37
حين جئتُكِ اللَّحظةَ وقد امتلأتُ كلاماً,,.
جلستُ إليكِ أفضُّه,,.
لكنّكِ لا أدري لماذا أشرتِ إليَّ بسبَّابَتكِ أن أتريثَ قليلاً,,.
ونظرتُ حيثُ نظرتِ,,.
كأنِّي بالطريق الطويل الذي خلَّفتُه ورائي يتحدثُ,,.
وكأنَّكِ تُشيرين إلى روايةٍ طويلةٍ بين جفنيه,,,، هذا الطريقُ، وقد لمَّ تلك الروايةَ حرفاً حرفاً,,,، دون أن يُفشي الحكاية,,.
وهل أنتِ إلاّ ممَّن يكتمون ولا يُفضون، ويتركون لكلٍ دورَه كي يقولَ؟!
أشرتِ إلى شجرة عتيقة عمرها مئات السنين، قلتِ لي أن أصغيَ إليها وهي تتحدث,,,، أجل فلقد تعلَّمتُ حديثَ الشجر، والحجر، والهواء، والضوء,,,,، وكلَّ شيءٍحتى حديث الريح وهي تصطفقُ حين تتمرَّدُ,,,، وهي تنوحُ حينَ تُثقَلُ بذاتِها,,.
تلك الشجرة كانت تروي,,.
وكانت وهي تُساقِط ثمارها,,,، وهي تختلطُ ببقايا حفيف أوراقها,,,، وهي تلتئم إلى جذوعها، وفروعها، وأوراقها,,,، وهي بين الخُضرة، والصُّفرة، بين اللَّين، والقسوة، كانت شامخةً بأيامها التي لاتنتهي، حتى حَملتِ شيئاً وقَبضتِ عليها قبضاً محكماً,,، ثم أخذتِ تنثُرينها فوق الثَّرى,,.
أدري أنكِ تتطلعين إليها شجراتٍ شامخاتٍ في المدى,,، ولكن أوَبقي في العمر ما يجعلني أتنبأ برؤيتها؟، تلك كانت ابتسامتكِ، وإيماءة رأسكِ,,, وأدري أنَّكِ مُولعةٌ بالأمل,,، مُتخمةٌ بثقةٍ خفيةٍ فيما تأملين,,.
وكأنّ الطريقَ الطويلَ قد التحم أوَّلُه بآخره,,,، حتى لم أعد أتبينُ نقطة البدءِ، ولا أدركُ نقطة الانتهاء,,.
اللَّحظة جاءني صوتُكِ,,,، ولله ما أروعه!,,,، ما أدفأه!,,,، ما أعمقه!,,,، ولقد شربتُ كلَّ نبراته حتى ارتويتُ,,,، ارتويتُ,,,، ونهضتُ يسألني: ماسرُّ قُوَّتكِ ؟,,, قال لي: جئتكِ كي تقوي,,, فإذا بكِ تمنحينني القوة ,,, لكنه يقفُ معي عندكِ كلَّ خميس,,, ولأنه يدعو لكِ في كل صلاةِ,,, فقد قلتُ له: استمدَّ قوَّتَكَ من قوَّتِها,,,، من معين الأملِ,,,، وبوتقةِ الثقةِ,,,، ولعلَّه يقفُ عند الطريق,,, لكنَّه لن يتبين أوّلَهُ,,, كما أنه لن يُدركَ آخرَه,,.
أنتِ جنّةُ كلِّ شيء ونارُه,,.
وأنتِ حين أكونُ فلأنَّكِ تكونين,,,، ولأنكَِّ كائنةٌ لا تنتهين,,,، فسوف أكون ولا أنتهي,,.
فقط كنتُ اللَّحظةَ مُغرمةً بقراءة ما بين جفون الطريق,,,، ولقد رأيتُ له عينين فيهما أربعة جفون,,,، وقد انتصبت رموشُه أقلاماً تخطُّ في دفتر الرواية كلَّ لمحةٍ يمرُّ بها، وكلَّ كلمةٍ، وكلَّ فعلٍ، وكلَّ همسٍ، وكلَّ حسٍ,,,.
الطريقُ شامخٌ بما فيه,.
ثريٌ,,, ثريٌ,,, لا يمكن أن ينضبَ أو يفرغَ,,.
وهو صامت لا ينطقُ,,، لكنَّه غير معفَّر بالتراب,,,، إنه موسومٌ بالخضرة والرُّواء,, وتلك الندوبُ فيه,, تحتها يكمنُ الماءُ,,, والبذورُ,,.
رأيتُكِ ذاتَ مساءٍ موغلٍ في الصَّمت,,, تتحدثين إليه,,,، كنتِ تتحدثين إليَّ,,,، وحين قربتُ منكِ وأخذتِني فيه إليكِ,,,، لا تدرين كم فَضَّ المساءُ عن حكايات الطريق,, حتى رأيتُك تحملين كافَّةَ أوراقكِ,,, وتنثرينها فوق مداه,,,، لكنَّكِ لم تُجفِّفي دموعَه,,,، ولم تُوقفي شلّال مائه,,,، وأنتِ من أخذَ بيدي كي تجعليها سُدَّادةً تُلجم تدفُّقَ بكائِهِ,,,، وكنتُ له البلسم كما شئتِ,,, وكنتِ لي الحافزُ كما تعلمين,,,.
والطريقُ لايزال يُحدِّث,,.
والسامعون قد تقاطروا,,, والأذان قد شُنِّفت,,.
ووحَدُكِ من يبتسم,,,!
ووحدُه من يحدِّث,,,!!
ووحدي من يستمع,,,!!!
لكنَّ ثمَّة دفتر كبير قد انفرج عن دفَّتين كبيرتين، أخذ يَلُمُّ بينهما كلَّ ما تساقطَ من شجر الكلام,,, كي يسجِّل رواية المدى,,,، وكي أستقرَّ بين يديكِ وحدكِ أقرأها,,.
وتبتسمين,,, وتقرؤكِ فأبتسم,, ونقرؤها,,, ثم نمضي.
|