| العالم اليوم
تجهد سوريا لاظهار حيادها ازاء الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في لبنان والتي حققت المعارضة فيها فوزا لا يستهان به، وذلك عبر امتناعها عن اتخاذ موقف علني من مختلف القوى السياسية اللبنانية.
وأكد مصدر سوري مطلع ان سوريا تحترم ارادة الشعب اللبناني وقراره وليس لها أي ممثل في لبنان الا المخلصين في مسيرة الوفاق والحفاظ على الانتصار في الجنوب, وقال المصدر: ان سوريا ليست مع هذا الطرف أو ذاك وانما مع الخيار الوطني الذي سلكه لبنان منذ العام 1984م ومصلحة سوريا تكمن في استمرار هذا الخيار وتعميقه.
من جهته، رأى دبلوماسي غربي في دمشق انه يوجد بلا شك اسلوب جديد في التعامل مع لبنان منذ وصول الرئيس بشار الأسد الى السلطة بعد وفاة والده في 10 يونيو الماضي,
وكان الرئيس السوري الجديد أشار الى ذلك في أول خطاب ألقاه في 17 يوليو الماضي, وأضاف الدبلوماسي: منذ بعض الوقت، تعطي سوريا انطباعا بأنها خففت من تدخلاتها في الشؤون اللبنانية وتسعى الى تطبيع العلاقات مع هذا البلد.
واعطى مثالا على ذلك قلة الزيارات التي يقوم بها المسؤولون اللبنانيون الى دمشق مقارنة مع السابق, ورأى الدبلوماسي ان لا أساس للتعليقات التي تشير الى ان فوز رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري كان انتصارا على سوريا وأكد في هذا السياق ان هذا الأمر لا معنى له خصوصا وان الحريري يملك منزلا خاصا في دمشق وكثيرا ما يقوم بزيارة المدينة, وتسري توقعات بأن الحريري الذي بنى ثروته في مجال العقارات سيكون رئيس الوزراء المقبل.
وبدوره، قال دبلوماسي عربي ان لا شيء يمنع قيام تعاون بين سوريا والحريري الذي سبق ان تولى رئاسة الوزراء بين عامي 1992و1998م, وأكد المصدر السوري المطلع انه ليس لسوريا أي فيتو على أي شخص وتعيين رئيس الوزراء في لبنان هو نتيجة توافق بين الرئاسات اللبنانية كلها وهناك تقاليد دستورية يحرص اللبنانيون عليها, والأمر سيحصل نتيجة الوفاق الوطني.
وكان وزير الخارجية السوري فاروق الشرع أكد الاثنين الماضي ان بلاده لا تنوي التدخل في اختيار رئيس للوزراءفي لبنان, وأثناء الانتخابات في لبنان، التزمت وسائل الاعلام السورية حيادا مطلقا واكتفت باعلان النتائج والاشادة بالأجواء الديموقراطية,
وكتبت صحيفة البعث لسان حال الحزب الحاكم غداة اعلان النتائج ان سوريا تنظر الى نتائج الانتخابات اللبنانية نظرة ايجابية وترى ان أمام لبنان ومجلسه النيابي المنتخب مهاما جسيمة لتعزيز مسيرة الوفاق الوطني وارتقاء الوضع الاقتصادي والحفاظ على الانتصار الذي حققته المقاومة الباسلة في الجنوب,
من جهته، بدا الحريري متحفظا وأعتبر ان احتمال عودته الى السلطة سابق لاوانه ودعا الى قيام علاقات أفضل مع دمشق.
وفي بيروت يقول محللون ان اللبنانيين يعلقون آمالا كبيرة على رفيق الحريري في اصلاح بلادهم اقتصاديا وسياسيا واعادة الرخاء اليها اذا عاد رئيسا للوزراء لدرجة ان خبراء يعتقدون ان تخفيف هذه التطلعات يجب ان تكون مهمته الأولى.
يتأهب الحريري رجل الأعمال الميلياردير الذي قاد عملية اعادة الأعمار في منتصف التسعينات وأثقل اقتصاد لبنان بدين ضخم للعودة للسلطة بعد فوز كاسح لقائمته في بيروت شمل في دوائر العاصمة التسعة عشرة.
ويبدو انه حصل على الموافقة المطلوبة من سوريا صاحبة النفوذ في لبنان بعد أن أعلنت دمشق الثلاثاء ان الرئيس اللبناني اميل لحود لا يفرق بين الفائزين في الانتخابات, ومعروف عن لحود كراهيته للحريري وانه دبر اقالته عن السلطة في عام 1998م, وقال محللون ان فوز الحريري وأنصاره يعكس سخطا شعبيا على تدني الوضع الاقتصادي في عهد حكومة سليم الحص التي ستتنحى.
تولى الحص السياسي المخضرم الذي يوصف بأنه نزيه ولكنه غير نشط وينقصه الحزم الحكم وسط آمال بأنه يمكن ان يخفف من وطأة الدين ويكافح الفساد الذي يزعم مواطنون انه استشرى أثناء حكم الحريري الذي استمر ستة أعوام.
ولكن لما ازداد الاقتصاد سوءا وتفاقمت الأحوال المعيشية وتنبأ مستثمرون ان لبنان سيواجه مستقبلا كئيبا اتجه الناس الى الحريري, قال مارو سيرويس رئيس تحرير صحيفة ديلي ستار التي تصدر بالانجليزية: أظهرت الانتخابات بكل وضوح ان أغلب اللبنانيين يرون ان الحكومة المتنحية كانت فاشلة تماما.
كانت فترة الحريري كرئيس للوزراء ليست خالية من العيوب ولكنه حقق انجازات كثيرة ولذلك تسعد عودته كثيرين, أسس الحرير الذي جمع ثروة طائلة من مقاولات البناء شركة سوليدير احدى أكبر الشركات في الشرق الأوسط لاعادة أعمار وسط بيروت الذي دمرته الحرب الأهلية التي احتدمت في لبنان من 1975 الى 1990م,
وبفضل سياسته في الاقتراض لتمويل مشروعات الأعمار انتعش الاقتصاد وحظي بالثناء في البداية, ولكن بتراكم الديون بدأ نجم الحريري يأفل, وقال جهاد الخازن الكاتب بصحيفة الحياة انه يجب على الحريري ان يتوخى الحذر حتى لا يكون مصيره مثل الحص, واضاف: المهم اليوم وقد أعطت بيروت رفيق الحريري مجدها ألا تطلع نشوة الفوز في رأسه, فهو بحاجة الى ابقاء رجليه الاثنين على الأرض حتى لا يأتي يوم ينقض عليه الناخبون كما فعلوا بحكومة الحص.
والمشكلة مع فوز الحريري ان التوقعات بحجمه ولذلك فالمطلوب اذا عاد الى رئاسة الوزارة خفض توقعات الناس, ان المشكلة الاقتصادية أكبر من أن يحلها رجل واحد والحريري قادر الا انه لا يملك عصا سحرية وزمن المعجزات قد ولى.
وقد حدد الحريري برنامجا للاصلاح الاقتصادي أساسه زيادة العائدات عن طريق تنشيط النمو, وأثلج صدر ملايين احتمال عودة الحريري, ولكن محللين يقولون انه اذا تولى هذا الميليادير صاحب النفوذ السلطة فيجب عليه ان يركز على اصلاح الساحة السياسية الطائفية في لبنان اذا أراد ارضاء الناخبين.
ويقول محللون انه يجب على لحود والحريري ان ينبذا خلافاتهما والعمل سويا دون عودة نظام السلطة الثلاثي الترويكا الذي يمكن ان يصيب لبنان بالشلل.
ويذكر ان كثيرا من الأزمات السياسية في لبنان بعد الحرب الأهلية نجمت من صراعات بين الرئيس الماروني ورئيس الوزراء السني ورئيس البرلمان الشيعي, ويقول محللون ان فوز الحريري السياسي قد يرفع من مكانة لبنان دوليا ويقويه في أي مفاوضات سلام مع اسرائيل, ولكنهم يجادلون ان عليه أولا القيام بمهمة شبه مستحيلة ألا وهي اقناع سوريا التي لها 35 ألف جندي في لبنان.
|
|
|
|
|