| تحقيقات
* تحقيق :منيف بن خضير الضوي
بعد حادث سقوط طائرة (إيرباص ايه 320 ) تابعة لطيران الخليج قبل أيام في البحر,, ازداد القلق لدى الراغبين في السفر جواً,, الأمهات أيضا أصبحن يرغمن أولادهن على السفر براً كحل وسط يعد أخف الضررين!! والمضطرون للسفر جواً اصبح يتملكهم الخوف مع كل هزة للطائرة، والطريف ان بعضهم لا يسافر إلا بأقراص منومة خوفاً من المفاجآت، في هذا التحقيق حاولنا رصد خلجات النفس البشرية، في محاولة لتلمس مشاعر الخوف لدى الشباب ,, والكهول,, والأطفال على حد سواء!!
عليكم بالبعارين!!
في البداية داعبنا العم مسهوج بن راضي (57 سنة) قائلاً: عليكم بالبعارين!! لا حوادث طرق ولا سقوط في بر أو بحر وأضاف ساخرا في السابق لا نكاد نسمع بالموت إلا من مرض أو كبر,, الآن الموت يتخطفنا مع كل اختراع جديد,.
واضاف: نعم سمعت بخبر الطائرة التي سقطت في البحر، وشاهدتها في التلفاز وأنا أتحسر ياولدي على الأرواح التي ذهبت, وأسأل الله لذويهم الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون,.
أحد كبار السن دليم العبد الله قال: تابعت خبر الطائرة في الإذاعة وسمعت تفاصيل الحادث المؤلم نسأل الله السلامة، وأنا لدي أولاد يدرسون في الرياض ويسافرون بالطائرة واسأل الله أن يحمينا وإياكم من كل مكروه وأضاف : والحمد لله طيراننا السعودي آمن وتتوفر فيه درجات عالية من السلامة ونتمنى ان يحمينا الله وان يستمر على هذا الأمان بفضل متابعة ولاة الأمر لذلك.
وعلق العبد الله على السفر قديماً قائلاً: يا وليدي هناك فرق كبير (وش جاب هذا لذاك؟!) طبعا سابقا هناك مشقة وتعب وأتذكر انني سافرت عبر قافلة من الرياض إلى الحدود الشمالية قرابة شهركامل, الآن في 8 ساعات تقريباً تصل إلى آخر الدنيا، والأعمار بيد الله، وحتى في السابق كانت هناك وفيات وأمراض وغيرها.
فالحمد لله على التطور والصناعات الحديثة أراحت كثيراً من الناس ولكن لها ضريبتها ولا شك!!
قلق في الطائرة!!
لا أخفيكم أنني بدأت أشعر بالخوف والقلق,, هكذا بدأ حديثه الشاب صالح التويجري (طالب في المنطقة الشرقية) قائلاً: أنا اعتمد على الطائرة في معظم أسفاري بحكم دراستي في الشرقية وقبل سماعي لخبر سقوط الطائرة الأخير كنت أركب الطائرة واتصفح الجرائد والمجلات واحياناً استسلم لنوم عميق,, وقبل ايام كنت مسافراً إلى الشرقية من الرياض وقرأت خبراً عن سقوط طائرة (أظن في فرنسا),, والآن وبعد خبر سقوط طائرة طيران الخليج أشعر بنوع من القلق وإلى الآن لم أسافر بالطائرة بعد سماع الخبر,, ولا أدري كيف سيكون شعوري؟! ولكن كلي ثقة بالله ثم بأسطولنا الجوي السعودي الذي يتميز بدرجة عالية من الأمان ثم لا تنس أننا شعب مسلم ولله الحمد ونؤمن بالقضاء والقدر.
الشاب عايد الشطي يقول: انت تعرف الأمهات!! مشيرا إلى انه ينوي السفر بالطائرة وقد حجز مقعداً وحصل على التذكرة,, ولكن والدته أصرت على عدم سفره,,وطالبته بالذهاب مع إخوانه بالسيارة!! يضحك عايد ثم يضيف: الحمد الله بصراحة الوالدة متدينة ولله الحمد، ومؤمنة بقضاء الله وأنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا,, ولكنها ردة فعل بعد مشاهدتها لسقوط الطائرة الخليجية,, وقلوب الأمهات رقيقة ويعرف مشاعرهن جيداً كل من عاش ورضع من حنانهن ويؤكد أنه قال لأمه: طيب لو صار لي حادث وتوفيت وأنا بالسيارة؟!
فأجابته : عاد هذا عند الله!!
أسافر بمنوم!!
الموظف أحمد الفالح يقول السفر بالطائرة كان يمثل لي متعة ما بعدها متعة، ويعلم الله انني لم يكن يشغل بالي شيء اكثر من القراءة والنوم والأحاديث الجانبية,, حتى أتى موعد الرحلة المشؤومة وكنت خلالها مسافرا إلى دولة آسيوية وتستغرق الرحلة ثمان ساعات,, فشادهت زميلي الذي يجلس بجاني ممسكاً بالكرسي ويرتعش بطريقة غريبة,, فتنبهت إليه,, وسألته: وشك فيك؟!
قال: انت ما تشوف الطيارة تهتز يمين ويسار؟! ضحكت وقلت له: ليه؟ أول مرة تركب طائرة؟! ويضيف الفلاح قائلا: وبصراحة قابلتنا مطبات هوائية مزعجة للغاية, لدرجة أن أحد الركاب بكى من شدة الخوف,, ولا ألومه فتلك الرحلة كانت أشبه بالملاهي!!
وشيء آخر أيضا وهو طول الرحلة حيث استغرقت حوالي ثمان ساعات وأية هزة للطائرة أشعر معها أن قلبي يتحرك من مكانه,, ويختم الفالح حديثه قائلاً: بدأت فعلاً أشعر بما يسمى (فوبيا الطائرات) وأصبح السفر جوا آخر شيء ألجأ إليه، ذهبت إلى عدة أطباء لمعالجتي من هذا الخوف الشديد دون فائدة, وإلى الآن أنا لا اسافر إلا بعد أن أتناول أقراصا مهدئة ومنومة ومن الطرائف التي صادفتني في رحلاتي الدولية أنني لجأت للمضيف السعودي وأنا في الطائرة أطلب منه قرصاً منوماً لأنني أصبت بهلع شديد لم أتمالك أعصابي معه,.
فحذرني المضيف من الإفراط في تناول هذه الأقراص لأنها شديدة التأثير والتنويم,, فتوسلت إليه أن يتلطف ويحضر لي أحدها وفعلاً أحضر قرصا أبيض اللون فبلعته مع شربة ماء واستسلمت لنوم عميق لم أشعر معه بالخوف من الطائرة,, وبعد هبوطنا إلى أرض المطار نظرت إلى الكارت الحافظ للقرص (القصديرة) وكنت قد احتفظت به حتى استخدمه في السفرات القادمة, ونظرت إلى اسم القرص فإذا به (بنادول)!!
لا للطائرات ,, بعد اليوم!!
أبو عبدالله (37 سنة) قال: إذا كان هناك ناد لمقاطعة الطائرات سجلوني فيه!! وأكد أنه يكره الطائرات منذ الصغر,, ولا يسافر إلا للمدن والبلاد المجاورة التي يستطيع الوصول إليها بالسيارة ونافيا في الوقت ذاته ان يكون ذلك فراراً من قدر الله مستشهداً بمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشهيرة: فراراً من قدر الله إلى قدر الله,, وتساءل: ومن قال لكم ان السيارات ما فيها حوادث,, بالعكس حوادثها أكثر من غيرها لكن المسألة رغبة فقط,.
خالد العنزي (مدرس) استنكر على الشباب والشيوخ هذا الخوف غير المبرر داعياً الجميع إلى التوكل بالله والإيمان بما كتبه لنا خيراً وشراً وأضاف قائلاً: إنني أستغرب ردود أفعال الناس بعد كل حادث أو واقعة او كارثة, وكأن العالم لن يحفل بمزيد من الحوادث لا سمح الله صحيح ان السفر بحراً وبراً وجواً مسألة أذواق ورغبة وهواية,, لكن الخوف من الطائرات اعتقد انه لا يليق بالمسلم المتعلم، فالطائرة مثلها مثل الجمل والسيارة والغواصة والباخرة وسفينة الفضاء!!
وإذا كان الخوف من الموت هو السبب في النفور من الطائرات فإن الموت لا يعرف وسيلة المواصلات ولا يتخير ضحاياه تبعا لها, فكما قال تعالى: كل نفس ذائقة الموت وقال أيضا: فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون,, فاتركوا عنكم الموضات أيها الشباب, وإذا كان سفركم للخارج يسبب لكم الخوف من الطائرة فهذا دليل على أنكم تمارسون أشياء تخشون من عقاب الله لها,, ولذلك تخافون ,, لكن المؤمن العابد لا يخاف من الموت!!
السيارة ليست أفضل
أصلاً السيارة ليست أفضل من الطائرة!! هكذا احتج الشاب مفلح القحطاني قائلاً: أيا تكن الأسباب فالسيارة أكثر خطورة من الطائرة، فالطائرات نادراً ما نسمع بحوادث سقوطها او انفجارها، ويمكن التاريخ كله لا يحتفظ إلا بحوادث لا تتجاوز أصابع اليدين حسب قراءتي للصحف هذا أولاً.
وثانيا: حوادث السيارات شنيعة جدا، وأنا شاهدت حوادث مفزعة جداً، وشاهدت بعيني جثثاً ممزقة ومتبعثرة على جنبات الطريق,, على الأقل الموت في الطائرة يأتي بسرعة دون عذاب جسدي أو إعاقات جسدية مزمنة مدى الحياة، وقال: لن أنسى إصابة أحد زملاء الدراسة في الكلية بشلل رباعي اقعده عن العمل وعن الكلية وعن الزواج وعن الحياة كلها,, ونحن لا نعترض على قضاء الله، ونسبة النجاة في السيارات لا شك أنها أكثر من نسبة النجاة في حوادث الطائرات ولكن الأعمار بيد الله، والعبرة بالفائدة المتوخاة من سرعة السفر وراحته وتكاليفه المادية وهكذا,.
ويتفق معه زميله حمد العتيبي قائلا: صدقني من يخاف من ركوب الطائرة سيخاف حتما من السيارة فالخوف شيء نفسي يدل على تراكمات كثيرة في النفس البشرية، والخوف من الموت عموماً أمر غير محبب (فمن كره لقاء الله, ,كره الله لقاءه) كما قال الحديث,, وأنا أعرف بعض زملائي لا يتعدى (100 كم/ساعة) في سرعة قيادته للسيارات، واؤكد لكم ان الأمر ليس من باب الحيطة والحذر وزيادة الوعي في القيادة ولو كان الآخر كذلك لأيدنا جميعا هذا التوجه, ولكن أنا أعرفهم جيداً قيادتهم بهدوء سببه الخوف من الموت (الرهبة).
ويختم العتيبي قائلاً: قبل ايام وقع حادث لغواصة روسية وقبلها تفجرت باخرة في البحر وحوادث السيارات تقريبا كل يوم بل كل ساعة وكذلك الدراجات بأنواعها, باختصار تعددت الأسباب (والخوف) واحد,.
نصائح للمسافرين جواً!!
يجب الامتناع عن تعاطي أية أدوية قبل السفر دون استشارة الطبيب فقد تؤدي هذه الأدوية إلى مضاعفات أثناء تعرض المسافر المريض للجو في حالة الطيران,.
وعن مرض السكري قال الأستاذ سعيد السالم (موظف في الخطوط السعودية) عليهم أن يراعوا تنظيم أوقات الطعام والأفضل لهم الاستمرار على قائمة الطعام الموصوفة لهم بواسطة طبيبهم طوال أيام السفر كذلك ينصح بعدم التدخين أثناء الطيران لانه يكون شديد الضرر على المريض المسافر جواً، لأن وجود أول أكسيد الكربون في الدم نتيجة لعملية التدخين يقلل من قدرة الدم على حمل الأكسجين إلى انسجة الجسم بالإضافة إلى ان الأكسجين تنقص كميته في الدم نتيجة لانخفاض الضغط الجوي أثناء الطيران لذا فإن المريض المدخن في هذه الحالة يتعرض إلى نقص شديد في الأكسجين مما يسبب ضرراً كبيراً.
أما حالات الخوف من الطائرة فقال عنها السالم: كثيرة جداً وهي تختلف من شخص لآخر، وكذلك أسبابها وخلفيتها تختلف باختلاف عوامل كثيرة، ونحن نقابل على متن الطائرة مثل هذه العينات المصابة بهذا المرض النفسي,, والأفضل لهؤلاء مراجعة الطبيب النفسي,.
الخوف والتوكل
الشيخ عبدالعزيز العامر اعتبر التطير والتشاؤم من الأمور الجاهلية التي جاء الإسلام وحرمها وجعل التوكل على الله بديلاً عنها,, والخوف بهذا الشكل هو نوع من عدم التوكل على الله، فأمر المؤمن كله خير,, وفي الحديث أن رجلاً جاء للرسول صلى الله عليه وسلم يسأله عن امر ناقته هل يعقلها,, أم يتركها ويتوكل؟! فقال له صلى الله عليه وسلم : اعقلها وتوكل,, فالأخذ بالأسباب امر حثنا عليه الشارع والإيمان بعد ذلك بالقضاء والقدر من أركان الإيمان.
ورسولنا صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل: ما أصابك لم يكن ليخطئك,, وما أخطأك لم يكن ليصيبك وما يحدث لدى العامة من الناس بسبب سماعهم لخبر مفزع او كارثة وقعت مرده إلى ضعف في مفهوم الإيمان والتوكل على الله ولا شك أن ذلك مرده إلى انغماس بعض الناس في الدنيا وحب الشهوات,, وبالتالي خوفهم من الموت ومن ذكره ومسبباته,, والمؤمن لا يكره الموت ولا يحبه لذاته,, ولم يرد عن صحابة رسول الله ما نجده من الناس اليوم من ضعف في العقيدة والإيمان، فعلى المسلم ان يحتاط لأمره ويتوكل على الله، ولا بأس من الحزن على اخوانه المسلمين المنكوبين والدعاء لهم بظهر الغيب، والموت حق محتوم كما قال تعالى: كل نفس ذائقة الموت وقوله لكل أجل كتاب أما جزع بعض الناس من بعض وسائل المواصلات، كالطائرات وغيرها، فلعل لذلك أسباباً صحية أو نفسية لا نعلمها,, وإن كان ولابد من السفر لأمر فيه فائدة وفي غير معصية الله، فليتوكل المسافر على الله ويقرأ دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في سفره الله أكبر,, الله أكبر,, الله أكبر سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون,, اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل ,.
وإذا رجع من سفره زاد على ما سبق آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون .
|
|
|
|
|