أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 13th September,2000العدد:10212الطبعةالاولـيالاربعاء 15 ,جمادى الثانية 1421

محليــات

لما هو آت
بالبصيرة لا البصر
د ,خيرية إبراهيم السقاف
,,, هذا الشامخ فوق ذرى الملموس,.
يصنع الفرح,, ويبذر الضوء كأني به يحوِّل جمود العين بين الجفنين إلى شلال رؤية بصيرية,, يندب لها كافة حواسه، ما عُرف منها وما لم يُعرف,.
تأتيه جنود السلام مع نفسه، وتنصب له مظلات التفيؤ بعيداً عن لظى البصر وهو يكتوي بلهيب الرؤية!! في انبساطها على مدى المجال!
هذا الكفيف يحمد الله أن أنعم عليه بفقد البصر!
ذلك لأنه حصَّنه دون أن يرى ما يراه الناس!!
ولأنه يرى ببصيرته، فإن شيئاً من آلاء الله تعالى لا تفوته رؤيتها أبداً,.
فتطمئن خفاياه، وتستكين نفسه،
,,, تلك العجوز حملها أبناؤها تذُّمراً كي يتخلصوا منها,.
تركوها عند منحنى فوق جبل الهدا الشامخ وحيدة تعاني قهر الفجيعة فيهم، وقهر الوحشة، والخوف,, وقهر الضعف,.
صاحت.
أثارت شجن المارين
ولم تثر شجن من تغذوا من دمها، واستكانوا في أحشائها، وآوتهم في حجرها، وحملتهم بين يديها,, وأذابت ضوء بصرها بكاء لآهاتهم،
وفرشت ابتساماتها بساطاً لأفراحهم,, حتى استقاموا ناهضين فرموها,.
,,, هذا الكفيف يحمد الله على نعمة فقد البصر,.
فقد حمته عن رؤية هذه العجوز وهي تنوء بحمل الفجيعة,.
مكلومة في أبنائها,.
,,, ذلك الأب الذي حرمه أولاده لذة الإحساس بثماره,.
فحجروا عليه,, وسلبوا أمواله,, وعقروه,, ونعتوه بالعته,, فخرج لا يلوي على شيء,.
تفقَّده أصدقاؤه,, ولم يتفقَّده أبناؤه,.
و,,, البحث عنه لا يزال قائماً,.
,,, هذا الكفيف يحمد الله على نعمة فقد البصر,.
فقد عفته عن رؤية هذا الأب يجوب الشوارع وحيداً فقيراً هارباً من جَور أولاده,.
,,, هذا العامل في محطَّة وقود يولِّي هارباً,, خائفاً من السارقين,, يقتحمون المحطة,.
يسترقون ما فيها,, في وضح النهار,.
وتحت سطوة السلاح,.
ولم تُنهض فيهم سطوة الضمير,.
ولم تبصر بصيرتهم وجود الله ناظراً مطلعاً عالماً,, يراهم ولا يرونه,.
,,, هذا الكفيف يحمد الله على نعمة فقد البصر,.
فقد حجبت عنه رؤية القوة في ضعفها,,، وضعف القوي في انكشافه,.
,,, ذلك الشاب الهارب من همومه,,، الخارج عن سياج وعيه، المتخلي عن أطر إيمانه يقتحم على موظف مكتبه، ينتهك حرمة موقعه,, يشهر عليه السلاح,, يطلق عليه النار,, يتعمد أذاه,, يعلن إصراره,, يكشف عن ظلمته الداخلية,, يفضح عن مروقه الانضباطي,.
,,, هذا الكفيف يحمد الله على نعمة فقد البصر,.
فقد منعته عن رؤية هذا المارق في ضوء النهار,,,، المنتهك أسيجة العفو,, والتأني,,والنقاء,.
,,, ومجال البصر,, مليء بما يخدش، بما يدمي,,، بما يؤلم,, بما يحرك أوتار الشجن,, ويدر الدموع,, ويطلق زفرات الحسرة,, وينوح على الفضائل والنور والحق والخير والسلام,, بين الواحد والآخر,, وبين الواحد ونفسه,.
إذ تعالى الخصام بينهما,.
ولم تنصب الموازين,.
ولم يترافع القضاة,.
في الشأن الإنساني بعد,.
,, ولكن:
هل يكفي هذا الكفيف أن عينيه اللتين قد ألجمتا الرؤية عنه,, أن تلجما تيار البصيرة عن رؤية أشمل وأكثر إحساساً وأعمق تفاعلاً؟!
تلك هي معضلة الفرق بين البصر والبصيرة
وعلى وجه الخصوص في الزمن القائم
وبين أبنائه الماثلين فوق مسرح الحياة.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved