| مقـالات
ينظم الأمن العام بقطاعاته المختلفة حملة وطنية شاملة تهدف إلى رفع مستوى الوعي الأمني والمروري في المملكة، ويسهم في تفعيل وتنفيذ هذه الحملة مختلف أجهزة الدولة وقطاعاتها، في كافة مناطق المملكة، وذلك ابتداء من مطلع العام الدراسي 4/6/1421ه
هذه ديباجة سنسمعها كثيرا المدة القادمة وهذه الحملة تعد خطوة رائدة، وهامة في مسيرة الحياة الأمنية والمرورية للمجتمع السعودي وطموح يؤمل ان يتجاوز به كثير من النتوءات السلوكية التي شوهت صفاء المجتمع وجماله.
وتعد الحملات اسلوبا حضاريا في استخدام الوسائل والتقنيات الحديثة في المجال الإعلامي خاصة لتحقيق الأهداف، ويتأكد هذا الامر في مجال معالجة القضايا والموضوعات الحيوية التي تتصل بحياة الناس اليومية ومتعلقاتها.
والأمن بمختلف فروعه من اهم القضايا وأجدرها بالعناية والرعاية الشاملة والدائمة نظرا لحساسيته ودقته، وملامسته لحياة الناس.
والإعلام بوسائله وبرامجه يعد رافداً هاماً في رفع مستوى الوعي العام في موضوع هذه الحملة، واستثمار أدواته وأساليبه ضرورة ملحة لنجاح برامج العمل، وتحقيقها لأغراضها المنشودة.
وبمراجعة الطروحات التي تناولت الحملة وموضوعها واهدافها وبرامجها، وخاصة الطرح المباشر في برنامج (وجها لوجه) الذي قدمه د, سعود المصيبيح وشارك فيه كل من سعادة مدير الامن العام الفريق أحمد الفريح وبمشاركة د، هاشم عبده هاشم، عضو مجلس الشورى ورئيس تحرير جريدة عكاظ، وذلك يوم السبت 26/5/1421ه، خلال متابعة تلك الطروحات يتفاءل المواطن ببدء وصلة جديدة من التنظيم المروري والمتابعة النظامية التي تشجع الفرد المنظم الملتزم بالقوانين والقواعد والتعليمات على الاستمرار في ذلك، ومن وجه آخر تردع المستهتر غير المبالي، وتكفي المجتمع أخطاءه وشروره.
وبالتجارب السابقة ندرك ان الحملات إذا استمرت بالصورة المطلوبة من قبل الجهة المعنية، وتفاعل معها جمهورنا فإنها تحقق نتائج غير متوقعة وقد تتجاوز كثيرا الأهداف المؤملة منها، وتكشف أبعادا أخرى غير محسوبة، إضافة إلى سرعتها ومباشرتها في معالجة الموضوع المطروح لذا يجب ان تتكاتف الجهود العلمية والمهنية المتخصصة في تفعيل المجتمع معها وقيادته للاستجابة لها وتحقيقها.
وهنا يقودنا الحديث للوقوف على عدة نقاط رئيسية، وفق الآتي:
*أولاً : ما هو الوعي المطلوب؟ وهل يكفي الوعي؟!
قبل هذه (الحملة)، تتردد علينا عبارة (ضرورة الوعي بالأنظمة المرورية)!! (ولوأن مجتمعنا واعٍ وملتزم بالأنظمة المرورية لتجاوزنا كثيرا من الحوادث المرورية)!!
وهذا صحيح ولكن لسان حال المجتمع يسأل: ماذا نعي؟ وبماذا ننشد الوعي؟ وهذه حقيقة نعيشها، فنحن أميون في أنظمة المرور، وسلوكيات القيادة الإيجابية لدى بعض المواطنين هي اكتساب بجهود ذاتية للتعلم والممارسة، فمعظم شرائح المجتمع تجهل أنظمة المرور ونحدث لأنفسنا أنظمة قيادة نتحرك بها، وعندما تقع الحوادث تختلف تقديراتنا في تحديد من المخطئ ونسبة أخطائه.
بعبارة مباشرة لم تتح لأفراد المجتمع فرصة التعلم الإجباري لأنظمة القيادة وتعليمات المرور، سواء في المراحل الدراسية النظامية، أو الدراسية الجادة عند طلب استخراج رخص القيادة، التي يحصل عليها الكثير من الشباب وهو في بيته!!
نحن نتوقع ونترقب ان تحقق هذه الحملة درجة من الوعي اللازم لتحقيق سلامة القيادة، وأن يكون لذلك آلية عملية يتواصل عملها لمرحلة ما بعد مدة هذه الحملة كأن تصبح حياتنا المستقبلية حملة متواصلة تختفي بها نسبة كبيرة من الارقام المهولة والمروعة لأعداد الحوادث وما ينتج عنها من وفيات، وعاهات مستديمة، وخسائر اقتصادية.
ويجب ان ندرك أيضا ان الوعي بحد ذاته غير كاف إطلاقا وإن لم يتبع مرحلة الوعي متابعة دقيقة لتنفيذ التعليمات وما يلحق بها من إجراءات وعقوبات للمخالفين، فإن الوعي الذي تحقق مدة الحملة سيتلاشى في مدة زمنية أقصر مما خصص للحملة ذاتها، ولن يستمر الوعي العملي لدى قائدي السيارات إلا إذا وجدت العقوبات الرادعة التي تتجاوز المجاملات التي تحدثها طبيعتنا المجتمعية، وحينما يطالب المجتمع بعدم التسامح مع المخالفين والمتجاوزين للأنظمة فإنه من باب المطالبة (بالحق العام) للمجتمع.
إن الوعي العام لدى معظم الشعوب الغربية والتزامهم بأنظمة المرور، لم يلغ العقوبات الصارمة، وعدم التسامح مع المخالفين، بل لعل استمرار وعيهم نابع من استمرار وصرامة العقوبات.
* ثانياً: الوعي وروافد التأثير:
إن ادراك المواطن لواجبات المواطنة تدفعه للتفاعل الإيجابي مع قضايا مجتمعه، والعلم على تحقيقها، وهذا الإدراك الواعي يعد أحد الروافد الهامة في التاثير والتأثر ومن ثم التفاعل، ومن روافد التأثير ايضا بيان ما سيترتب على الالتزام بالأنظمة من فوائد إيجابية، وما سيترتب على مخالفتها من آثار سلبية عامة، وعقوبات خاصة بالمخالف، وهذا منهج شرعي تكرر كثيراً في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فبعض شرائح المجتمع يستجيب بالترغيب، والبعض الآخر لايستجيب إلا بالترهيب، وقد يكون أبلغ الجمع بين هذين الأسلوبين.
وبالنظر إلى الطبيعة الدينية لمجتمعنا، ووقوفه كثيرا عند حدود الحلال والحرام، والجائز والممنوع شرعاً، فإن استثمار هذه الطبيعة الإيجابية والانطلاق منها في توجيه بعض برامج الحملة أمر هام ولازم، بل ان إضفاء الصبغة الشرعية على أنظمة المرور ولوائحه أمر مطلوب، شأنها شأن باقي التنظيمات واللوائح المدنية الأخرى المنظمة لشؤون المجتمع في مجالاته المختلفة، وهنا أقف بالقارئ الكريم مع حادثة لاحد فضلاء علمائنا، حيث كان مع أحد تلاميذه في طريقه لاجتماع عمل عاجل وتجاوز التلميذ إشارة المرور وهي صفراء ولم يستطع تجاوز الطرف الآخر من الشارع إلا والإشارة حمراء فإذا بالشيخ يأمره بالوقوف ويعاتبه لمخالفته نظام المرور وانه بهذا قد ارتكب معصية لمخالفته لتوجيهات ولاة الامر، وطالبه بانتظار رجل المرور رغم تأخره واستعجاله وعدم وجود رجل مرور في الموقع وذلك بهدف إطلاعه على الأمر فإن شاء تجاوز وإن شاء عاقب.
هذه ابعاد وروافد ثلاثة هامة في التأثير على المواطنين للاستجابة العملية والتفاعل الإيجابي مع معطيات الحملة، ويجب عدم التركيز على اطراف منها دون البقية.
* ثالثا: الوعي وروافد التفعيل:
بالنظر للتراكمات السلبية لعدم الالتزام بالتنظيمات المرورية وما نتج عنها من آثار، بالنظر إلى ذلك فإن المدة الزمنية المخصصة لتنفيذ الحملة ستظل قليلة مهما طالت فأنت تعالج تراكمات، وقناعات سلوكية، وممارسات اعتاد عليها المجتمع، وانتزاع المجتمع من هذا الركام الهائل يحتاج إلى جهد مكثف ليس فقط من المعنيين في الأمن العام بقطاعاته المتعددة، وإنما أيضا بتفعيل المجتمع (أفراداً ومؤسسات).
ندرك ان كافة قطاعات الدولة تسهم في هذه الحملة بالتنسيق مع اللجنة المركزية للحملة، ولجانها الفرعية وخاصة الإعلامية، وكل منطلق من مجال تخصصه ومن خلال جمهوره، أو منسوبيه، وهذا فيه اشباع لمختلف شرائح المجتمع.
وهنا يمكن اقتراح الآتي في بعض البرامج العامة التي يمكن ان تسهم في التفعيل العام، والتأثير المباشر في أفراد المجتمع، ومن ذلك:
1 تنظيم برنامج تلفزيوني اسبوعي في موعد محدد يبث على الهواء مباشرة ويعنى بمتابعة فعاليات الحملة والتفاعل العام معها، ومرئيات أفراد المجتمع، وملحوظاتهم، ومقترحاتهم، والمظاهر الإيجابية والسلبية في مسيرة الحملة، وحتى ننقل المجتمع من متلقٍ إلى محرك لبرنامج الحملة، وعلى أن يتم بث البرنامج كل أسبوع من منطقة من مناطق المملكة الثلاث عشرة وان يصاحب بث البرنامج جولة كميرا تلفزيونية حية تلتقط بعض المشاهدات العامة وترصد مظاهر الحملة على ان تركز على الجوانب الموضوعية، وان يشارك في كل حلقة مسؤول المرور في منطقته إضافة إلى احد اعضاء اللجنة الإعلامية المركزية، مع العناية في اختيار الشخصيات الإعلامية التي تدير هذه الحلقات وهذا سيحقق جملة أمور منها:
تفعيل المجتمع من خلال مناطق المملكة وعدم التركيز على منطقة محددة.
الوقوف على فعالية الحملة وتأثيراتها ومظاهرها العامة.
إطلاع المواطنين بصورة متواصلة على مراحل الحملة وبرامجها.
2 نظرا لأهمية البعد الديني، والحاجة العامة إلى الوقوف على المنطلقات الشرعية الاساسية للتنظيمات المرورية فإنه من المناسب اقتراح عقد ندوة علمية عامة، تعمق البعد الديني، وتحدد المسؤولية الشرعية للمواطنين في تحقيق الأمن والالتزام بتنظيماته، ويقترح ان تكون تحت عنوان:
(المنطلقات الشرعية للمسؤولية الأمنية والمرورية)
تعقد برعاية صاحب السمو الملكي وزير الداخلية، ويشارك في تنظيمها علمياً عدد من العلماء، ويمكن اسناد ذلك إلى بعض القطاعات المختصة، على أن يشارك في بحوثها نخبة من العلماء والمتخصصين تستمر لمدة يومين أو ثلاثة، ويصدر عنها جملة من الأبحاث والدراسات المتخصصة، تتم طباعتها في سجل باسم المناسبة، وستكون هذه الندوة ولا شك مسابقة في مجالها ومحققة لكثير من الأمور الغائبة علميا وعمليا عن أذهان الكثيرين.
(ويمكن للكاتب المبادرة بتقديم تصور أولي فيه شيء من التفعيل العلمي والفني عن موضوع الندوة وأبحاثها والباحثين).
3 بمناسبة هذه الحملة، لعل من المناسب المبادرة بإظهار بعض التنظيمات العملية التي تصحح بعض الأوضاع التي يرى المجتمع انها خاطئة، أو أنها من الأسباب المباشرة في زيادة الحوادث، وإرباك حركة السير العامة، ولعدم الرغبة في الدخول في تفصيلات كثيرة يمكن الاكتفاء بعرض نموذج واحد، فمثلاً معظم أفراد المجتمع يشتكي من نظام حركة سيارات الأجرة (الليموزين)، ويرى انها من المظاهر الخاطئة، ويمكن تحرير هذه القضية ببيان المظاهر السلبية لها، ومن ذلك:
الزيادة الكبيرة في أعداد سيارات (الليموزين)، وحالات الإرباك الشديدة والزحام الذي تحدثه خاصة في أوقات الذروة، وملاحظة عشرات سيارات الليموزين عند إشارات المرور (بدون ركاب)!!، وما ينتج عن ذلك من حوادث تصادم أصبحت مؤلفة حتى بين سيارات الليموزين ذاتها.
التلوث البيئي الشديد الذي تسهم فيه بكثرة التجوال بحثاً عن الركاب، إضافة إلى استهلاك الوقود نظرا للعمل بما يتجاوز (16) ساعة يوميا.
الاستهلاك المريع لاقتصاد البلد بالنظر للتلفيات الناتجة عن حوادثها او استهلاك مدة صلاحية السيارة أو أجزاء منها نظرا لطول الاستخدام.
الضرر الاجتماعي والأمني، من خلال الحرية المطلقة في التحرك والتجول في أي وقت وأي مكان نظرا لطبيعة عملها.
هذه السلبيات تؤكد ترقب عامة الناس إلى إعادة تنظيم حركة هذه الشريحة الهامة تجاوزاً لآثارها السلبية، ولعل توقيت هذا الشيء مع مناسبة الحملة الشاملة قد يكون مفيداً جداً، وهناك تجارب ونماذج عديدة في هذا المجال لكثير من الدول (ولدى الكاتب دراسة أولية عن هذا الموضوع يمكن الاستفادة منها).
أخيراً:
هذه الحملة الوطنية الشاملة بما تحمله من أهداف موضوعية، وبما يتوفر لها من حماس ورعاية ودعم من المسؤولين، هي فرصة سانحة للمواطنين على اختلافهم لاستثمارها في تطوير المظهر العام لحركة المرور وتحسين سلوكيات القيادة، وتجاوز كثير من المشكلات المترتبة على ذلك، والانتقال عملياً بالمجتمع إلى مرحلة جديدة من الوعي والإدراك الحضاري الذي يحفظ أمننا وسلامتنا، ويوفر الكثير من مقدراتنا من ان تهدر بسبب عبث عابث، أو خطأ جاهل.
والتواصل والتفاعل والتعاون عناصر مطلوبة لنجاح ذلك وتحققه .
والله الموفق.
|
|
|
|
|