| الاقتصادية
ليست الشركات العائلية ظاهرة اقتصادية جديدة أو غريبة على أي مجتمع, فهي تكاد تكون النواة الأصلية الأولى التي بدأت منها كثير من الشركات محلية كانت أو أجنبية, ففي المملكة العربية السعودية نراها تساهم مساهمة إيجابية في جميع الأنشطة الاقتصادية, وتشغل نسبة مئوية لاتقل عن 60% من اجمالي الشركات المحلية وهناك العديد منها ذات مركز مالي وشهرة تجارية على المستوى العالمي, ورغم هذا فلا تزال الشركات العائلية بنوعيها محور دراسات بحثية ومكان نقاش صحفي, فكثير من الاقتصاديين ينظر اليها نظرة مليئة بالشك لما تتعرض لها من فترات مالية غير مستقرة, فالبعض منهم يعتبرها شركات محدودة الامكانات في مجمل نشاطاتها تحكمها في معظم الاحيان الاعتبارات العاطفية والقرارات غير الاقتصادية في سيرها ومستقبلها, فقد نسمع عبارة (طبعا لانه قريب المدير وصهره او من عائلته فيحق له ان يفعل ما يشاء وكيفما شاء) فهذه العبارة قصد منها ضمنا ان التسيب وارد في بيئة العمل العائلية فيحلو لبعض اعضائها التصرف دون اتباع لضوابط الدوام والإلتزام بقواعد العمل بها.
أما في الشركات المساهمة او العامة فاننا لا نسمع نفس العبارة على الإطلاق لأن الكل سواسية تختفي كلية أواصر صلة القرابة والمحسوبية فيها, فكل موظف متقيد بساعات العمل مؤد مسؤولياته بكل اتقان لخوفه من الفصل الوظيفي والاستغناء عن خدماته, أضف الى ذلك ان القرابة احيانا تستغل استغلالا غير مناسب من الأعضاء فيجوز لهم التصرف في أموال الشركة وإدارتها دون مراجعة تذكر من أي جهة باعتبارها أصولا شخصية ولا يحق لأي موظف في الشركة ان يناقش في أمورها, كذلك تستغل في توظيف أعضاء هم ليس بالضرورة أكفاء مؤهلين رغم أن هناك من هم أكفأ وأفضل في الأداء, فهذه السلبيات لها مؤثرات على بيئة العمل سواء في الانتاج او في الإدارة أو التسويق, فغياب الانضباط وفقدان عنصر القدوة قد يدفع الكثير من موظفيها الى التهاون او عدم الالتزام بنوعية وجودة الانتاج خاصة عندما تكون صادرة من أصحاب الشركات وأرباب العمل من ناحية.
أما من ناحية أخرى فإن الصراع بين الأجيال والتنازع على المناصب يضيف بعدا لايقل سوءا عن سابقه ففيها من ينتمي الى العائلة نسبا ولكنه لا يعمل بها ولا يدري عنها شيئا كل ما يهمه من أمر الشركة هو دوام استلام الشيك في موعده وفيها من يعمل داخل الشركة ولكنه لاينتمي الى العائلة وهذا الآخر يهمه ايضا استلام الشيك بنهاية كل شهر فليس له فيها ناقة ولا جمل بل نراه يترقب ويتحين الفرص الجيدة للانتقال الى شركة أخرى تدفع له راتبا نقديا أكبر, كل هذا التضارب والتباين بين الأمزجة والمصالح يوضح بدون شك استجلاء كثير من الغوامض داخل أي شركة اقتصادية عائلية ويتتابع في مرحلة تالية ويتضح مدى اختلاف الآراء والمصالح في توزيع ارباحها المالية السنوية فهناك عضو منهم يريد زيادة الأرباح الموزعة سنويا بأي حال لحاجته الملحة في صرفها لنفقاته والتزاماته الضخمة, ومنهم على النقيض من يريد تقليل الأرباح الموزعة وتدوير الأرباح المالية بغية زيادة الاستثمارات ونموها املا بذلك تراكم قوتها الرأسمالية مما ينعكس على وظيفته ومركزه القيادي فيها بالدرجة الأولى فضلا عن ذلك فقد نجد عضوا آخر يتدخل في شوؤنها الإدارية في كل الأحوال وفي كل شاردة وواردة فهو يريد تعيين جميع أفراد العائلة وتوظيفهم في الشركة دون اعتبار لقدراتهم او كفاءتهم المتوقعة في العمل بينما نجد من يرفض ذلك رفضا تاما طالبا بمراعاة النوعية وليس الكمية في الأداء مسببا بذلك كره وحقد وعداء اقاربه له والنيل منه في أقرب وقت ممكن, فكل فرد في الشركة العائلية عمل حول موقعه ومصلحته الشخصية ومن البديهي ان تلك الشخصية المتضمنة سوف تختلف عاجلا او آجلا في افعالها واستجاباتها وطبقا لمراحل الحياة التي يمرون بها او لمرئياتهم حول اوضاع الشركة المالية والتسويقية والإدارية, فتصبح الأوضاع غير مستقرة سرعان ما تزول عند أضعف عاصفة تعصف بها إلا من رحم فقد تبدأ الأزمات بسيطة على غير ذي بال ولكنها لا تلبث ان تشتد ضراوة لاحقا, فقد يقرر مثلا صاحب الشركة تسليمها لأكبر أبنائه الذي بدوره قد يصاهر أحد الموظفين لأمور مزاجية كيماوية فيتغير حالها قلبا وقالبا, فعند دخول عضو جديد نراه يسعى سعيا دؤوبا لتحقيق طموحاته وتثبيت وضعه حتى ولو كان على حساب مستقبل الشركة, وبذلك فإن الشركات العائلية تعتبر من اعجب بيئات العمل وأكثر اضرابا وتعرضا للمفاجآت نظرا لتداخل المصالح الشخصية وتضاربها وتعارضها وتعارضها فتنشأ وتظهر حالات سوء التفاهم والعناد حتى تصل الى اختلاس حقوق الآخرين والقصر, وللحيلولة دون تدهور اوضاع الشركة العائلية فينبغي ان تحدد بدقة دائرة كل شخصية فيها وصلاحيات عملها والمسؤوليات الملقاة على عاتقها فيعطى لكل الأفراد مناصب تتناسب مع قدراتهم العملية بالفعل وتتناغم مع احتياجاتهم وتطلعاتهم, فلا يوضع شخص في غير موقعه او يتوقع منه تصرفات تخرج عن حيز التنبؤات او يتصف بفقدان الشخصية وضعف الذات فتكون النتائج مخيبة للآمال, فليست أهداف اصحاب الشركات العائلية بخافية بصورة عامة, فهم يريدون بدون شك لشركاتهم تحقيق النجاح والربح بحيث ترفع مستوى دخولهم المالية, ويمكن بذلك ان نختصر امكانية تحسين اوضاعها في سبع نقاط قد تساعد في تطبيقها صاحب القرارات في الشركة في سيرها ومقابلة تقلباتها منها:
1 ان يتعامل مع كل أفراد العائلة بالحب واللباقة بعيدا عن التسلط كآمرا او ناهيا.
2 ينبغي ان يتعامل في نفس الوقت مع جميع الموظفين القريب والبعيد بالحزم وكرجل اعمال متزن عاقل.
3 ان يحفز الجاد المثابر بالعطايا وان يشعر كل الموظفين بأن عليهم ان يثبتوا جدارتهم للمحافظة على مناصبهم والترقي الى مناصب أعلى, وعليه ان يفصل المتسيب عن العمل ولو مؤقتا او تجميد ترقيته او يلقنه درسا لا ينساه ما بقي يتنفس الهواء بين ضلعيه.
4 ان يستعين بالمستشارين المتخصصين ذوي الكفاءات المهنية العالية (المحامين) في مرئياتهم للنهوض بالشركة من كبوة عابرة وليس بالضرورة ضم هؤلاء الى مجلس الشركة.
5 ان يصنع التغير بيده وبعقله لكل ظرف تمر به الشركة بطريقة مدروسة بعيدا عن العشوائية وارتجالية.
6 ان يستأصل اي اثر للعلاقات العائلية من تعاملات بيئة العمل, فلا يسمح ان تناقش المسائل العائلية فيحرص ان تتم مثل هذه التعاملات داخل نطاق الدفء العائلي في البيت وليس داخل بيئة العمل التي يجب ان تتصف وتتسم بالموضوعية التامة.
7 عليه الاعتناء بثقافة الشركة قدر الاعتناء بجودة منتجاتها, فلا يسمح بالشائعات ان تنتشر ولا للصراعات العائلية ان تتسلل الى بيئة العمل, بل المفترض ان يكون العكس تماما فزرع الولاء والشعور بالانتماء بين الموظفين باعطائهم نفس الحقوق في الواجبات والدعوات قد يدفعهم الى تقديم المزيد من التفاني والاخلاص للشركة.
|
|
|
|
|