| منوعـات
لا تتدخل في ما لا يعنيك، كانت هذه آخر نصيحة سمعتها من والدي رحمه الله ولكني بقيت طوال سنوات عمري اسمعها من أناس آخرين وهي تتكرر دون توقف في حياتنا حتى فقدت هي وكثير من النصائح أو الأقوال المشهورة قيمتها، وهذه النصائح مثل معرفة إشارات المرور ورموزه، او كتعليمات السلامة، نقرأها بدون انتباه وكأنها لا تعنينا حتى يقع الفأس في الرأس، نتذكرها فإذا كانت ذاكرة المرء قوية واستفاد منها في الوقت الحرج أخذ يتغنى بها ويروج لها ويصبح من دعاتها، ولكن الحياة كما نعرف لا تقوم في مجملها على التجارب وإنما على التعميم، فليس من الضرورة ان تمر بتجربة غرق حتى تتعلم السباحة أو تعرف قيمتها أو تمر بتجربة حريق حتى تتعلم كيف تستخدم طفايات الحريق, هذه بالضبط ما يميز الإنسان عن الحيوان لذا فالإنسان يستطيع ان يتقدم في سلك المغامرة لأن لديه تجارب غيره مخزونة في جهازه العصبي تجارب الآخرين .
لا تتدخل في ما لا يعنيك.
كنت في مطار لندن أجلس في الصالة في انتظار رحلتي، فأشعل الذي أمامي سيجارة، نهضت وتوجهت إليه وطلبت منه بكل أدب أن يطفئها لأننا في مكان يحظر فيه التدخين، الحقيقة لم أتبصر الأمر جيداً فقد كنت حينها أظن ان الناس متمدنين مثلي ومثلك عزيزي القارئ ولم أتأمل في الشاب الذي كان أمامي جيداً، فرفع الرجل عينه وغرسها في عيني بعد أن مكّ من سجارته مكّة كاد يشفطني معها، وقال كلمة لا أستطيع أن أذكرها ولكنها قريبة من قولة تلايط علي,, كاد الغضب يعصف بي ويعميني عن حقيقة الموقف، ولكن من حسن حظي ان وقعت عيناي على زنده فاكتشفت في لحظة خاطفة أن زنده أكبر من زندي ثلاث مرات، فكان هذا المرأى كافياً لأن يثبّت قلبي على الحق، عندها بلعت ريقي أو ما تبقى منه وتعوّذت من الشيطان الرجيم وتركت جسدي يتدافع إلى الخلف حتى وصلت إلى مقعدي فانهار ثقلي على الكرسي بجاذبية مضاعفة، وسكتُّ سكتة واحدة حتى اعلن المذيع الداخلي موعد الصعود للطائرة.
سبع ساعات في الطائرة وأنا أتأمل في ما جرى وأخيراً توصلت إلى شيء كان يجب ان أعرفه طوال حياتي وهو ببساطة لا تتدخل في ما لا يعنيك .
وهذه الفلسفة بسيطة ولكن الإنسان في كثير من الأحيان لا يتأمل في الأشياء البسيطة، لا يوليها انتباها كافيا، فالعالم لم يعد قرية يساعد فيها الإنسان أخوه الإنسان وأقلها بالنصح والارشاد، فعالم اليوم عالم في غاية التخصص فلا مكان فيه لذهنية أبناء القرية الطيبين.
لمراسلة الكاتب yara4me@ yahoo.com
|
|
|
|
|