| مقـالات
ارتفعت أسعار النفط في الاسبوع الماضي الى أرقام قياسية وصلت الى أكثر من 34 دولاراً للبرميل، وعاد هذا بالطبع على المستهلك في الغرب حيث قدرت أسعار اللتر الواحد من البنزين في الربع الأول من هذا العام بأكثر من دولار ومائتي سنت في المملكة المتحدة ودولار وعشر سنتات في هولندا وفنلندا والسويد والى ما يزيد بقليل عن الدولار في فرنسا وما يقل بقليل عن الدولار في ألمانيا واليابان, وبدأ المواطنون في تلك الدول بالاحتجاج على أسعار وقود السيارات وكذلك وقود التدفئة الذي سيكون مرتفعا جدا مع اقبال فصل الشتاء, وبدأت الحكومات الغربية بتوجيه اللوم الى الدول المصدرة للنفط وان هذه الدول هي سبب ارتفاع الأسعار بسبب تقليصها للانتاج, وكانت دول الأوبك قد قلصت انتاجها بحدود المليون ونصف المليون برميل في مارس من العام الماضي 1999، بعد انخفاض أسعار النفط الى أقل من عشر دولارات مما أضر بهذه الدول ابلغ الضرر، لكن دول الأوبك عادت وزادت الانتاج بحدود ثمانمائة ألف برميل في مارس الماضي، وقامت المملكة العربية السعودية بزيادة انتاجها بأكثر من خمسمائة ألف برميل منذ بداية شهر يوليو الماضي، ورغم ذلك ظلت الأسعار بازدياد, كما أنه من المتوقع ان يقوم وزراء نفط دول الأوبك برفع انتاج المنظمة بما يعادل ثمانمائة ألف برميل في اجتماعهم الذي سيعقد يوم الاحد.
إن دول الأوبك تدرك أن ارتفاع الأسعار بشكل كبير وحاد ضار لها على المدى البعيد، لقد اقدمت دول الأوبك على تقليل الانتاج في مارس 1999 بعد أن انخفض سعر البرميل الى أقل من عشر دولارات لكنها عادت وزادت الانتاج عندما تخطى سعر البرميل 28 دولارا مما يعني أنها تريد أن تحافظ على أسعار معتدلة للنفط, ان ارتفاع أسعار النفط الكبير والمفاجىء قد يؤدي في المدى المتوسط الى أزمة اقتصادية تؤدي الى انخفاض الطلب والدول المصدرة للنفط مضطرة للاستمرار في التصدير وهذا يعني انخفاضا حادا في الأسعار, إن الارتفاع الحاد في الأسعار سيؤدي كذلك الى تجديد البحث عن مصادر بديلة للنفط كمصدر للطاقة أو استخراج النفط من أماكن ليس مجديا استخراجه منها حاليا للتكلفة العالية للاستخراج مثل المناطق المتجمدة أو قيعان المحيطات, وهذه حقيقة أصبح يدركها المسؤولون في جميع الدول المصدرة للنفط وخصوصا بعد تجربة انخفاض الاسعار في الثمانينات بعد الارتفاع الهائل الذي حدث في منتصف ونهاية السبعينات, ورغم أن دول الأوبك زادت وستزيد الانتاج إلا أنه ينبغي التذكير بأن تذمر المواطنين والمستثمرين في الدول المتقدمة لا يجب أن يوجه اللوم فيه للدول المصدرة للنفط وحدها، فالدول المتقدمة وخصوصا أوروبا واليابان تحمل المستهلك كثيرا من الضرائب التي لو رفعت أو قللت الى حد معقول لانخفضت تكاليف شراء منتجات النفط الى أكثر من النصف, وقد نشرت جريدة وول ستريت جورنال احصائية هامة عن أسعار البنزين ونسبة الضريبة من اجمالي السعر في عدد من الدول المتقدمة.
ومما جاء في هذه الاحصائية ان معدل سعر اللتر الواحد من البنزين في المملكة المتحدة كان دولارا وعشرين سنتا أمريكيا كان منها خمسة وتسعون سنتا ضرائب، وفي هولندا كان سعر لتر البنزين دولارا وعشر سنتات كان منها ثمانون سنتا ضرائب، وفي السويد كانت قيمة اللتر الواحد دولارا وعشر سنتات منها ثمانون سنتا ضرائب كذلك، وفي ألمانيا كانت قيمة اللتر الواحد من البنزين 95 سنتا منها سبعون سنتا ضرائب، وفي البرتغال وأسبانيا كانت قيمة الضريبة اربعين سنتا في البرتغال وخمسة وثلاثين سنتا في اسبانيا، وفي اليابان كانت قيمة اللتر 95 سنتا منها 40 سنتا ضرائب.
لقد قامت دول الأوبك بدورها في تخفيف حدة ارتفاع الأسعار وحاولت بقدر استطاعتها منع حدوث ارتباك قد يؤدي الى حدوث أزمة عالمية ومع ذلك ظلت الأسعار مرتفعة مما يدل على تزايد الطلب العالمي مما يعني ان هناك نموا اقتصاديا عالمياً, لكن الارتفاع الكبير في الاسعار قد يحد من هذا النمو ويعود بعواقب وخيمة على الجميع, وقد قامت وستقوم دول الأوبك بدورها لمواجهة تزايد الطلب مع الحفاظ على الاسعار لكن ينبغي على الدول المستهلكة أن تقوم بدور أكبر مما تقوم به حاليا للحفاظ على وصول منتجات النفط للمستهلك والمستثمر بأسعار معتدلة لمنع حدوث أزمة اقتصادية عالمية, ان على قادة الدول المستوردة للنفط أن يلعبوا دورا أكبر من مجرد القاء اللوم في ارتفاع الأسعار على الدول المنتجة, ان عليهم أن يراجعوا هذه الضرائب العالية جدا على منتجات النفط, ولعله من الجدير بالاقتراح على وزراء نفط دول الأوبك أن يربطوا أي رفع مستقبلي في الانتاج بقيام الدول المستهلكة بخفض الضرائب العالية المفروضة على منتجات النفط، وهذا مطلب عادل للغاية، ان حل أزمة الطاقة يتطلب تعاون الدول المنتجة والدول المستهلكة بما يعود بالنفع على الجميع ولا يحد من نمو عجلة الاقتصاد العالمي ويضمن أسعاراً عادلة للنفط بدون تحميل المستهلك في الغرب أو الشرق أي أعباء ضريبية فاحشة, أما الأسلوب الذي ينتهجه زعماء الدول المتقدمة بتحميل مسؤولية ارتفاع الأسعار على الدول المنتجة لوحدها فهو أسلوب غير مجدٍ, إن على منظمة الأوبك تحسين صورتها في العالم من مجرد كارتل لمنتجي النفط الى منظمة دولية تتصرف بمسؤولية وعلى أسس رشيدة,, إن منظمة الأوبك مطالبة بجهود اعلامية ودعائية تظهر حقيقتها كمنظمة تدافع عن مصالح الدول المنتجة للنفط ولكن ليس على حساب الدول المستهلكة أو على حساب الاضرار بالنمو الاقتصادي العالمي.
|
|
|
|
|