أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 11th September,2000العدد:10310الطبعةالاولـيالأثنين 13 ,جمادى الثانية 1421

العالم اليوم

عودة الهجرة للشمال
الأوربيون يتركون باب الهجرة موارباً لحاجة دولهم للعمالة
*القاهرة ا ش ا يسرية النحاس
يبدو ان مقولة (التاريخ يعيد نفسه) سوف تصدق على اوروبا من الآن فصاعدا في واحد من اهم الملفات التي تطرح للبحث دوما خلال اجتماعات الاتحاد الاوروبي وهو ملف الهجرة.
فبعد ان حاولت اوروبا طيلة عقدين من الزمان اغلاق الباب امام الهجرة واحتواء آثارها السلبية على مجتمعاتها من خلال قوانين مشددة عادت مرة اخرى الى تركه (مواربا) ولكن من خلل ضوابط ومعايير جديدة وبشكل انتقائي بتحديد حصص من المهاجرين لكل دولة حسب احتياجات اسواق العمل بها رغم ما قد تثيره هذه السياسة الانتقائية من شبهة عنصرية قد تستغلها منظمات حقوق الانسان ومناهضة العنصرية والدفاع عن المهاجرين الاجانب.
وكانت الهجرة الى اوروبا خاصة في اعقاب الحرب العالمية الثانية من اسباب نهضتها الصناعية والاقتصادية، فقد احتاجت الى عمالة رخيصة تمثلت في طلائع المهاجرين من الدول الفقيرة وفي سكانها العائدين من مستعمراتها السابقة بغرض ادماجهم في المجتمع.
ويأتي هذا التحول في التوجه الاوروبي بعد ان دق تقرير صدر مؤخرا للجنة السكان التابعة للامم المتحدة ناقوس الخطر حين اشار الى ان اوروبا مهددة بشدة بنقص الايدي العاملة لديها بسبب انخفاض معدل المواليد وارتفاع مؤشر طول لعمر مما يعني انخفاض عدد سكانها ممن هم في سن العمل الامر الذي يستلزم بالضرورة اعادة النظر في سياساتها المقيدة للهجرة.
ويقترح تقرير الامم المتحدة ان تبدأ اوروبا للحفاظ على عدد سكانها عند حد 372 مليون نسمة في استقبال 47 مليون مهاجر قبل عام 2050 اي بمعدل يقترب من مليون مهاجر سنويا.
وبعد ان ادركت فرنسا رئيس الدورة الحالية للاتحاد الاوروبي عدم جدوى القوانين المشددة للهجرة في الدول الاوروبية في القضاء على الظاهرة واستمرار تدفق المهاجرين سرا,, تسعى فرنسا الى العمل على تنظيم هذا التدفق الى دول الاتحاد من خلال ثلاثة محاور.
اول هذه المحاور هو تهيئة السبل امام الدول لمصدرة للمهاجرين لتنمية مجتمعاتها من خلال ابرام اتفاقات شراكة معها توفر فرص العمل للشباب مما قد يحد من عدد راغبي الهجرة.
الثاني هو التصدي لظاهرة الهجرة السرية بعد تزايد شبكات الاتجار فيها واندراجها في اطار الجريمة المنظمة وشبكات المافيا وذلك من خلال سن قوانين رادعة وتنسيق العمل بين اجهزة شرطة دول الاتحاد.
فيما يتضمن المحور الثالث تطوير مفهوم عملية ادماج المهاجرين الشرعيين في المجتمعات التي يعيشون بها.
والواقع ان تقرير الامم المتحدة قلب الاوضاع في مجال قوانين الهجرة في اوروبا بعد ان حرصت دولها على تشديدها الامر الذي لم يحد من الظاهرة بل هيأ المجال لظهور شبكات الهجرة السرية ومن ثم تصاعد المشاعر العنصرية وكراهية الاجانب وتحميلهم عبء انتشار البطالة وارتفاع معدلاتها في اوروبا.
وقد قامت العديد من الدول الاوروبية بتسوية اوضاع المهاجرين اليها مؤخرا ففي فرنسا اصدر جان بيير شيفنمار وزير الداخلية السابق قانونا يحمل اسمه في مجال الهجرة كان من شأنه تسوية اوضاع 60 الفا ممن اصطلح على تسميتهم بالبدون الذين لايملكون اوراق اقامة سليمة في فرنسا ورفض طلبات عدد مماثل ممن لاتنطبق عليهم نصوص القانون.
وحذا عدد من الدول الاوروبية الاخرى حذو فرنسا فقد قررت اسبانيا مؤخرا طرد 50 الف مهاجر غير شرعي ومنحت تصاريح اقامة وعمل لحوالي 175 الف مهاجر,, كما رفضت طلبات 225 الف مهاجر الى جانب ما اتخذته من اجراءات مشددة للتصدي لظاهرة تدفق الهجرة غير الشرعية عبر سواحلها ومن بينها تصميم جدار اليكتروني بتكلفة 114 مليون دولار يتكون من اجهزة رادار وكاميرات حساسة لرصد اية قوارب تقل مهاجرين الى سواحلها.
غير ان ايطاليا التي تعد من اكثر الدول الاوروبية انخفاضا في معدل المواليد بدأت مؤخرا في اعادة النظر في قوانينها المقيدة للهجرة خاصة بعد ان حذرت اتحادات الصناعة والنقابات المهنية والعمالية الايطالية من خطر نقص العمالة المدربة على الاقتصاد الايطالي.
وعلى هذا الاساس اعلنت الحكومة الايطالية خلال الشهر الماضي موافقتها على زيادة تصاريح العمل والاقامة بنحو 41 الف تصريح للمهاجرين الاجانب.
وفي بريطانيا حيث اثارت حادثة ميناء دوفر التي راح ضحيتها 58 من المهاجرين الصينيين مختنقين داخل شاحنة كانوا يختبئون بها المشاعر والجدل حول القوانين المقيدة للهجرة الى اوروبا,, اعلنت حكومة توني بلير اضفاء مرونة على سياستها في مجال الهجرة للمرة الاولى منذ حوالي ثلاثين عاما بحيث يسمح لمئة الف عامل اجنبي سنويا بدخول بريطانيا والعمل بها.
وقد حرص توني بلير على توضيح مفهوم المعالجة الجديدة (الانتقائية) لمسألة الهجرة بقوله ان من سوف يسمح له بالهجرة والاقامة والعمل في بريطانيا هو المهاجر الذي لديه افكار جديدة خلاقة ويمتلك طاقة ملحوظة على التجديد والاختراع والابتكار.
ويراهن بلير على مستقبل بريطانيا بقوله ان بلاده التي كانت مهد الثورة الصناعية ستصبح وطن المخترعين وفي طليعة الدول التي تعتمد اقتصاد المعرفة,, ويعني ذلك السماح لمن يتعهد بانشاء مشروع جديد في قطاع العلوم او التجارة الاليكترونية بالعمل والاقامة في بريطانيا.
ويأتي هذا التحول في مفهوم ومعالجة قضية الهجرة من التشديد الى الاعتدال والمرونة واستشراف احتياجات المستقبل القريب في الوقت الذي اكدت فيه دراسة لمكتب العمل الدولي ان العولمة سوف تتسبب في زيادة عدد المهاجرين في العالم والذي يبلغ حاليا 120 مليون مهاجر مما يستلزم بالتالي تغيير النظرة الى الهجرة واستغلال الجانب الايجابي منها.
كما يأتي هذا التحول في الوقت الذي تعاني فيه اوروبا من نوع ثان للهجرة وهو الهجرة الداخلية بين دولها والذي بدأ بعد انهيار حائط برلين وانتقال حوالي اربعة ملايين شخص من سكان شرقي اوروبا الى غربها بحثا عن فرص عمل افضل,, وازداد حدة مع اندلاع الحرب في يوغوسلافيا السابقة وتفككها الامر الذي ادى الى هجرة خمسة ملايين شخص الى دول اوروبا الغربية.
وتحاول اوروبا من ناحية اخرى معالجة قضية اخرى لاتقل خطورة عن قضية الهجرة الى اراضيها وهي هجرة العقول من دولها الى الخارج خاصة الى الولايات المتحدة حيث امكانيات البحث العلمي اكثر وفرة.
ومن اكثر الدول التي تعاني من (نزيف العقول) وهجرتها الى الخارج فرنسا خاصة في مجال البحث العلمي والمعملي والطبي,, وكذلك بريطانيا التي اعلنت مؤخرا رصد ميزانية تقدر بحوالي اربعة ملايين جنيه استرليني لوقف هجرة كبار العلماء البريطانيين مما يتيح رفع مرتباتهم وتحفيزهم على البقاء في البلاد بحيث يمكن الاستفادة من خبراتهم وأبحاثهم المتطورة.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved