| مقـالات
قال ابن القيم الجوزية: (ومن الحكم بالفراسة والامارات ما رواه محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال خاصم غلام من الأنصار أمه) إلى قوله : (فلقيه علي رضي الله عنه فسأل عن أمرهم فدعاهم فقعد في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وسأل المرأة فجحدت.
فقال الغلام: إنها أمي،
قال : اجحدها، وأنا أبوك والحسن والحسين أخواك،
قال: قد جحدتها وأنكرتها.
فقال علي لأولياء المرأة: أمري في هذه المرأة جائز؟
قالوا: نعم وفينا أيضا،
فقال علي أشهد من حضر أني قد زوجت هذا الغلام من هذه المرأة الغريبة.
ياقنبر إئتني بطيئة فيها دراهم فأتاه بها فعد أربعمائة وثمانين درهما فقذفها مهرا لها.
وقال للغلام: خذ بيد امرأتك, ولا تأتينا إلا وعليك أثر العرس.
فلما ولى
قالت المرأة : يا أبا الحسن الله الله هو النار والله ابني،
قال: كيف ذاك.
قالت: (إن أباه كان زنجيا وان إخوتي زوجوني منه فحملت بهذا الغلام، وخرج الرجل غازيا فقُتل، وبعثت بهذا إلى حي بني فلان فنشأ فيهم وأنفت أن يكون ابني) (1) .
وأورد كذلك قال: ومن قضايا علي رضي الله عنه انه أوتي برجل وُجد في خربة (2) بيده سكين متلطخ بدم وبين يديه قتيل يتشحط في دمه.
فسأله,.
فقال أنا قتلته.
قال: اذهبوا به فاقتلوه.
فلما ذهبوا به أقبل رجل مسرعا فقال يا قوم: لا تعجلوا ردوه إلى علي فردوه.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه أنا قتلته.
فقال علي للأول: ما حملك على ان قلت أنا قتلته ولم تقتله.
قال : يا أمير المؤمنين وما أستطيع ان أصنع وقد وقف العسس على الرجل يتشحط في دمه وأنا واقف وفي يدي سكين وفيها أثر الدم.
وقد أخذت في خربة فخفت ان لا يُقبل مني وان يكون قسامة (3) فاعترفت بما لم أصنع واحتسبت نفسي عند الله.
فقال: بئس ما صنعت فكيف كان: حديثك.
قال: إني رجل قصاب خرجت إلى حانوتي في الفلس (4) فذبحت بقرة وسلختها فبينما أنا اصلحها والسكين في يدي أخذني البول فأتيت خربة كانت بقربي فدخلتها فقضيت حاجتي وعدت أريد حانوتي فإذا بهذا المقتول يتشحط في دمه فراعني أمره فوقفت انظر إليه والسكين في يدي فلم أشعر إلا بأصحابك قد وقفوا عليّ فأخذوني فقال الناس هذا قتل هذا ما له قاتل سواه فأيقنت انك لا تترك قولهم لقولي فاعترفت بما لم أجنه.
فقال علي للمقر الثاني فأنت كيف كانت قصتك؟
فقال الأعرابي (افلس) فقتلت الرجل طمعاً في ماله، ثم سمعت حس العسس فاستترت فخرجت من الخربة واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصفت فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس فأخذوه وأتوك به.
فلما أمرت بقتله علمت أني أبوء بدمه أيضا فاعترفت بالحق,, إلخ) (6) .
ويقرر على عامة النصوص فهو يقول: (وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم من بعده: العلامات في الأحكام وجعلوها مبينة لها كما اعتبر العلامات في: اللقطة وجعل صفة الواصف لها آية وعلامة على صدقه وأنهاله، وقال لجابر خذ من وكيلي وسقاً فإن التمس منك آية فضع يدك على ترقوته فنزَّل هذه العلامة منزلة البينة التي تشهد انه اذن له ان يدفع له ذلك كما نزل الصفة منزلة البينة بل هذا نفسه بينة إذ البينة ما يُبين الحق من قول وفعل ووصف، وجعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم الحبل علامة وآية على الزنا فحدوا به المرأة وان لم تقر ولم يشهد عليها أربعة,, بل جعلوا الحبل أصدق من الشهادة) (7) .
قلت هذا حق لا مرية فيه لكن هنا أمور أبينها كما يلي حسب علمي:
أولاً : كون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم اعتبروا العلامات في الأحكام وجعلوها بينة لم أجد من خالف في هذا بل إذا لم يستغل الإنسان ولم تكره المرأة ولم يجهل المرء حقيقة ما قام به وقامت البينات على ذلك فالعلامات بينة دالة على حصول ما حصل مما يترتب عليه حكم شرعي.
ثانياً: هناك فرق بين : علامة وعلامة وموجب هذا بيان حقيقة العلامات ما بين صادقة وكاذبة.
فمثلاً هناك: الحمل الكاذب.
وهناك تشابه قوي في أحوال: الربا وهناك تشابه بين القتل العمد وشبه العمد، وقس عليه.
كما أن هناك ما يتعلق بذات الشخص وما قد يكون مصابا به حقيقة واقعة مثل المرض النفسي خاصة:
1 الانفصام في درجته الأخيرة.
2 البارونيا.
3 الاكتئاب المزمن (الحاد).
4 الفكر التسلطي + الوسواس القهري.
والأخيران ثبت لديّ أنهما يجران صاحبهما وقد ينفرد مريض بواحد منهما يجران صاحبها إلى أنه:
مُطارد.
أو محسود.
أو مهضوم الحق.
أو أن هناك من يتآمر عليه لقتله أو سد الطريق أمامه حسب صور يتصورها وقد يبني عليها (بظنونه هو) حقائق وماديات من خياله السراب.
فمثل هذا لا يرد الحكم، ومثله لاينقض القصاص، أو التعزير، أو الحد لكنه يحسن نظره على أنه: علة واقعة تدفع بطول النظر على انه حالة مرضية مروعة ثبتت آثارها واتضحت نتائجها.
ومع أن الأصل: سلامة الإنسان أي (عقله) إلا انه لا مندوحة من ان ننظر هذا بعين الاعبتار على كل حال.
وأورد في ذات ص98-99 ما سطره قال: (وجعلوا رائحة الخمر وقيئه لها آية وعلامة على شربها بمنزلة الإقرار والشاهدين) وهذا صواب ما لم يكره على شرب الخمر لقصد الإضرار به أو يغرر به.
ويقرر ابن قيم الجوزية في ص100-101 ان (القسم الثاني من الدعاوى دعاوى التهم وهي دعوى الجناية والأفعال المحرمة كدعوى القتل وقطع الطريق والسرقة والقذف والعدوان فهذا ينقسم المدعى عليه فيه إلى ثلاثة أقسام فإن المتهم:
1 إما ان يكون بريئا ليس من أهل تلك التهمة.
2 أو فاجرا من أهلها.
3 أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم حاله فإن كان بريئا لم يجز عقوبته اتفاقا واختلفوا في عقوبة المتهم له على قولين أصحهما يُعاقب صيانة لتلسط أهل الشر والعدوان على أعراض البراءة).
قلت لم يفصل ابن قيم الجوزية في القولين ولا كيف كان أصح: (معاقبة المتهم)
قلت لعل الصواب عدم معاقبته لعدم ثبوت ما يدان به وكونه من أهل التهم لا يجيز هذا مؤاخذته على مجرد التهمة ولا يجوز معاقبته من أجل صيانة الحق ورداً لأهل التسلط والعدوان.
فالمتهم أصل حاله البراءة فلم يؤاخذ بمجرد تهمة لم يقم عليها دليل صحيح صريح.
ولم أجد دليلا صحيحا حسب علمي لصحة ما ذهب إليه ابن قيم الجوزية من أن أصح القولين هو:
معاقبة المتهم فقط ولو لم ينهض ناهض يوجب معاقبته، واستصحاب البراءة موجب قوي لعدم معاقبته.
ويبين بعد ذلك ليقول: (القسم الثاني ان يكون المتهم مجهول الحال لا يعرف ببر ولا فجور فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام والمنصوص عليه عند أكثر الأئمة)
قلت مجهول الحال وهومن لم يتبين حاله من خير ولا شر ووقعت عليه تهمة لم يعضدها عاضد فكما قال ابن القيم الجوزية فإنه يُحبس دون إضرار به حتى يتبين امره له او عليه لكن قوله رحمه الله عند عامة علماء الإسلام لم أجده كذلك فإن مجهول الحال قد يكون: مُدّعى عليه برئيا, وقد يكون في حالة اشتباه بين حال وحال وصفة وصفة، وقد يكون مغرراً به, وقد يكون مسعياً عليه بشر وحبس النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود وأحمد عن طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده انه صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة تكلم العلماء في (بهز بن حكيم) وهل روايته صحيحة أو فيها نظر حتى وان صححها ورضيها ابن قيم الجوزية على قول علي بن المديني (8) فإن هناك من تكلم في روايته، وما ذكره كما في ص101 كما هو عند الإمام الخلال في (جامعه) ان النبي صلى الله عليه وسلم (حبس يوماً وليلة في تهمة) لم أقف على صحته حسب نظري.
ومجمل ما يمكن نظره في حال المجهول الحال انه يحبس وهو بين أمرين:
الأول: إن كان بريئا يرد اعتباره.
الثاني: إن كان صاحب جناية فيؤاخذ بها.
لكن حبسه حسب مقتضى الاجتهاد، وملابسات الجناية تحديدا لصاحبها أو أصحابها وما يحوم حولها من قريب أو بعيد، ثم هو في ص103-104-105 يبين حال الثالث فيذكر: (أن يكون المتهم معروفا بالفجور كالسرقة وقطع الطريق والقتل ونحو ذلك، فإن جاز حبس المجهول فحبس هذا: أولى)
قلت: هذا وجيه لأن القرينة موجبة لحبس المعروف بالفجور حتى تتبين حاله فقد يكون بريئا وان كان فاجرا فلا ينسحب جرمه السابق على مجرد تهمة هو منها براء لكنه بحبس حتى تتضح حاله.
وابن قيم الجوزية يورد ما يرود على أساس البيانات والعلامات الدالة على حصول شيء ما وما يورده فيه من القوة والجودة بقدر ما فيه من حسن النظر والتعليل وان كان ينقصه رحمه الله تعالى في بعض المواطن صحة النص لكن جهده أنه من أئمة هذا الدين الجليل الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، وجلَّ من لا يخطئ ولا يسهو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وهناك عبارات جدّ عالية القيمة يصلح مثلها أن يخلد لعموم نفعها وغزارة فائدتها لكل ذي نظر يحتاج مقامه مثلها جاء في ص105 قال: (والمعاصي ثلاثة أنواع:
1 فيه حد ولا كفارة فيه كالزنا والسرقة وشرب الخمر والقذف، وهذا يكفي فيه: الحد عن الحبس والتعزير.
2 ونوع فيه كفارة ولا حد فيه كالجماع في الإحرام ونهار رمضان ووطء المظاهر منها قبل التكفير فهذا يكفي فيه الكفارة عن: الحد.
3 ونوع لا كفارة فيه ولا حد كسرقة ما لا قطع فيه).
ثم هو يبين ما يبين من درر سالمة من المعارض يحتاجها الناظرون من ذوي البحث والاستخلاص في حين بعد حين .
الطنين
من طنين الأذن
يوحي ,, نداءُ ,, القوافل
بسبق ,, جازم,.
يشق: ريع الجبال.
بصوت: مريع.
تهدأ ظنون الخطل.
تسرح همج الرعاع.
تتساقط لفحات حر النهار.
يبوح ,, الحق,, بصوت مهيب.
تهدأ الأذنُ.
يزول الطنين.
الحواشي:
(1) أنفت بكسر النون وسكون الفاء كرهت .
(2) دار قديمة متهدمة.
(3) القسامة: اسم القسم أُقيم مقام المصدر كقولك: أقسم إقساماً.
وهي في الشرع: إيمان مكررة في دعوى قتل معصوم الدم.
(4) الفلس: ظلمة أول الليل وظلمة نهاية الليل وهو: ما يكون من اختلاط ليل بنهار بحيث يتبين المرء طريقه قليلا.
(5) الفلس: هو الفقر مع القدرة على العمل.
(6) ص56-57-58.
(7) ص98-99.
(8) ابن المديني إمام كبير من أئمة أهل السنّة في الرجال والجرح والتعديل ترجم له كثيرون وهو شيخ : البخاري المباشر.
|
|
|
|
|