
الصحيفة حالياً لم تعد مهمة كرغيف الخبز,, صحيح الوعي السياسي لدى الناس مستمر ودائماً الوعي بالحقائق عالٍ لكن التعبير عن هذا الوعي في أيام الحركة الوطنية كان يجد الحماية، لأن العزيمة كانت أمضى، حيث ان العدو أجنبي صراحة ومحتل، وليس مجرد سلطة نشأت من البلد، فكان التجرؤ عليه أقوى، والقضية لها قدرة تعبوية أكبر, والدستور كان له وجود, والأحزاب كانت متعددة, صحيح كان هناك تزييف للانتخابات لكن كانت تحدث احتجاجات ومظاهرات ضد التزييف ويضطر الملك لأن يأتي بالنحاس باشا, كان هناك شعور لدى الناس بأن لهم كلمتهم في اختيار زعمائهم ونوابهم، وفي الاحتجاج على تصرفاتهم التي لا تعجب,, من تلك الناحية هناك فرق كبير عما نعيشه حالياً.
سر قوة أمريكا
* من اهتماماتك الرئيسية كما يتضح من كتاباتك ومن ترجمتك لكتاب العبودية المختارة، أنك تركز على الفلسفة السياسية باعتبارها حاجة ماسة للمجتمع العربي؟
لو لم أكن محللاً نفسياً لما انتهيت إلى تفسيري هذا بخصوص علاقتنا بالسلطة,, ويمكن أن أضرب لك مثلاً بأمريكا نفسها,, ليس سر قوة أمريكا في الأساطيل والطائرات، فهذه هي القوة نفسها، أما سر القوة في أمريكا فيعود إلى وجود أقدم وأهم دستور لايُمس منذ عشرات السنين ولايستطيع أحد أن يغيره, هذا الدستور أعده الآباء المؤسسون لأمريكا من قبل الثورة الفرنسية تحت تأثير قراءتهم لجون لوك وغيره من الفلاسفة, والفكرة التي قالوها أن حيلة الحياة هي أن نبحث عن آليات تضبط الحاكم كما نجد آليات تضبط المحكوم، وهي نفس فكرة اليونان القديمة التي بحثت عن ميكانيزمات تجعل الحاكم لا يستبد بالحكم.
هذا هو سر قوة أمريكا، إلى جانب أشياء أخرى غير الدستور، فهدفهم من الحياة أصبح تحصيل النقود بدون أي كف، وأصبح هناك إمكانية لحساب الكسب والخسارة باستمرار، ولأن الكل لديه نفس الهدف فإن النجاح يمنح الإعجاب وليس الغيرة والحسد,, وهذا أعطاهم شجاعة في البحث عن مصادر الرزق في القارات المختلفة, أي أن قوة أمريكا في الدستور أولاً ثم في تكوين الشعب الذي يعجب بالنجاح ويرى في الكسب علامة رضا وهذا ما نحتاج إليه
ترجمة لاكان
* انشغلت أيضاً بالترجمة على فترات متباعدة، فنقلت إلى العربية منذ ما يقرب من أربعين عاماً كتاب تفسير الأحلام لفرويد ولم تترجم جاك لاكان رغم علاقة الصداقة والزمالة بينكما ما يقرب من أربعين عاماً؟!
علاقتي بلاكان بدأت عام 1949م، وهو عندما يشرف عليك يشجعك ولا يقول لك ثلاث كلمات، بل يبدو كأنه غير مهتم ولا يتدخل إلا عند الضرورة,, وعندما اصطدم بالاتحاد الدولي للتحليل النفسي وقفت بجانبه، وكذلك عندما فتح مدرسة للتحليل النفسي عملت معه فكانت علاقتي به علاقة زمالة وتلمذة في نفس الوقت إلى أن مات.
أما ترجمة لاكان إلى العربية كما فعلت مع تفسير الأحلام لفرويد، فهذا لم يخطر على بالي، لأن لاكان له أسلوب خاص,.
هناك تعريف يقول إن الأسلوب هو الإنسان، ولاكان يضيف على هذا التعريف قائلاً إن الأسلوب هو الإنسان الذي تكلمه، والحقيقة إن الأسلوب هو الإنسان الذي تحب أن تكلمه، فقارىء لاكان لا بد أن يكون شخصاً نبيهاً ومثقفاً, هذه نقطة أولى,, النقطة الأخرى أن لاكان لا يكتب لشرح نظرياته كما يفعل فرويد وإنما يشرح لكي يكوّن تلاميذه، فهو يتكلم بلغة بها ألغاز ويعتمد على الإلماح أكثر من التصريح، وهذا يصعب فهمه على الإنسان العربي، ليس اتهاماً بالكسل، ولكن لأن إلمامات لاكان تستدعي قراءة معينة، ثقافة معينة تختلف عن ثقافتنا ومستدعياتنا,, باختصار هو يتكلم بتكنيكات اللاشعور وهذا صعب ترجمته للغاية إلا إذا جعلت لكل سطر هامشاً.
* هناك أيضاً مشكلة خاصة بمؤلفاتك التي كتبتها بالفرنسية ولم يترجم أي منها إلى العربية حتى الآن؟ ومنها على سبيل المثال: اللاشعور وكاتبه والكلمة أو الموت ؟
هناك كتابان من المحتمل أن يصدرا قريباً من خلال المشروع القومي للترجمة، الذي يشرف عليه المجلس الأعلى للثقافة، وهما دراسات عن لاكان والآخر عشر محاضرات في التحليل النفسي.
الترجمة بالعامية
* على الرغم من أنك لم تترجم لأستاذك جاك لاكان، كذلك لم تترجم دراساتك أنت نفسك إلى العربية، إلا أنك مؤخراً أبديت حماسة لترجمة بعض أعمال شكسبير إلى العامية المصرية,, لماذا ؟
سر اختياري للعامية أن لدينا نظاماً يفصل بين الكاتب والأمة أو الناس، حيث نعلم في المدارس لغة لها نوع من التبجيل وذات صور أرفع, ونبدأ في المدارس على محبة هذه اللغة، وما زلت إلى الآن أحب لغة إلى قلبي هي اللغة العربية، وما زالت أسهل علي مليون مرة من الكتابة بالعامية، ولكي أجد صيغة أدبية بالعامية أجد صعوبة شديدة لعدم تمكني منها, لكن لا أزال أراهن على أهمية إيجاد أدب رفيع من اللغة الدارجة وأول من أقنعني بإمكانية استخراج أدب من العامية هو صلاح جاهين,, بجانب أنني أقرأ حالياً فؤاد حداد وأبحث عن خطابات أحمد اسماعيل للأبنودي.
* أعلم أنك تستعد حالياً لترجمة هاملت الى العامية مثلما ترجمت عطيل من قبل,, فهل اطلعت على ترجمات عربية فصحى لهذا النص؟! كترجمة جبرا ابرهيم أو خليل مطران أو عبدالقادر القط؟
لم أر هذه الترجمات ولا أحب أن أراها إلا بعد أن أنتهي من الترجمة,, كذلك لانقطاعي عن مصر لم أعرف ما ترجم لشكسبير، لكن أستطيع أن أدعي القدرة على ترجمة أدق لهاملت تفوق ما تُرجم من قبل, وسأحاول في ترجمتي أن أعد لها هوامش وأن أجعل النص مدرسيا وأكثر عامية لكن سأترك أسماء الميثولوجيا اليونانية كما هي مع إيضاحها في الهوامش وعلى المخرج أن يستبدلها بأسماء من بيئة العرض المسرحي نفسه.
أدوات المحلل
* رغم أن فرويد قدم بضع دراسات عن أدباء وفنانين كدستويفسكي ودافنشي إلا أننا لا نجد محللاً نفسياً أقدم على مثل هذه التجربة فيما يخص الأدباء العرب,, ألم تفكر، خاصة أنك شديد الاهتمام بالأدب عامة، أن تقدم دراسة سيكولوجية عن أحد أدبائنا ؟
لم أفعل ذلك,, لأنه ليس كل كاتب يصلح لأن يعطى درساً.
* وبحكم خبرتك الطويلة في مجال التحليل النفسي,.
ماهي أهم الأدوات التي يحتاج اليها المحلل ؟
هناك أشياء كثيرة,, أهمها علم اللغة والفلسفة السياسية بوجه خاص، كذلك علم الإنسان، والمنطق وتاريخ وفلسفة العلوم,,
وأن تكون لديه ألفة مع بعض الأفكار الأولى للرياضيات.
شريف صالح
|
|
|
|
|