| الثقافية
2
لا شيء يحملني على التفكير فيما هو خارج هذا البياض المدعم بالأزرة والنواشير السوداء ذات الأصوات الرتيبة، ولربما المترهلة على فراغها العاطفي الذي لم يودع لها سلاما الا في هذه الوظيفة الحدباء!
أراني، الآن، لست في سريري لست رأس خيارة تطل من بين كرتي خبز محمصتين حتى فرغتا من طعم الاحتراق! هل تراني مت قبل موعدي بعشرين يوما؟ ام ان طبيبي قد قبل اقتراحي البائت منذ عامين، بأن يعالجني بعقاقير الزكام وضربة الشمس معا لأن هذا هو تشخيصي الحقيقي؟ أم انني شفيت فجأة لما ارتعت من نفاد حياة خرطوم الأكسجين المتشبث بربع وجهي، بالأمس؟
من الصعب ان اعرف مكاني بين تلك الاحتمالات المكانية الكثيرة: المختبرات، الاشعات، المواعيد، الاجتماعات، الانعاش، المؤتمرات، الطوارىء، المؤجل، الاصلاحات الفنية، الجريدة، المذياع، الرؤوس التي ما زالت ترشح صورتي، وصوتي، وانفعالاتي داخل شبكات عظامها القاسية والناشفة,,؟!
من المؤكد انني ما زلت اطالع علبة المكياج النحاسية التي أودعتها لي امي قبل موتها باسبوع، حرصا على ان أثمن العناية بصورتي المنطبعة في أعين زوجات عمي الخبيرات بمدى بلوغي انصاف الأنوثة المنتظرة للقيام ببيت أحفادهن من ساسه الطيني حتى رموش الجريد المتهدل من أعلى، دون ان يحرص الا على ترك مسارب للشمس وللظلام، لن تسمح لي بخصوصيته انقلاب الزمن في بيتي الجديد والوحيد الخاص!
نحاسية إثمد، كحل مسحوق، ديرمة حارة، مشط خشبي، سكر ليموني، مجمد مع لمعة صفاء جميلة، مريحة، صرة ريحان احمر، وسدر، وحناء بحريني، وزيت زيتون، ونارجيل، وشمطري، ومسك، ودهن عود مخلط من عُمَان، بلاد أخوالي الذين ما زلت اذكر اسماءهم فقط.
خطأ امي الوحيد، انها لم تقدر جيدا، زمن استخدامي لتلك الثروة الجميلة فأخرته عن تاريخ موتي القادم سبعة اشهر لن استطيع حينها، الوفاء بالوعد والوصية! ولا ادري لم اشعر تجاه دكتوري بأني أيضا لن استطيع الوفاء بالتاريخ والوصية الوصية التي ربما تمنحه ترقية تسعده طويلا ان انا كشفت له عن سر من أسرار السرطان الخاصة جدا بالاجساد المميزة التي يختارها للسكنى والالتجاء لسبب بسيط ومعقول، وهو انني أخاف عليه من ان يسكنه هذا المرض بمجرد ان يحل/ يفهم بمساعدتي شفرة هامة من شفراته وهو للأسف لن يجيد التعامل معه ولن يكرم محضره لأن عاطفته كانت، منذ عقود، وحشيته تفكر ما عدا خمس ساعات كل يوم في تدميره وقتله ولانه لا يقتل المرض الا ويموت صاحبه الذي يسكنه فانه، سترا لخذلانه النفسي المتكدس على خوف غدد دماغه من اكتشاف هذه الجرائم العفوية، كان لابد له ان يتفق مع مليون طبيب/ دكتور مثله، حول العالم كله على ان هذا المرض خبيث ومن خبثه فانه يقتل صاحبه المسكون به دائما، ولابد متغافلا عن ان ملايين من هذا العالم تعلم يقينا ان لكل هذه الطوارىء المعتلة والمعلة للجسد دواء شافيا ما عدا هذا الذي ينسبونه للسرطان متهمينه به غير واعين انه السرطان فشل مثلهم في ايجاد عقار شاف منه.
ليت اخوالي في عُمَان يتذكرونني على مدى شهر واحد فقط ليرسلوا الي بعضا من اعشابهم الخضراء التي سأزين بها زجاجات الأجهزة المصابة بالبهاق، والتي ستساعدني في تحديد مكاني الحقيقي حينما تحجز صوري المنعكسة علىالزجاجات المربعة الكثيرة جدا، والتي ترهقني جدا في استخدام قواي فحينما احاول فتح عيني علي ان احاول فتح كل أعين النائمات على مرايا الأجهزة ان رضين هذا!
آه اعرف انني قد لا اجد الوقت المتسامح معي لأعنف حبة تراب واحدة، عليها ان توبخ عشيرتها الترابية على تخليها عن قوتها وصلابتها الحاجزة لمرور الأرواح، والتصاوير، والوساوس من اجل حضارة تدعيها في رقائق الزجاج، التي لم تتخل عن شعورها بالغيرة من صفاء الماء وتصاويره الشفافة رغم ما تعانيه دوما من اعاقات الكسور والتشلخ والانطماس.
|
|
|
|
|