| الثقافية
إنما الحيزيون والدردبيس
والطخا والنقاع والعلطبيس
والسبنتي والحفص والهيق
والهجرس والطرقسان والعسطوس
لغة تنفر المسامع منها
حين تُروى وتشمئز النفوس
(صفي الدين الحلي)
***
ثمة أقوم منا قد استخفهم ميراث قوم آخرين، كانوا قد صنعوه وفق آدابهم، فأحسنوا؛ لأنه منها وإليها يعود، فجاء هؤلاء فأخذوه كما هو وألصقوه على آدابنا فناءت به، إذ لا تلتقي عجمة وبيان كما لا يلتقي شرق وغرب,.
وارفع عن ذهنك أخي القارىء بعض اساتيذ أخذوا عن الغرب وثقافة الغرب أجود ما فيه، ثم طوعوا ما أخذوا لخدمة أدبنا فجاءوا بالماتع المفيد,, فهؤلاء ليسوا معنيين بهذا الحديث، إنما المعني بعض المشتغلين بالنقد الحديث ممن كان فيه حاطبَ ليل ، قد جمع كلمة من هنا وكلمة من هناك، ثم طفق يلوي عنق اللغة كي توافق ما حطب، حتى إذ نظرتَ ثَم نظرت لا تجد إلا من يتكلم بكلامنا عن كلامنا بما ليس من كلامنا,,!
وانظر واحدهم إذ يقول محللاً قصيدة عربية الوجه واللسان:
نموذج يتوتر وينشحن ويولد تبئيراته ويصنع عوالمه عند نقط الانقلاب الحرجة، وعند التمفصلات الانكسارية حين الاشياء بين بين وهي في الآن نفسه لا هذا ولا ذك، إنه البرزخ والمنزلة المتلبسة والتوارد المختلط والشقي بالحد وهولحظة صبح الليل,,,
,, فما التمفصلات الانكسارية؟! وكيف يكون الشيء بين بين وهو في الآن نفسه لا هذا ولا ذاك؟
ولمَ لم يكن على الأقل لا هنا ولا هناك؟,, وما صبح الليل؟ وأي ميزان سمح له ب(التمفصلات) و(تبئيراته)؟!
وإليك قولَ آخر: أردت أن ألقي الضوء على ما يتراءى في حركة المتن اللغوي من الأشياء إلى المفاهيم أو العكس، لتتم الوقفة التي تتقرأ علائق الأشياء، وتبطن شيئاً من الوعي الشعري الذي يحدث عند اجتراح الكلمة لصمت الأشياء، فننظر إلى الصلة بين الوعي الإنساني والأشياء وما حوله من أشياء,, اي طلاسم تلك؟ ماذ ترك للسحرة والشياطين وصنّاع الألغاز والألاعيب البهلوانية؟ كيف يقول هذا الكلام أكاديمي معروف في أشهر مطبوعة سيارة لدينا، منذ ثلاث سنوات ثم لا يجد من يسائله: ماذا تقول يا أخا العرب؟
ثم إليك المزيد، حتى ترى أنه لم يعد النقد فناً مسنوداً بذخيرة ثقافية، بل غدا مهارة صفصفة الكلمات بأسلوب القص واللصق كيفما اختلف، يقول ناقد محلي:
ثمة كاتب هنا يرسل كتابة متحولة تعيد تشكيل اللغة المفخخة بوشي التشبيه وخطف الاستعارة نحو لغة مرتحلة بهموم السائد المعايشي, والهدف هو التشابك بين مسرح الكلام (القصة) وهذه الذات المرسلة والمتشابهة مع الكل لذلك كان التقطيع ابتداءً عبر خصوصية السيري ومحورية هاجس الخصوصية هو طغيان النزعة الفردية لمصادر الشخصيات كما سنرى لاحقاً .
ولا تتوهم أنك سترى شيئاً لاحقاً، إنما هو يداعبك فقط ليعود فيقول: حيث نجد الحكايات تتضمن وفرة التفصيل والتي تنتج بالتأكيد الكثير من الوظائف الظاهرة والمضمرة عبر ثنايا النص انطلاقاً من أن الكلام المنطوق يمتلك هو الآخر الشفافية الكتابية داخل الصوت وداخل اللغة .
هل دار كل هذه الدورة من أجل أن يقول: إن القصة تتضمن أحداثاً، أم أن ثمة شيئا أعظم لا ندريه؟
وما معنى التعويذة الأخيرة: الكلام المنطوق هو الآخر يمتلك الشفافية داخل الصوت وداخل اللغة ؟ وما الذي يدعوه لذكر كلمة (هوالآخر) وما من (أول) يعطف عليه؟ وأي جدوى لأن يقول: داخل اللغة وما من كلام يقع خارجها؟!
وهكذا,, تظل تبحث عن الدلالة في خضم هذه الأسلاك الشائكة فلا تجد شيئاً، هذا في الوقت الذي يصك سمعك هؤلاء، بأن ثمة دالاً ومدلولاً، ورسالةً ومرسلاً ومرسَلاً إليه، وربما لم يتأكدوا بعد من فهمك لهذه القضية فأخذوا يرسمونك أنت (دائرة) ويرسمون الشاعر (دائرةً) أخرى ويجعلون القصيدة (سهماً) يطير منه إليك!,, على أنهم حتى وإن أسرفوا في النص على هذه القضية وهي من مسلمات الشداة لو عدت تبحث في كلامهم عن تطبيق ما قالوا لما وجدتَه، إن هي إلا معمعات وتهويمات يتبارى فيها القوم,.
ولا تتوهم ان سبب هذا الغموض علم كبير فما هو إلا العجز الأكبر، فالكلمات عربية كما رأيتَ ولكنك لا تستطيع أن تفهم منها شيئاً لأنها ركبت تركيباً اعجمياً,, وقد تتساءل: ما الذي يدعو هؤلاء إلى هذه الحذلقة؟,, إن الذي يدعوهم لهذا، هو علم الواحد منهم أنه متى أخلى مقاله من هذه المعابثات اللفظية صار أفرغ من فؤاد أم موسى لأنه غالباً لا معلومة فيه فأنى له بعد ذلك التثاقف في المحافل؟!
,, لقد عَهدنا النقد يُفهم ولا يُبهِم، وعهدنا النقاد يأخذون بأيدينا إلى روعة البيان وشهد الإبداع، ولربما صفقنا طرباً لقصيدة مرت علينا قبل تحليلهم مروراً عابراً، فإذا بهؤلاء يكدرون علينا إبداعاً هم ناقدوه!,,, وإذا بهم إذ أرادوا أن يُكحلوه أعموه، حتى إنك لتقرأ قصيدة فتعجبك ولا تفتأ تعيدها مترنماً بها، فإذا ما قرأت لها تحليلاً من اشباه هؤلاء شتمتَ الحبر الذي كُتبت به!
فإذا ما عييت من النقد، واتجهت إلى الأدب وجدته يسير مسار النقد، ربما احتجاجاً على سوء ما هو به صانع، فأعلن أن (بيده لا بيد عمرو)!، فذا أحدهم يقول:
أنام (جميعاً),, وليس بقربي أحد!
ننام (وحيداً),, فأذهل من كثرتي،
وجهلي ب(كم) العدد!
فما كنتُ لي,, ذات يوم حيث كان الجميع لهم
ولكنني كنت وحدي,, كثيراً أفيض بهم
فكيف سأعثر يوماً عليّ، وكيف سألمحني من بينهم؟!
هذا ما يقوله شاعر (!) في مجلة ثقافية عربية (!),, ولكن لا تلمه، لعله فتش في التاريخ عن شخصية يتناص معها فلم يجدإلا هبنّقة وكلمته المأثورة: أنت أنا فمَن أنا؟ !!,, غير أنه أحسن على أي حال بقطعه الطريق على هواة تكسير الكلام إذ لن يجدوا في قصيدته ما يزيدون عليه.
* * *
وبعد:
فإن البيان إرث عربي تليد، وهو على ما توصف به لغة، فبه أثنى القرآن الكريم على اللغة العربية، وما كان العي والتعمية والإلغاز يوماً فخراً لمفتخر، فما العجمة وليُّ اللسان إلا من سمات لغاتٍ أخر، لو علم الله فيها خيراً لما قدّم العربية عليها وجعلها لغة كتابنا ولغة جنتنا.
ولئن بقيت صحفنا تعج بمثل هذه الألغاز فلبئس الوارثون نحن، ولبئس حاملو أمانة الإرث إلى الأجيال القادمة.
|
|
|
|
|