هاتفتني سلوى العمران,, الابنة والمسؤولة في مكتب الزميلة عكاظ الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم الخميس 16/6/1421ه 14/9/2000م,, وهي مترددة تنقل لي خبر وفاة الأب والعلامة الشيخ حمد الجاسر وقد فجعت,, على الرغم من أن الموت حق مطلق,, وبعد وفاة أمي تساوت لدي الفواجع كلها,, ولم أعد أعبأ لأي نوع منها,, إذ أتلقى كل خبر بهدوء شديد,, وأتعامل معه بما يستحقه من توقعه لكن هذا الخبر أوقفني,, واعتصرني,, فشجرة الثراء تتساقط,, والأسماء التي أضاءت ساحة البحث والعلم والتاريخ والأدب والفكر تتناقص,, وفقد حمد الجاسر وقعه على القلوب والنفوس ليس يسيراً فله أدواره وله بصماته وله كفاحه,, وهو رجل عصامي بنى اسمه بناء حرب واستمرارية وأسس لهذا الاسم مواقع هامة مؤسسة اليمامة انبثقت من اليمامة التي أسسها، وجريدة الرياض ابنته التي أوجدها، وحدب عليها، ومجلة العرب بصمته الوثيقة،وبحوثه العديدة، ودراساته الثرية ومواقفه مع أجيال وأجيال وقف من خلفها يوجهها ويعلمها ويحفزها,, ولقد كنت واحدة ممن له بصمته في بداياتي,, إذ لا أنسى مواقفه عندما بدأت أكتب في اليمامة في مقتبل التجربة فأسند إليَّ الاشراف على صفحة المرأة ثم عندما بدأت جريدة الرياض أسند إلي الاشراف على صفحات المرأة فيها وكتابة زاوية يومية وضعت بجوار كبار الكتاب في تلك الفترة وخصص لي مكافأة تعادل مكافأتهم منذ العدد الأول من الرياض,, ولم يكن يبخل علي بالنصح والتوجيه بمثل ما إنه لم يكن يتردد أبدا في قبول أي مقترح مني فيأخذ به في حماس الكبار الذين تبنوا مواقف رائدة مع الأجيال الواعدة حينذاك.
وظل حمد الجاسر لي أنموذج الرجل المفكر ذي الرأي والموقف,, فلم يكن ينسى أبداً أن يزودني بكل ما يصل الأب بأبنائه فلقد أهداني مجلدات العرب وهاتفني لأكثر من مرة في مواقف لا يتخلى فيها الأب عن أبنائه هنأني بادارة تحرير جريدة الرياض/ وبعمادة مركز الدراسات الجامعية، وبحصولي على الدكتوراه، وكان دوماً يؤكد لي متابعته لي,, ذلك لم يكن فقط علَّامة في التاريخ,, بل هو علَامة فيه,.
لم يمت حمد الجاسر الأب فهو ممتد في أبنائه بدءاً بالدكتورة الأخت العزيزة مي، والعزيزة منى، وانتهاء إلى كل من لحمد الجاسر دور في حياته,.
لم يمت حمد الجاسر العلامة فهو باق في كل حرف سجله، وكل موقف تبناه، وفي كل فكرة طرحها، وفي كل بحث جاء فيه,.
لم يمت حمد الجاسر الإنسان دمث الخلق، عالي الهمة، نشط الذهن، يقظ الشعور، المتواضع، البشوش، الصديق، الحميم، الأبي، الكريم، فهو باق في مثله وأعماله وآثاره ومواقفه,.
لم يمت هذا الأصيل الذي لا ينمحي من ذاكرة الوطن,, فهو الذي أرخ لها وهو الذي أُرخ فيها,, رحمه الله رحمة الأبرار,.
وأسكنه فسيح جناته,, واستقبله بما يرضيه,.
وجمعنا به في مستقر رحمته وأنزل سكينته في فقده على قلوب كل من في أسرته الصغيرة وأسرة الوطن الكبيرة وإنا لله وإنا إليه راجعون .
د, خيرية إبراهيم السقاف
|