أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 7th September,2000العدد:10206الطبعةالاولـيالخميس 9 ,جمادى الثانية 1421

محليــات

لما هو آتٍ
د, خيرية إبراهيم السقاف
لكِ وحدكِ (36)
ها أنذا إليكِ,,.
فأينكِ؟!,,.
وقد صَمتِّ للحظات,,, تمطىَّ فيها الزمن,,, حتى حسبتُ أنه لن ينقطع,,,؟!,,.
تذكَّرتُ أنكِ علَّمتِنيِ كيف أُحضِرُكِ من غيبةِ الصمَّتِ، ورهبةِ التَّأمُّلِ,,,؟ كما علَّمتِني أن التأمَّلَ منتهَى درجات الانتشاء,,.
وباباً إلى الإرتقاء,,.
أتذكرين,,,؟ تلك الأوقات التي كانت تمرُّ بنا وأنتِ في كامل تأمُّلكِ، ومنتهى صمتكِ,,, وبليغ تعبيرك,,.
وأنتِ التي تحبين أن تكوني إليَّ,,, في تلك اللحظات لا تبالين إن غادرتُكِ دون أن تحتفي بي؟!
قلتِ أيضاً إن الصمتَ مع التأمل توأم المدى الذي لا يذوب,,, لا يتلاشى,,, وتستقر منه بصماتٌ أبدية تحضر في ذاكرة الحس قبل ذاكرة التذكر؟!,,.
كثيراً ما قرأتُ أسفارَكِ,,.
ودوماً أستردُّ في ثواني الثواني كلَّ بصمةٍ اقترفتِ رسمها في كلّ الكلّ حولي ومعي وفوقي وتحت مدى ناظري,,.
أينكِ وقد جئتِني بحنين إلى شىء مادي منكِ هو بسمتكِ تلك التي كانت لي أستاراً تفرشينها فوق هامتي فتتسرّبُ ندية تغطي جوفي قبل جسدي فأستكين إلى الفرح,,.
اللحظة جاءتني شفتاكِ من غياهب المدى,,.
تحركتا بكلماتٍ سمعتها وقرأتها وشربتها,,.
أجل فإنكِ علَّمتِني كيف أشرب ما أسمع,,, وأسمع ما أشرب,,, وكيف تتبادل الجوارح عملها,,.
أرسلتا لي ظلّهما بابتسامة تمادت حتى لم أعد أتبين من الكون إلا لونها وزخارفها كأنها الحرير والزهور والعطور وفوح البخور,,.
تذكرين كيف تحبين العطر والبخور؟,,, وتتركين دوماً رائحتكِ حيث تغادرين، وترسلينها قبل أن تأتي؟
هذه الرائحة تعمِّر كلَّ شيء في الكون,,, وتمنح الحياة نشوتها,,, وفرحتها,,, وبهجتها,,, أجل أنتِ كل شيء,,.
لكنكِ تعرفين كيف تنتزعين هذه الحقيقة كي تكون علامة الدرب لكلِّ درب في الحياة لأنكِ أقسم أنكِ كلُّ الحياة,,.
ها أنذا إليكِ,,, لأنكِ إليَّ,,.
وليس لأننا إلى بعضنا يبحث أحدنا عن الآخر خارجاً عنه,,.
لكن,,, المحاولة الوحيدة الجميلة التي أمارس التمتع بها هي أن أكون لكِ ومعكِ وعنكِ وبكِ في كلِّ لحظة من عمر اللحظة التي أمارس فيها شهيق الحياة وزفيرها,,.
وليس لأنَّكِ لست هنا أو أنني لست أكون أبحثُ عنكِ,,, فأنتِ لم تغادريني أبداً,,, فقط أكون ذاتيةً مطلقةَ الذاتية وأنا أكون إليكِ,,, لأنني أكون إليَّ في هذا,,.
كيف لا أشمخ وأنتِ شموخي,,.
كيف لا أفرح وأنتِ فرحي,,.
كيف لا أتباهى وأنت تكللِّين كلَّ شيء؟!
يحلو لي أن أشاكسكِ بالأسئلة,,.
أدري أنها لا تغيب عنكِ,,, وأن إجابتها كامنةٌ في غيب صدركِ,,, مدّركةٌ في جوف ذهنكِ,,, لكنني أرددها لأنني يحلو لي أن تشاركيني لحظةَ الدهشة، وثانيةَ التأمُّل,,, والأسئلةُ تجمعت حول حنجرتي قادمة من دروب الحياة، مقبلةً من دهاليز الأرض متخمةً بفعل الناس، مخنوقةً بهم,,.
كيف ينتصب الضوء والظلمة في صدر إنسان معاً؟ وكيف تستوي الكلمة دون حروفها فوق ألسنة أفعالهم,,,، وكيف يمشون وباطن أقدامهم عارية بخطوط مسارهم,,, وكيف يمدون أكفًّا لوَّنت خطوطُها نواياهم,,,، وكيف ترتسم البسمات فوق شفاههم المرتجفة بإشارات دواخلهم,,, وكيف,,, وكيف؟!
وأنتِ اللحظة تمدين يدكِ تمسحين على كتفي,,, تقولين: ألجمي تيار الأسئلة,,, ذلك لأنكِ قد علَّمتِني أن البشر غير قابلين للتطهير الكلي,,,، وأن الحياة تستحيل لها نبوءة التطهير البشري فيها على الاطلاق,,,، وأن ما يكدر يمكن أن يُطوى بعيداً عن مجرى التفكير، وأن الأسئلة التي تفجِّر الحزن يمكن رصدها في خزانة الانتظار عند حواف مجرى الأمل,,, ذلك لأن الأمل الذي لاينتهي يمكن أن يحلق في مركبة الخيال,,, وأن المدن التي لا تنشأ فوق الأرض، للحالمين أن ينشئوها كيفما وأينما ومتى يريدون؟! أو لم نبن معاً مدينة فارهة,,, سلَّمنا كلَّ الناس مفاتيحها وأذنَّا لهم بدخولها؟
أدري أنكِ تريدين مني أن أعتقل الأسئلة وأعرضها على بوتقة الخيال وأحوِّلها إلى رسائل أحلام، وأسلمها لحراس مدينتنا,,, ولسوف أفعل,,.
فقط لا تتأخري,,.
أقف اللحظة عند شارفة الدرب,,.
أسمع وقعكِ,,.
جاءتني عطوركِ ورائحة بخوركِ,,.
ولسوف أشرب حتى أرتوي,,.
ولسوف أكون إليكِ في منتهى الفرح,,.
نتأمل,,.
والتأمل منتهى درجات الانتشاء,,.
كالإحساس العَطِش برهجة زخات المطر.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved