| الاقتصادية
اتصلت بأحد الاخوة الكرام هاتفيا لأطمئن على صحته إثر الوعكة الصحية التي تعرض لها خلال الفترة الاخيرة، ودار بيني وبينه بعد ان انتهينا من كلمات الترحيب ورد الترحيب الحوار التالي:
قال : بصوت متأثر جدّا يا أبا سعد,,, أنا في مصيبة.
قلت: سلامات ماذا دهاك؟
قال : لقد تخرج ابني رائد من الثانوية.
قلت: مبروك يا أبا رائد.
فقال: مبروك على ماذا؟ لقد تخرج ابني من القسم الشرعي بمعدل 80 بالمائة، فهل سأجد له قبولا في إحدى الجامعات السعودية؟, ثم ان وجدت فهل سأجد القبول في التخصص المرغوب والمطلوب الذي يستطيع بعد التخرج منه الحصول على فرصة عمل كريمة؟.
يا أبا سعد ألا تعلم بأنني أعيش معاناة طويلة مع ابنتي التي تخرجت من جامعة الإمام قبل أكثر من عامين تخصص شريعة ولم تستطع حتىالآن الحصول على عمل؟, لقد ذهبت الى وطرقت كل باب ولم أجد لها فرص عمل، حتى المدارس الأهلية لم ترض أن تعطي ابنتي الفرصة على الرغم من أنها تعج بالمدرسات الأجنبيات, فهل تريد مني ان اقنع ابني بالدراسة في اي تخصص بغض النظر عن مستقبله في سوق العمل؟, انني بذلك أخدع نفسي وأخدع ابني وأقوده الى المصير المظلم, إنني يا أبا سعد متخوف جدّا من بقائه كأخته في البيت إن لم يجد قبولا في إحدى الجامعات، ومتخوف أكثر من بقائه في البيت بعد التخرج من الجامعة, فماذا تريدني أن افعل؟.
فقلت له: إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا ينخرط في العمل من الآن؟، لماذا لا يتجه الى اسواق الخضار التي تم تطهيرها من السيطرة الاجنبية وأصبحت مخصصة بالكامل لأبناء الوطن؟.
فقال: استحلفك باللّه يا أبا سعد هل ترضى بان يتوقف طموح ابني عند هذا الحد؟, ثم لنفترض جدلّا أنني قبلت بذلك فكيف أقنعه هو بالقبول؟، ثم أنت تعلم يا أخي أنني لا امتلك رأس المال الكافي الذي يمكنني من دعمه ومساندته؟.
وبعد ان حاولت تهدئته وتطمينه أنهيت الحوار وأنا اشعر بهول موقفه كأب وبهول موقف الكثير من الأسر السعودية التي تعاني الأمرين في هذه الأيام نتيجة لتخرج أبنائها من الجامعات او من الثانويات العامة, أنهيت الحوار وأنا أتساءل عن حجم وطبيعة المشكلة في الوقت الحاضر وعن حجمها في المستقبل خاصة وانها مشكلة تراكمية تتضاعف مع مرور الوقت وتزداد صعوبة وتعقيدا سنة بعد أخرى, أنهيت الحوار وأنا أتساءل عن الاجراءات التي اتخذت من العام الماضي وحتى الآن، وهل فعلا هنالك توجه حقيقي وطني لحل المشكلة قبل ان تفرض علينا نتائجها السلبية؟.
يا سادة إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في عجز الجامعات عن قبول الأعداد الهائلة من الخريجين ولا تكمن في بقاء الأعداد الهائلة من الجامعيين بدون عمل، ولكنها تكمن في سوق العمل ذاته الذي يعج بالكثير من المشاكل الخطيرة والتي عجزنا عن تصويرها ووضعها في حجمها الطبيعي.
يا سادة إننا نحتاج في الوقت الحاضر الى ضرورة حماية عنصر العمل السعودي من الحرب العلنية التي تشنها عليه العمالة الوافدة وذلك من خلال وضع التدابير اللازمة التي تكفل الحد من الاستقدام غير المقنن وتخفف من حدة المنافسة المفروضة على عنصر العمل السعودي, وحتى يمكن تصوير منطقية الحماية المنشودة أطرح السؤال التالي: ماذا لو تم فتح الأسواق السعودية أمام المنتجين الأجانب لإقامة مشاريعهم على الأرض السعودية دون قيد أو شرط وأعطوا كافة المميزات التي تمنح للمنتج السعودي، فهل سيبقى منتج سعودي واحد في السوق السعودية على الرغم من الأخير قد أخذ فرصته في الماضي واكتسب الخبرة اللازمة للمنافسة ام انه يحتاج الى ستار جمركي وغير جمركي يحميه من المنافسة الخارجية؟.
وأتساءل عن الحال التي سيكون عليها حال التاجر السعودي لو تم الغاء الحواجز الجمركية وغير الجمركية امام المصدرين الأجانب فهل سيبقى تاجر واحد في السوق؟,, فإذا كانت الإجابة واضحة فإن من الواجب أن نحمي شباب الوطن من الضغوط النفسية التي تسببها له المنافسة غير العادلة التي تفرضها عليه سياسة الاستقدام المفتوح ونحمي الأسرة السعودية من الضغوط النفسية التي يسببها بقاء أبنائها خارج أسوار الجامعة أو خارج أسوار سوق العمل السعودي ,, فمتى تتحقق الحماية اللازمة ومتى تبدأ اجراءات التصحيح العملية؟,, نتمنى ان يكون ذلك في القريب العاجل.
* أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|