| الثقافية
* الذين يخبرون فن الكتابة جيداً يدركون أنه لا فرق كبير بين القصة والرواية، ويمكن لك أن تقرأ قصة متميزة افضل من عشرات الروايات العادية كما أكد أيضاً الأستاذ إبراهيم أصلان ولكن بعض الزملاء من الكتّاب الذين لا يعون مثل هذه الحقائق ويعطون الرواية أكبر من حجمها الطبيعي، دائماً ما يخرجون علينا بتنظيرات مصنوعة مثل أعمالهم الكتابية الأدبية المصنوعة أو التي تبين فيها الصنعة أكثر من الابداع كما هو معروف عن أعمالهم، ومثل هذه التنظيرات دائماً ما تحاول وضع عمل أدبي مثل الرواية داخل أطر يخترعونها بأنفسهم ناسين أو متناسين أن أي عمل أدبي لا يقبل غير الحرية شرطاً لوجوده.
* كنت أظن أن سوء الفهم الذي يلاحق الرواية كعمل أدبي يقتصر على بعض القراء البعيدين عن عالم الكتابة، حتى وقفت على آراء لبعض الكتّاب يقررون فيها هكذا، أن على كابت الرواية أن يتغرب ويسافر إلى كثير من مدن العالم لكي يكتسب الخبرة والثقافة ويلتقط الصور التذكارية هناك ، ومن ثم يفكر في كتابة الرواية، لكي تكون رواية حقيقية وعظيمة وجميلة ومتميزة و,, عالمية!! ، والرأي الآخر الذي يفهم الكتابة الروائية خطأ ايضاً، يؤكد بحماسة ضخمة مثل حماسة صاحبنا الأول أن العالم العربي بحاجة الى رواية تمزج لاحظوا مفردة المزج ما بين عادات وتقاليد وهموم شعوب العالم العربي في بوتقة واحدة لاحظوا أيضاً بوتقة حتى لا تكون الرواية العربية قُطرية بل روواية شاملة وجامعة، وهذا الرأي او الفهم غير الواعي، يرى أن خصوصية كل قطر عربي في موروثاته الشعبية وفي عاداته وتقاليده تعتبر مشكلة في وجه الرواية العربية، وأننا بحاجة الى حلها عن طريق صهر اجتماعي لعاداتنا وتقاليدنا، وربما لا يدرك هذا الكاتب أن هذا التمايز أو الاختلاف في عادات وتقاليد وموروثات الشعوب العربية هو مصدر غنى وتنوع وثراء حقيقي للحياة العربية، بالتالي للرواية العربية التي تصدر من هذه المدينة أو القرية العربية أو تلك.
* وحول خصوصية الرواية العربية نسأل مثل هؤلاء الكتاب اصحاب التنظيرات الغريبة: كيف لنا أن نتحدث عن خصوصية هذه الرواية التي خرجت من هذه القرية الصغيرة ونحن نريد أن نظهر كل عاداتنا وتقاليدنا العربية ونجمعها في زجاجة واحدة!! وكيف لهذا الكاتب أن يتحدث عن هذه الخصوية وهو يعتبر ان تنوع الحياة والعادات والتقاليد في العالم العربي اشكالية عربية يجب حلها؟! ثم ماذا تعني خصوصية النص الروائي لناقد صحفي يريد من المؤلف ان يتنقل من عاصمة الى اخرى مثل السندباد، اعتقد أن مثل هذه الآراء او هذه المفاهيم الأدبية متصنعة أو قل انها ساذجة ومظللة، فحتى الآن لم ينجح من الأعمال الروائية العالمية والعربية سوى تلك الأعمال التي غاصت بعمق في تراب ارضها وفي ادق تفاصيله وخصوصياته واستوعبت كل مظاهر الحياة فيه بعيداً عن اشكاليات متوهمة مثل قُطرية الرواية أو صهر العادات أو المؤلف السندباد,, الى آخره.
* مثلاً عندما تقرأ رواية متميزة من احدى قرى امريكا اللاتينية فإنك سوف تجد فضاءات ومفردات وعوالم واغنيات وموسيقى خاصة وعادات وتقاليد اجتماعية لا تجدها في اي عمل روائي آخر مكتوب من داخل امريكا اللاتينية نفسها، بل ان بعض المفردات الشعبية لها معان خاصة بهذه القرية تكاد أن تكون رموزاً شعبية لهذه القرية التي تعاقبت على بيوتها وطرقاتها واركانها الاجيال، اذ تصادف في مثل هذه العوالم الروائية التي تشم رائحة خصوصيتها او لنقل بيئتها كل ماهو شعبي وغنائي واسطوري وغرائبي وسحري وشاعري فتصبح كل المسافات هدفاً تركض اليه خصوصية هذا المجتمع الذي يتعرى من ثيابه فيصبح امامنا بكل سلبياته وايجابياته التي تميزه عن جيرانه الاقربين ليشكله شهادة تاريخية تظل مثل صخرة تشهد لهذا المجتمع بخصوصيته وتفرد يصعب على الزمن صهرها او محو ندوبها.
* ان مثل هذه المفاهيم الخاطئة التي تواجه العمل الأدبي ككل، تحاول دون وعي ذبح حرية الاديب، والمشكلة انهم يرون في تنظيراتهم هذه افكاراً عظيمة وجميلة وذات فائدة بينما هم في الحقيقة يؤطرون للكتابة الأدبية بالذات في مجال الرواية ، أي انهم يضعون لها قيوداً يفترض ان لا تخرج عنها، ومن هذه القيود التي تدعو لبعض الضحك، أن يأخذ الأديب الراغب في كتابة رواية دورة لزيارة بعض مدن العالم والتعرف على حياتها وكأنه مقبل على اختبار درجات، وليس على ابداع دبي مفتوح ومتسع تقود بساطة الرؤية الى العمق الحقيقي للصور الأدبية، وليس الرؤية المتكلفة او المتصنعة او المظهرية التي لا تقدم سوى مفاهيم مشكوك في صدقها واعمال ادبية يطغى عليها طابع التكلف والصناعة وليس الابداع الادبي العفوي والمؤثر ببسطاته وعمقه ورقيه, العمل الادبي فن لا يحتمل مثل هذه التنظيرات المحافظة والرسمية والرواية بالذات كعمل أدبي ابسط من مثل هذه المفاهيم الصعبة والمعقدة واوسع من خيالاتهم تجاهها واعمق من هذه الرؤية التأطيرية لافق الواقع والفن الواسع.
البقية الأسبوع القادم .
|
|
|
|
|