أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 13th September,2000العدد:10212الطبعةالاولـيالاربعاء 15 ,جمادى الثانية 1421

مقـالات

قوانين التَّماس بين السياسة والإعلام (1/8)
د, حسن بن فهد الهويمل
لامراء في أن إعلامنا العربي بحاجة ماسة الى التحرف الجاد، ليكون في مستوى الطفرة الاعلامية العالمية، فهو محتاج الى راصد واع ومصور جريء ينغمسان في أتون الحدث المصيري، يبادران ويصدقان، وهو في كل تحرفاته وإمكانياته وإنفاقه الباذخ متلق من الآخر غير الحيادي، وجُل ما يصله من أخبار وتقارير وصور يعد تسخينا لما غب من الطبيخ, غير أننا ونحن نستحثه على الاستقلالية والمبادرة والمباشرة، لا نريد منه أن يكون بهلوانيا لإثارة الانتباه، ولا استفزازيا لشد المتلقي، ولا فضائحيا يهتك الأعراض ولا مداحا يقطع الأعناق، نود منه أن يقدم مادة مفيدة، تصنع الذهنية، وتثري المعرفة، وتصحح المفاهيم، وتشكل الوعي السليم، ثم لا يكون بعد ذلك خائفا يترقب، بحيث يصرفنا الى اعلام معادٍ لا يرعى فينا إلاً ولا ذمة، ويشدنا الى قنوات تزيف الوعي، وتفسد الأخلاق، وتوقظ الفتن, واذ يكون العصر في أشد حالات التحدي والأدلجة، واذ تكون السياسة في الدين والدين في السياسة، واذ يكون الاعلام والسياسة والدين كالحلقة المفرغة، تكون مهمة القائمين عليه من أعقد المهمات، فهي بقدر مهمة السياسي والعالم الشرعي خطيرة وحساسة ومصيرية، ومع هذا الاشفاق والتطلع فان الاعلام بكل فروعه لا يفقد بين الحين والآخر من يتقن أسلوب التغيير، ويحاول التفلت من اسار النمطية والتناظر، اذ له بعض المبادرات المبهجة، ولكنها قد لا تكون بالضرورة الى الأفضل، والتحرف للكسب وشد الانتباه لابد أن يكونا بضوابطهما وقيمهما، فليس التحرف محمدة على اطلاقه.
ومما يؤذي المشاعر في سياق التحرف للتغيير ما يعمد اليه بعض القادرين من الأثرياء أو الدول من تمويل سخي لإذاعة أو مطبوعة أو قناة فضائية لا تملك غير تهييج الغرائز وتحفيز المشاعر وإيقاظ الفتن وتزييف الوعي، ثم لا يكون وراء ذلك الا الوقيعة والافساد والحرب الباردة لها عقابيل الحرب الساخنة، وهي مشروعة متى كانت في سبيل الدفاع عن المثمنات السياسية أو الدينية أو الأخلاقية أو كانت لاصلاح ذات البين وإطفاء الفتنة ورأب الصدع وتوعية الأمة من مكائد أعدائها وتنوير رؤيتها، وذلك ما لا نسمعه وما لا نراه الا في الأقل النادر وتناولنا لهذا الموضوع الحساس لن يكون انفعالا ولا رد فلع، ولا مجاراة في خلق دنيء، انه رؤية متساوقة مع رؤى متعددة، تؤمن بتكافؤ الفرص الاعلامية، وتود من الوسائل الاعلامية كافة أن تكون رداء: تشد العضد، وتظاهر المخلصين تحمي الساقة وترود في المقدمة, وتلافيا لتعويم الكلام نضرب المثل بقناة الجزيرة فهي واحدة من هذه المستجدات التوارثية غير السديدة، لقد خلفت أساليب اعلامية عفا عليها الزمن، واستقطبت فلول خطابات حماسية فارغة، وهي بهذا الترميم لا تتخطى لعبة الاثارة والاستقطاب والعبث في المناطق الحساسة دون تأسيس راشد لصيغة سياسية معينة، بحيث تسهم في تشكيل وعي جماهيري يواجه المكائد ويجبر الانكسارات بروح حذرة متفائلة، كما أنها لا تحاول تلافي ما ينقص الأنظمة القائمة، وبخاصة دول الخليج بوصفها وحدة سياسية متجانسة، ولما توفر من خلال العديد من برامجها الاستفزازية رؤية حضارية ذات جذور ومرجعية ورؤية فكرية أصيلة, ولهذا تراها أبدا تبحث في بؤر التوتر ومناطق الاثارة: كقضايا المعارضة، والطائفية، والتطرف، والغلو، والارهاب، والقبلية، والأفكار المنحرفة، وحريات الفوضى غير المنضبطة، وذيول حرب الخليج، وتداول الحكم بين الوراثة والانتخاب والثورة والتحايل الدستوري, ويصاحب ذلك غفلة متعمدة عما يهم الأمة, حتى ان العاقل ليحار في معرفة المنتفع الحقيقي من بعض جدلياتها، وتحقيقا لتلك الرغبات الفضائحية المشبوهة تستميت في اقتناص المزعجين والمتنافرين والناقمين والفاشلين والحاقدين المؤمنين بمبدأ اذا مت ظمآنا فلا نزل القطر ، وقد رأيت وسمعت من المنكوبين المتبلسمين بدفء الخليج من لا يسأل الخلاص بل يود امتداد النكبة، وكأن اليأس قد قطع عليه سبيل الرجاء فظل يائسا من رحمة الله, والقناة الضجة تجد ضالتها في هذه النوعيات بحيث توجه حواراتها معهم ومع الآخرين ممن يودون افساد ذات البين الى ما يشبه التمثيل البهلواني المتدني متعمدة زرع الشك المدمر، مجتهدة في السعي للوقيعة، متسعة للشيء ونقيضه: عقديا أو فكريا أو سياسيا، وتلك لعبة خطيرة وحساسة والدخول في مثلها يتطلب الحيطة والحذر ودقة التقدير لأنه دخول يشبه العمل في الألغام أو التركيبات السامة، ثم انها مع ذلك لا تتوخى التنوع في الآراء ولا العدل في الانتقاء، اذ لا مشاحة متى كان الاختلاف في اطار التنوع المشروع، وكل مؤسسة اعلامية انشئت لغرض دنيء تنكشف لعبتها على حد وان خالها تخفى على الناس تعلم , لقد شهد المتابعون للعديد من ضيوفها من يبلغ حد السفه في مناكفته وتجنيه وافترائه على الحكومات بأعيانها والأنظمة والمنظمات بذواتها والشخصيات بأسمائها، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يعرف المذنبين يقول: مالي أرى أقواماً يعملون كذا أو كما قال, ومثل هذه المواجهة غير السوية تحول البرامج الى معلقات هجائية والمقدمين والمشاركين الى حطيئيين لا يلجمهم الا حاكم عمري يشتري أعراض المسلمين، والمقدم لكي يُفقد الضيف احتشامه يحاصره بالمفتريات، حتى اننا نجد من يربأ بنفسه فيبارح المائدة مغاضبا، ونجد من يتحدث في أمور لا يتقنها ولا يحسن الحديث عنها.
ولأن تلك القناة حاطب ليل فإنها تفقد المصداقية والحيادية، وتغفل عما يمس الممول الذي أراد لنفسه الحضور من خلالها، وهي بتجنيها ومقترفاتها شكلت نشزا في سياق الاعلام العربي، الأمر الذي حمل ثلاث دول عربية على استدعاء سفرائها من الدوحة تعبيرا عن الاستياء والاحتجاج، وهي: تونس وليبيا والمغرب, وآخرون متأذون، ولكنهم يكظمون غيظهم لتتمكن القناة من اكتشاف ذاتها، أو هم كالقائل:


ولقد أمر على اللئيم يسبني
فمضيت ثمت قلت: لا يعنيني

والأدهى والأمر أنها حين تستضيف اسلاميا على سبيل المثال تجعل قوله وآراءه تعبيرا عن الاسلام، وتحسب رؤيته عين الرؤية الاسلامية، وكأن ما يقوله حكم الله، وقد تستدرجه من حيث لا يعلم ليعمق الاشمئزاز من الممارسة باسم الاسلام، ولا تحاول التأكيد على ان المتحدث انما يعبر عن وجهة نظره هو ليس غير، كما لا تستدرك وتنبه على ان ما يفعله أو يعتقده لا يمثل المقتضى الاسلامي, وهي كذلك حين تتيح الفرص للمعارضين أو للمؤيدين للحكام المتحفظ عليهم، ولكي تظل جذابة فإنها تحاول مفاجأة المتلقي بفعل متميز ومقبول كصدقة بين يدي نجواها الآثمة العدوانية، وفي مفاجآتها نعايش بين الحين والآخر لقاءات جادة، ومعالجات علمية وبرامج وثائقية ممتعة, ولكنها كمنافع الخمر، ونحن في مواجهتنا لها أو لغيرها لا نريد الاحتواء ولا الالغاء ولا الاغماض على التقصير، فالممارسات السياسية ليست معصومة، وليست فوق المساءلة والنقد، كما لا نود واحدية الصوت وتماثل الرؤية، وانما ننشد الاصلاح والمصداقية, وما تفعله تلك القناة لا تبرره دعوى حرية الرأي وحرية التعبير واستجلاء وجهات النظر، انه تمكين للأوضاع غير السوية وتغرير بالمشاهدين، وتعميق للخلاف واستشراء للإحباط وتملق للعواطف.
والقناة في ضوء تلك الرغبة الاستفزازية لا تتماشى مع سلم الأهمية في القضايا الملحة التي تهم المواطن الخليجي بالذات والعربي على وجه العموم، وانما تنظر الى القضايا من خلال حجم الاثارة وتوتير الأعصاب، واشتغالها فقط بالمسموح به والمرغوب في اثارته من قبل الرؤوس المدبرة والجيوب الممولة، وتعاطيها في اطار هذه المناشط المنتقاة تقعر الرؤية في صغائر الامور، وتعمى عن كبائرها لحاجة دنيئة في النفوس الموتورة، وتغنيها بالحرية كسائر المتغنين بها تفهمها على انها فعل الممكن والمرغوب دون ضابط، كما في السياسة، ولا تفهم الحرية على أنها الممارسات المنضبطة القائمة على تكافؤ الفرص، فالحرية كما يقول العقاد هي النظام والنظام يعني احترام الشرط في اطار العقود المتعددة، العقد الرباني أو العقد الاجتماعي , والدولة أي دولة حين تختار نظاما أو اسلوبا في تداول السلطة، ثم تعلنه للملأ تكون المساءلة في اطار التزام هذه الدولة بذلك النظام المعلن، وليس في ضرب هذا النظام وادانته لذاته لا لفعله, وأمريكا عشق العلمانيين اختارت الرأسمالية وحاربت النظام الشيوعي، ولها في اطار ذلك حِمىً لا يجوز الاقتراب منه، ولم يقل أحد ان في ذلك اخلالاً بالحرية والديمقراطية، وهي تكيد للاسلام وهناك من يحمل جنسيتها من المسلمين الذين يساورهم هم الاسلام والمسلمين, فهل توفرت الحرية بالشكل الذي يتصوره الحالمون؟, ولأن تلك القناة لا تتقن قوانين التماس فانها تتعمد نبش دفائن لا حاجة الى نبشها، وتمعن في فتح ملفات تجاوزها الزمن، وأصبحت مجرد مرحلة تاريخية، ليس لها أي انعكاس على القائم، وقد يكون ذلك من ايقاظ الفتن النائمة, والأنظمة في كل أنحاء العالم لا تخلو من معارضة: عاقلة أو هوجاء، منازعة أو مجادلة، محقة أو دعية، مصلحة أو هادمة، واقعية أو مثالية, وحتى في أمريكا التي تعد مضرب المثل في الديمقراطية تقوم فيها المظاهرات، وتؤلف الكتب وتنشر الدراسات المعارضة والمحذرة، ولنضرب مثلا باللغوي نعوم تشومسكي وبآخرين يعرفهم المتابعون للمطارحات السياسية كتبوا عن غطرسة القوة وحذروا من الجماعات الضاغطة واشمأزوا من تعديات اللوبي الصهيوني وتساءلوا عمن يحكم أمريكا، وما من دولة استطاعت تجسير الفجوة بين المثقفين والسلطة، ولأن المؤسسات السياسية تمثل السلطة فإن الوفاق معها لا يكون الا في الأقل النادر, وهل أحد من الرؤوساء في الدولة الديمقراطية كسب كل الأصوات الانتخابية؟, ان مادون النسبة المئوية من الناخبين في عداد المعارضة، والمعارضة ظاهرة صحية، اذا أحسن المعارضون استخدامها، وأتقن الساسة التعامل معها، لقد مارسها الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية وفي مواقع كثيرة، ولكنها معارضة ايجابية تبحث عن الاطمئنان, وليس من مصلحة الامة الواعية لأهمية رأب الصدع وجمع الكلمة المستوعبة لواقعها بين الأمم أن توطىء أكناف اعلامها للاثارة الخالية من الجدوى, فالكلمة عمار أو دمار، ثم ان المعارضة، أو حكومة الظل بإزاء الحكومة الحقائبية تقعان تحت طائلة الخطأ والصواب، فالصواب المحض والخطأ المحض غير ممكنين لا للسلطة ولا للمعارضة المنفية أو المقيمة، لقد هتف طلبة الجامعة اللبنانية في وجه الحريري ووصفوه بالحرامي، وهو الذي ابتعث الآلاف من الشباب للدراسة على حسابه الخاص، وهو الذي عاد للسلطة محمولا على أكتاف الأغلبية، فالحق لا يكون بالضرورة مع المعارضة، والصدق لا يكون قصرا على الصوت الرافض, والقناة في اثارتها تتصور الملائكية لطائفة والشيطانية لطائفة أخرى، وترى الحق دائما مع المعارضة وطوائف الانشقاق والهاربين من بلادهم، ولا تعول على أهمية الدخول في المعمار القائم لاصلاح ما يمكن اصلاحه, والقنوات الاعلامية الذكية من تستطيع استطلاع الرأي الآخر دونما هدف للجذب أو الاثارة، ولا تثريب في استكمال فنيات الحوار وشد الانتباه، والاقتراب من الحمى، ولكن بحذر ذكي وحساب دقيق, وتحفظي على أي طرح اعلامي لا يقف حيث يكون هواي ، فما أنا من المستقطبين حول الذات، وما أنا من الأبويين المعطلين لعقولهم، وانما هواي مع المصلحة العامة للأمة محليا وعربيا واسلاميا حيث كانت، وفي الوقت ذاته لا أرى أن هناك أنموذجا سياسيا لا يصلح غيره، ولست معنيا بتكريس أي مشروع سياسي أو مذهب ديني يتجاوز الدعوة الى الله على هدي من الكتاب وصحيح السنة، ولست ممن يرى تصدير الأنظمة أو الثورات أو تصنيم الشخصيات، أو واحدية المذهب أو الحزب، اذ ما يصلح لاقليم قد لا يصلح لآخر، وما يوائم طائفة لا يوائم طائفة أخرى، وما ينجح في فترة تاريخية ليس بالضرورة مضمون النجاح في كل فترة، فكل شيء نسبي والثبات للنص المحكم والتشريع الرباني, انني أبحث عن الأفضل سواء كان عند من أحب أو عند من لا أحب، وهذا لا يعني التفكير في الخيار بين الحاكمية الاسلامية والدساتير الوضعية، اذ لا مجال للمفاضلة, فقضاء الله ورسوله لا خيرة فيهما، ولعبة المفاضلة ومأزق التصدير للمشاريع السياسية أضاعا على الأمة العربية فرصا ثمينة، وادخلاها في دوامة الصراع الكلامي والعسكري وعمقا الفرقة والارتياب, ولأن بعض القنوات الفضائية تعتمد على الدخول المادية فانها تستميت في كسب المشاهدين للظفر بالمعلنين، ومن ثم تغامر في اختراق المحذور وانتهاك المسكوت عنه، ظنا منها انه مجيء بما لم تستطعه الأوائل, وانتهاك المقدس والتجاوزات الأخلاقية والعرفية أصبحت لعبة غبية يتعشقها الاعلاميون والمبدعون والمواطئون على الخطيئة من النقاد، لكسب الشهرة والمال والدخول في دوائر الأضواء، ومن القنوات من ينفذ لعبة الغير ويبلغ رسالة الآخر: غباء أو تواطؤا، والعاملون والمنفذون للبرامج فيها كالدمى على مسرح العرائس, على ان ما تراه أي قناة سبقا اعلاميا يمكن توفيره في أي لحظة، فالممتلئون غيظا على أنظمة بلادهم يملؤون المنافي، ويود أحدهم لو يعمر ألف سنة، وهو واقف وراء ترسانته البلاغية، يتلاسن مع كل شيء، ويجرّم كل فعل، وينعى كل تصرف، ويقصف كل شاخص, والناقمون على الأنظمة الخليجية تتعدد خطاباتهم، وتتنوع اهتماماتهم، ولكنهم لا يملكون بديلا قائما، يراهنون عليه، ويغرون به، ويتحدثون من خلاله، وليس في التجارب المتناسخة في عالم الصخب الاعلامي المسكون بحب التكسير ما يبعث على الأمل، والتجارب الثورية ملأت النفوس اشمئزازا وارتيابا وخوفا، وليس من مصلحة الخليجي أن يركن الى رؤى غير ممكنة، ولا أن يوفض الى طوباويات حالمة, ولما كان الناس على دين اذاعاتهم كما يقول ابو فاشا ، فان خطورة الاثارة لا تقف عند حد الامتناع والجذب والتسلية البريئة الوقتية، وانما تسهم في تشكيل وعي الأمة، وتصوغ الرأي العام بطريقة خاطئة وأسلوب بطيء، وقد تجرع الخليجيون مرارة ذلك في حرب تحرير الكويت، وما عدل الدهماء عن آرائهم حتى عاينوا العذاب، وتقطعت بهم الأسباب, والحاح بعض القنوات على الاثارة والتشكيك يترك أثره على المدى الطويل، ومن ثم لابد من الدفع بالتي هي أحسن للحيلولة دون تشكيل وعي مناقض يعرض الخليجيين لمثل ما واجهوه أثناء اجتياح الكويت من مظاهرات وتأييد للمعتدي الذي أفسد الأمن والاستقرار والرخاء، وشرد الملايين، وأضاع الثروات، ودمر خطط التنمية، وأعاق المشاريع الاقتصادية والصناعية والزراعية، وشرعن للوجود الأجنبي الذي يدعي مواجهته، وسوغ التدخل العسكري لحماية الأقل عددا وعدة، وزرع الذعر والخوف والشك، ونزع الثقة، ولم يحقق أدنى حد من الكسب، والشيء المؤلم ان الذين شايعوه من الضعفاء والمشردين تجرعوا مرارات لا تساغ، وتعرضوا لمزيد من التشرد والضياع، فقدوا المال والعمل، والذين يستعذبون النيل من بعض الأنظمة الخليجية هم الذين يأوون اليها وينعمون بثرائها، وهم الرابحون من أمنها واستقرارها، ويكفي أن نضرب المثل بالعمالة، ففي المملكة قرابة ستة ملايين مستفيد كل واحد يعول أسرة في بلده، ودعك من المستثمرين وما جد من أنظمة اقتصادية تمثل الانفتاح والمشاركة، لقد أسقط في يدي وأنا في أحد المؤتمرات خارج المملكة أستمع الى كلام مسف يفيض حقدا وضغينة من رجل تقطعت به الأسباب، حتى اذا فرغ من كلامه وانفض سامر المؤتمرين وبدأ حديث الممرات اللوبي أخذني بيدي وطلب مني التوسط لدى السلطات لمعالجة مشكلته التي اعتاد المسؤولون في المملكة معالجتها ماديا حين تدلهم الأمور, وحين أبديت استغرابي، قال بكل برودة: كلام جرايد يطير في الهواء، وكلامي أداء وظيفي لا يتجاوز التراقي، وعجبت من أمر النخب كيف تسوغ لنفسها توظيف امكانياتها لمقاومة الحق والتصدي للشرعية, انني أقبل الخطأ ابتداء، واحترمه اقتناعا ذاتيا، ولكنني أمقت السماسرة ومسوقي الامكانيات الفكرية والبلاغية.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved