| المجتمـع
*تحقيق:فوزية الشدادي الحربي
عندما تفاجأ ذات مساء بأنك سرقت فماذا عساك تفعل بالتأكيد سوف تقيم الدنيا وتقعدها وعندما تصادف في الطريق احدهم يدخل يده في جيب صديقك ويستحل كل ما فيه وصديقك راض ومسرور فما عساك قائل حتما ستتهمه بالجنون والسذاجة, هذه الصور طبق الاصل من حالة اولئك المترددين على المعالجين الشعبيين وبائعي الزيوت المزورين والمرتزقين من الالم والاهات، الذين يزيد تكاليف التردد عليهم عن اسعار اغلى المستشفيات.
(الجزيرة) تابعت العديد من هؤلاء ولكن كان تركيزنا على جانب النساء وهو الجانب الذي تكثر فيه الدعاية والتصديق بكل ما هو مثير.
ففي الاوساط النسائية كثر الحديث عن بعض (الحريم) اللائي يمارسن القراءة على السيدات وبيع الماء المقروء فيه والزيت وغيره.
ولكم وللقانون هذه الجولة الخاصة.
في البداية كان المكان الذي ذهبنا له خاصا بسيدة كبيرة بالعمر وكفيفة البصر تسكن في ارقى احياء الرياض بفلة وارفة الظلال تستقبلك الخادمة بكرت مكتوب عليه رقم ثم ندخل لخيمة كبيرة وأنيقة تصطف بها الكراسي, كان المكان مليئا بالنسوة,, كل زائرة لا بد ان تدفع خمسين ريالا فقط للقراءة والنفث السريع اما الجالسات الخاصة فتتراوح بين ثلاثمائة الى خمسمائة.
احدى السيدات والمترددة على هذه العجوز تقول منذ عامين وأنا اتردد عليها تقرأ علي القرآن بجلسة خاصة وقد صرفت على زياراتي لها اكثر من ثلاثة الاف ريال ما بين زيارة وأدوية.
وتقول السيدة انها عرفتها عن طريق احدى الصديقات التي كانت تتردد عليها في الماضي وقالت انها شاطرة في العلاج وأنا اتردد عليها ولكن الى الان حالتي ما زالت كما هي فأنا اعاني من اكتئاب وقلة في النوم.
الاخت م, س سألناها عن الجلسات الخاصة ماذا يتم فيها قالت: تقرأ علي بشكل اطول وعلى مهلها واذا احتاج الامر تدهن بزيت مقروء فيه ويمكن ان تستمع لشكوتي وتساعدني في اعطاء الحلول.
ولكن مم تشتكين؟؟
اشعر بكسل ولا اريد ان اعمل شيئا في بيتي مع بعض الآلام المتفرقة في جسمي وسمعت عن الخالة وأنا اتردد عليها منذ ثلاثة اشهر شعرت بشيء بسيط من التحسن,, في البداية كنت ادفع لها فقط خمسين ريالا ولكن الان اطلب جلسة خاصة بمئتين وخمسين ريالا.
اثناء تواجدنا في الخيمة قرأت المطوعة بعض الآيات القرآنية فقامت احدى الحاضرات بالصراخ الشديد حتى ان اغلب الحاضرات هربن من الخيمة فطلبت المطوعة من العاملة احضار المرأة وطلبت عصا وأخذت تنهال على المرأة ضربا ثم طلبت منها قيمة الضرب والبالغة حوالي خمسمائة ريال.
في مكان آخر في وسط المباسط النسائية يوجد مكان مميز على هيئة غرفة جدرانها من القماش هناك توجد سيدة كبيرة في السن ايضا لديها عاملة آسيوية تساعدها في اخراج الادوية من الشنطة الحديدية ذات الرائحة النفاثة تجلس العجوز على كرسي من نايلون والنسوة يتحلقن حولها ورغم صغر المكان ورداءة ضوئه الا ان الزائرات كثيرات.
السيدة القريبة منها قالت لها لم انجب منذ ستة اعوام وبدون ان تكلف نفسها عناء الكشف طلبت من العاملة احضار دواء وكانت قيمته اربعمائة ريال رغم صغر حجمه.
احدى السيدات كانت تحمل بين يديها طفلا ذا اربع سنوات قالت للعجوز طفلي لم يمش حتى الان فما كان منها الا ان تحسست قدمي الطفل وأعطتها زيت زيتون بمائة وخمسين ريالا حيث لا يتعدى سعره في المحلات عشرة ريالات.
كان في الانتظار احدى السيدات وزوجها وكانت محرجة جدا وعندما انصرف اغلب الحاضرات دخلت على العجوز وطلبت منها بكل وجل ارجاع فلوسها لأن زوجها يحتاج الفلوس وكان المبلغ خمسمائة ريال وردت العجوز المبلغ بعد ان توسط النسوة لها.
(الجزيرة) استطاعت استدراج العجوز للقاء غير معلن:
* كيف تعلمت علم الاعشاب؟
تعلمته من الوالدة رحمها الله حيث كنت اساعدها في تنظيف الدواء وتجفيفه وطحنه وكنت ارى الوالدة وهي تكوي النساء لكن انا لا اكوي.
* نعلم انك كنت تكوين؟
نعم سابقا ولكن اليوم اخاف لأنني كويت سيدة وكانت مصابة بغرغرينة وكادت ان تموت لولا رحمة الله بها وبي وبعدها تركت الكي.
* هل تعملين بتصريح للعلاج؟
لا ولكن منحتني البلدية (بسطة) لأبيع فيها وعملية بيع الاعشاب من ضمن البضاعة.
* وأيهما مربح اكثر بيع الحناء والقماش أم بيع الادوية؟
بصراحة بدون مقارنة بيع الادوية يدخل علي يوميا من الفين الى ثلاثة الاف حيث ان دواء العقم يبلغ سعره الفا وخمسمائة.
* كيف تستطعين تحديد الدواء بدون كشف وتحاليل؟
خبرتي طويلة في هذا المجال بالاضافة إلى أن المريض يخبرني بنتيجة تحاليله للتأكد.
* وهل عملك مقتصر في البسطة او انك تخرجين للبيوت؟
بعض الرجال حريص جدا على عدم خروج زوجته من البيت لذلك اضطر للخروج معه ولكن بسيارتي معي السواق وشغالة وخروجي بمائة ريال غير قيمة الدواء.
احدى (البساطات) المجاورة للعجوز تقول عندما جاءت ام (,,) كانت لا تفرق بين الكمون والدارسين وبعد فترة بسيطة اصبح كل النساء يسألن عنها,, فعلا الدنيا حظوظ.
سيدة من دولة عربية حفظت الدرس جيدا فقامت بعمل اوراق مكتوبة بخط سيىء وصورتها ونشرتها كدعاية غير مكلفة لها تقوم بعملية (المرخ) يطلق هذا المسمى على عملية دهن الاماكن المريضة بالجسم بزيت دافىء اتصلت عليها وذهبت مع بعض الصديقات كانت تسكن دورا ارضيا وعيادتها في ملحق عبارة عن غرفة صغيرة متسخة ليس بها سوى فرشة قذرة وشرشف اقذر والكثير من علب زيت الزيتون الفارغة وعلب مياه معدنية وبعض الاسفنج وليفة وولاعة غاز (حيث تقوم باشعال النار في الليفة لتمررها على الجزء المراد دهنه بالزيت) وباب الملحق من الخشب المهترى وفي الخارج صفت كراسي من النايلون للانتظار.
كانت السيدة تطلب من كل زائرة مبلغ خمسين ريالا وكل زيارة خمسين اخرى فتقول اعالج عقم النساء بدواء اعمله بنفسي من زيت بري وعسل اصلي فقط بستمائة ريال وغيري يبيعه بألف ريال اما عقم الرجال فدواؤه بألف ريال لأنه مكلف اكثر,, اما تدليك المواليد والكبار فقط بخمسين ريالا.
احدى المترددات عليها تقول لدي مشكلة في العمود الفقري ولكن لم ألحظ تحسناً ولكنها تقول لي لا بد من الصبر وسوف انتظر لعل الله يفرجها فقد دفعت لأحد المستشفيات اكثر من عشرة الاف ولم اتحسن.
كلمة المحررة:
عندما اتيحت لي الفرصة لرؤية كل هذا شعرت بالاحباط الشديد لأنني كنت اعتقد ان مجتمعنا بدأ في تغيير كل المعتقدات القديمة والتي يحكمها الجهل والتخلف ولكن ان ترى سيدة متعلمة تذهب لعجوز كفيفة لتعالج ابنها المشلول تاركة وراءها صروح المستشفيات الضخمة المزودة بأحدث ما توصل له العلم من اجهزة حديثة, تحبط عندما ترى التلاعب بعقول المتشوقة لطفل صغير فتبيعها كمونا واعشابا بألف ريال, ولكن تقع المسؤولية على الاجهزة المختصة المكلفة بتتبع مثل هذه التجاوزات بالاضافة لمسؤولية الاعلام في التوعية والدعوة لمحاربة مثل هذه التجارة التي تعتبر محرمة وسرقة في وضح النهار.
|
|
|
|
|