| مقـالات
يحتفل العالم هذا الأسبوع بالأسبوع الدولي لتعليم الكبار الذي يبدأ في 10/6/1421ه الموافق 8/9/2000م, كما ان العالم يحتفل في كل عام باليوم العالمي لتعليم الكبار في الثامن من سبتمبر.
وقد خصصت جميع الدول هذا الأسبوع للاحتفال بتعليم الكبار وإبراز أهميته ودوره القوي في التربية والتعليم وفي تنمية المجتمعات بجميع اشكالها وألوانها وطبقاتها واتجاهاتها.
لقد اصبح تعليم الكبار منذ مدة علما تخصصيا ذا منهجية علمية وأصبح يتمتع بفلسفات ونظريات حصرية, كما اجريت الكثير من الدراسات والبحوث في جميع أرجاء العالم التي تبحث في هذا العلم وهذا المجال حتى اكتشفت أهميته وتأثيره على مسيرة الأفراد التدريبية والتعليمية والحياتية المستمرة, وألفت في هذا العلم الكثير من الكتب على أيدي علماء أجانب وعرب بارزين فيه مهتمين بشؤونه.
وأصبح يدرس في الجامعات الأمريكية والغربية منذ فترات مبكرة من هذا القرن, وبمناسبة الأسبوع الدولي لتعليم الكبار نستعرض بعضا من أوضاعه في الدول العربية وحيث يتداخل مفهوم التعليم المستمر او التربية المستمرة في أنظمة التعليم في البلاد العربية مع مفهوم محو الأمية في البلاد العربية حيث ان مفهوم التربية المستمرة ما زال في مرحلة التجريب والبحث والدراسة ويمكن ان يعزى ذلك الى أن مشكلة الأمية في البلاد العربية تحتل مركز الاهتمام والتركيز نظرا لضخامة حجمها واستنزافها للطاقات البشرية والمادية.
ذكرت ذلك دراسة لسياسات البحث التربوي وأولوياته وخططه في مجال محو الأمية وتعليم الكبار, وقالت الدراسة ان مراجعة التجارب والخبرات العربية المتعلقة بمحو الأمية وتعليم الكبار تقودنا الى تسجيل عدد من الملاحظات والأفكار والحقائق منها:
أن الأمية في مفهومها الحديث عند المجتمعات المعاصرة ليست أمية ابجدية وإنما هي أمية ثقافية حضارية وبالتالي تشكل تحديا أو عائقا أمام المجتمعات في سعيها لبلوغ آفاق التنمية الاجتماعية والاقتصادية من منظور ان الإنسان هو مفتاح التنمية واداتها وغايتها.
لقد اتضح جليا لأقطار العالم كافة وللأقطار العربية على وجه الخصوص ان التنمية الحقيقية لا يمكن ان تنطلق مسيرتها وتعلم منافعها على قاعدة من الأمية المتفشية.
ان المجتمع المتعلم إنما هو حصيلة جهد علمي منظم ويعتمد خطة منهجية متكاملة وشاملة في تربية ابنائه وان مثل هذا المجتمع إنما يعكس مدى الالتزام السياسي والأخلاقي عند قيادته ويترجم مدى صدقها وإيمانها بالإنسان وسيلة وغاية وقيمة.
إن اية مجهودات تبذلها أنظمة التعليم التقليدية في مجال محو الأمية وتعليم الكبار تبقى جهودا عشوائية ومبعثرة وترقيعية ما لم تتم في إطار نظام متكامل للتعليم مدى الحياة والتربية المستمرة.
أن أية مجهودات تبذلها الدول لمحو الأمية وتعليم الكبار لا بد وان يصاحبها يقظة مجتمعية ومشاركة شعبية ودعم مالي وفني لضمان بلوغ هذه المجهودات لأهدافها بكفاءة وفعالية.
وتذكر الدراسة ان هذه الأفكار والملاحظات والحقائق تقودنا الى عدد من المسلمات والتصورات المستقبلية ومنها:
ان اية خطط للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية لا تأخذ في اعتبارها التنمية التربوية سواء على مستوى التعليم العام أو في مجال محو الأمية وتعليم الكبار على أساس متكامل وتكون قاصرة عن إدراك المضمون الحقيقي للتنمية ألا وهو الإنسان.
ان أية استراتيجية مقترحة على المستوى العربي او الاقليمي لمحو الامية وتعليم الكبار لا يمكن ان يكتب لها النجاح إذا لم ترتق الى مستوى القضية المصيرية والمواجهة الحاسمة وما لم يتم دعمها بالقرار السياسي الشجاع والدعم المالي المناسب.
ان النمطية والشكلية والجمود التي تتصف بها أنظمة التعليم التقليدية والثنائية في هذه الأنظمة التي تصنف التعليم الى تعليم للصغار وآخر للكبار وتعليم نظامي وآخر غير نظامي وتعليم صباحي وآخر مسائي وتعليم من الدرجة الأولى وآخر من الدرجة الثانية وما يرافق هذه النمطية والثنائية من جمود وتصلب في أنظمة القبول والانتقال وتصنيف الطلاب والنجاح والامتحانات لها آثار سلبية على أية جهود تبذل للتصدي لمشكلة الأمية وتقف حائلا دون تنفيذ أية برامج جدية لمحو الأمية وتعليم الكبار.
ان أنظمة التعليم الحديثة القادرة على الاستجابة للأولويات والاحتياجات التربوية هي تلك الأنظمة التي تتصف بالحداثة والتجديد والمرونة وتوفير البدائل للمتعلمين صغارا أو كبارا وهي التي تزيل الحواجز والأسوار بين المدرسة النظامية ومدرسة الحياة او العمل وهي التي تطوع الأنظمة والقوانين والتعليمات التي تيسر فرص التعليم للجميع والنجاح للجميع, ان مثل هذه الأنظمة هي وحدها القادرة على صياغة المجتمع المتعلم مدى الحياة.
أن رسوب وتسرب الطلبة في أنظمة التعليم التقليدية يشكلان رافدا قويا ومستمرا للأمية وعلى هذا الأساس فإن أية استراتيجية لمحو الأمية وتعليم الكبار في البلاد العربية يجب ان تأخذ في الاعتبار سد منابع الأمية وتجفيف مصادرها وذلك باعتماد سياسة تربوية حديثة لا تكبلها الأنظمة والتعليمات والإجراءات الإدارية البالية، ومن خلال برنامج متكامل لتعميم التعليم على جميع المستويات وتوفير الفرص التعليمية المتكافئة للفئات التي حالت ظروفهم دون الانتفاع من فرص التعليم الرسمي, ومما يجدر ذكره هنا ان البحوث والدراسات التربوية التي اجريت في البلاد العربية قد كشفت عن وجود اهدار تربوي ومالي وقد عُزي ذلك الى حالات التسرب والرسوب والى نظم الامتحانات المعمول بها وإلى الإدارة التربوية غير الناجعة.
وقد لفت تقرير للأمم المتحدة عن التنمية الإنسانية في العالم خلال النصف الأول من العام 1997م الاهتمام الى موقع الوطن العربي السيىء في جدول معدل الحياة للإنسان في مختلف المجتمعات الإنسانية مشيرا الى ان هذا المعدل هو الأقل بأحد عشر عاما من معدل الحياة في الدول الصناعية المتقدمة,
وأبان التقرير الذي يعتبر الأمية نوعا من الفقر الإنساني ان معدل نسبة الأمية بين العرب هي 54,7 بالمائة مستغربا من ان 40 بالمائة فقط من النساء العربيات يمكنهن القراءة والكتابة, ولاحظ تقرير الأمم المتحدة عن برنامجها للتنمية الإنسانية ان الدخل الفردي للفلسطينيين في اراضيهم المحتلة انخفض بنسبة 25 بالمائة منذ العام 1992 في الوقت الذي يعيش ثلثا الفلسطينيين في اراضيهم المحتلة تحت مستوى خط الفقر, وكان البنك الدولي حدد خطين للفقر اولهما خط الفقر العام وهو ما يتشكل عند دخل مقداره 370 دولاراً للفرد سنويا والثاني خط الفقر الحاد عند دخل للفرد مقداره 275 دولارا سنويا,
ويبدو ان تقرير الأمم المتحدة قد ربط الأمية بالمستوى المعيشي والاقتصادي للفرد وهذا بدون شك من مساوىء الأمية ونتائجها الخطيرة على الأفراد والمجتمعات,
نأمل من الله ان يتخلص العالم العربي من أمراض الأمية والفقر والجهل لكي يأخذ حظه بين المجتمعات العالمية ويستمر في خططه التنموية بدون عوائق من المفترض ان يكون قد تخلص منها منذ وقت طويل.
وقد بدأ التلفزيون السعودي في بادرة جيدة بث تقارير عن الأسبوع الدولي لتعليم الكبار تتحدث عن إنجازات المملكة في هذا المجال وتنبه الناس الى أهمية القضاء على الأمية وتحثهم على التوجه الى مراكز محو الأمية لمن لم يتعلم منهم وعلى الاستمرار في التعليم لمن كان متعلما منهم.
نشكر التلفزيون على هذه البادرة ونتمنى ان تستمر طيلة أيام السنة والا تقتصر على هذا الأسبوع, بل تكون كالإعلانات التي يبثها التلفزيون وذلك من خلال ثوان بسيطة وفي أقل من نصف دقيقة تنبه لخطر الأمية وتحث على التعلم وسيكون مردودها إن شاء الله إيجابيا وكبيرا وستكون عاملا مساعدا للقضاء على ما تبقى من أمية في بلدنا الطيب, وعلى الله الاتكال.
(* ) كلية التربية بجامعة الملك سعود
|
|
|
|
|