| الثقافية
* القاهرة مكتب الجزيرة شريف صالح
رضوان القضماني أحد النقاد البارزين في سوريا نظرا لتعدد اهتماماته ما بين اللسانيات ونظرية الأدب والعمل الصحفي والترجمة، بالاضافة الى عمله الأساسي كأستاذ جامعي في جامعة البعث بمدينة حمص، ومن مؤلفاته: وقفات في علم اللسان صدر في بيروت عام 1984م وأيضا مدخل الى اللسانيات، ونظرية الأدب وغير ذلك من المؤلفات.
التقينا به في زيارة علمية الى القاهرة فكانت فرصة طيبة لنسأله عن حركة الابداع في سوريا وعلاقة الأجيال الأدبية ببعضها البعض،حيث تظل خريطة هذا الابداع غائمة رغم شهرة بعض الأسماء:
* إذا حاولنا أن نرسم خريطة للأجيال الأدبية في سوريا,, كيف ترى أهم ملامح هذه الخريطة؟
من الجيل الرائد والكلاسيكي سنجد الشاعر عمر أبوريشة والروائي حنا مينا الذي يصنفه البعض في خانة الواقعية، ولكنه ركب على الواقعية تركيبا واعتبره كاتبا رومانسيا، اذ لو قرأت أية رواية له تشعر أنك أمام جو رومانسي، فمثلا روايته الشراع والعاصفة وهي من أوائل رواياته نجد أن البطل بحار يرسو في اللاذقية وفي أكثر من مدينة ويمثل نموذجا للشخص الرومانسي.
أما الواقعية فنجدها لدى كتاب آخرين مثل عبدالسلام العجيلي وهاني الراهب ونبيل سليمان وحيدر حيدر وغيرهم, اذا عدنا الى مسألة التحقيب والأجيال بدقة سنجد في الخمسينيات مطاع الصفدي وشكيب أرسلان وفي الستينيات حنا مينا وعبدالسلام العجيلي ومن جيل السبعينيات يبرز حيدر حيدر ونبيل سليمان وفواز حداد وغيرهم, أما جيل الثمانينيات وما بعدها فهناك أسماء فيصل خرتش وممدوح عزام وابراهيم صمويل وأحمد عمر وأسماء أخرى كثيرة.
في القصة القصيرة يبرز من جيل الستينيات الكاتب الكبير زكريا تامر وسعيد حورانية ومن السبعينيات حيدر حيدر وخيري الذهبي ومن الشباب نجم الدين السمان مثلا,, بالنسبة للشعر نجد أن الجيل الكلاسيكي تتلمذ على التراث وعلى مدارس ما زالت قائمة في الوطن العربي سواء في مصر أو سوريا أو المهجر، وكان جيل الستينيات استمرارا لمدرسة الشعر الحر التي تأسست في العراق على يد السياب ونازك الملائكة، وان كانوا في مصر يصرون أن يقولوا إن شعراء هذا الجيل تتلمذوا على يد صلاح عبدالصبور، وفي هذا شيء من التعسف، كأن كل شيء لا يبدأ إلا في مصر ولا ينتهي إلا فيها!!.
جيل بلا أساتذة
* هناك مقولة متبادلة سواء في مصر أو سوريا وربما في بلاد عربية أخرى، تصف جيل السبعينيات بأنه جيل بلا أساتذة !!
إذا رجعت الى أي شاعر سبعيني سيقول لك بأنه لم يتتلمذ على علي الجندي أو علي كنعان أو غيرهما، فجيل السبعينيات عزف عن التتلمذ على يد من سبقوه، خاصة عقب النكسة وتداعيات حلول السلام في كامب ديفيد ومدريد وأوسلو,, فهو جيل مكسور في الأساس ويمكن القول بأنه تتلمذ على انكساراته، ومن هنا نلحظ استغراق هذا الجيل في الذاتية والرؤية الخاصة,, ليس معنى هذا أن جيل الستينيات كان بلا رؤية، لكنها رؤية ترتبط بالواقع على نحو ما مثلما نجد عن شعراء هذا الجيل: مصطفى خضر وعلي كنعان ومروان خاطر وممدوح عدوان، رؤية تقوم على أساس معرفي أما رؤية جيل السبعينيات فترتبط فحسب بانكساراته,, ولاشك أن هناك فرقا جوهريا بين جيل تربى على أن فلسطين ستتحرر بكاملها وأن القدس ستعود الينا، وبين جيل آخر تربى على أن القدس لن تعود كاملة وربما تضيع منا الجولان أيضا.
هناك فرق بين جيل كان عندما يعلم أن طائرة روجرز نائب الرئيس الأمريكي ستعبر في سماء دمشق كانت المظاهرات تقوم ولا تقعد,, بخلاف جيل مهيأ لأن يستقبل باراك أو يذهب إليه,, شتان بين ما كنا نحلم به ونتوقعه وبين انكسار الأحلام والرغبة في عدم التتلمذ على أحد.
* هل يعني هذا أن نكسة يونيو وتبعاتها أدت الى ابتعاد الأدب السوري عن البعد القومي؟
اسمح لي أن أحرف سؤالك قليلا، فبدلا من أن أربط الأدب بالحس القومي، أربطه بالأيدلوجيا,, فالحس القومي كان ينبع من أيدلوجيات متعددة وكلها ترتبط بالوطن مع اختلافها.
لكن مع تطور النظرية الأدبية تطور الخطاب الأدبي ولم يعد مرتبطا بالأيدلوجيا كما كان في الستينيات, وما أكثر الكتب النقدية التي ناقشت علاقة الأدب بالأيدلوجيا ففي سوريا مثلا نجد دراسات لنبيل سليمان وبوعلي ياسين، وفي مصر نجد دراسات لعبد المنعم تليمة وآخرين, هذه العلاقة كانت ترى أن المكون الفكري في الأدب هو المكون الأهم الذي يطغى على المكون المرجعي والمكون الفني الجمالي, الآن عندما يضع المؤلف المكون الفكري الأيدلوجي في المقام الأول لن نقرأ روايته وسنعتبرها متخلفة.
مكونات الأدب
* هذا يعني أن مكونات الأدب اختلفت من جيل إلى جيل؟
حاليا هناك إعلاء للمكون الجمالي والفني، لكن لا يمكن أن يقوم الأدب على مكون جمالي بحت بل يجب أن يتوافق مع المكون المرجعي المرتبط بالواقع، ومع المكون الفكري الذي لا يمكن التخلي عنه، مع الأخذ في الاعتبار أن الأديب لا يكتب كتابا في التاريخ أو الفلسفة وإنما يكتب أدبا وهذا نلحظه في أعمال هاني الراهب الأولى وروايته الأخيرة رسمت خطا في الرمال ,, لقد تجاوز هؤلاء الكتاب الى مرحلة تعنى بالجمالي، فالوعي الأدبي في نظرته الى الابداع قد تغير كثيرا، فقد نلمس حسا قوميا في النص الأدبي لكن ليس على نحو مباشر بل صار أكثر جمالية، وصار الكاتب لا يبحث عن ذاته في العالم بقدر ما يحاول أن يبصر العالم من خلال ذاته.
* يلاحظ أيضا، بجانب تطور نظرية الأدب ومكوناته، أن الأجيال الحديثة والحالية تعيش قطيعة شبه كاملة مع من سبق؟
هناك شعراء يقرون بالتأثر، فمثلا مروان الخاطر من شعراء السبعينيات يقر بأنه تتلمذ على يد السياب وأنه تأثر بنزار قباني، فهذا شاعر يعترف لكن قد يتأثر الآخرون دون أن يقروا بالتأثر,, ونرى لدى شعراء اليوم رفضا لممدوح عدوان مثلا,, وكلمة رفض ليست دقيقة، ويمكن أن نقول عدم اعتراف بالتأثر، هناك من الشعراء الشباب جمال كمال وعلاء الدين عبدالمولى الذي يمتلك صوتا منفردا ويرى أن الأجيال السابقة ارتبطت بمراحل وانتهت، ومن هنا يرفضون قصيدة الرواد، فينشأ الصراع من خلال التمرد ومحاولة تحقيق صوت خاص، وهذا أمر صحي يرتبط بحياة الابداع حيث نجد أن هناك أجيالا يمكن أن تتعايش لكنها لا يمكن ان تتهادن, والوطن العربي كله يعيش مثل هذا الصراع.
|
|
|
|
|