| القرية الالكترونية
اكتب هذا المقال في وقت قد يكون أصعب وقت تمر به اللغة العربية على مر الزمان، وعلى الرغم من مرور لغتنا الخالدة خلال خمسة عشر قرنا باختبارات قاسية لو تعرضت لها أي لغة ثانية لكانت من بقايا التاريخ، ومع ذلك فكانت تخرج من كل أزمة أصلب عودا وأشد رصانة، كما إنه لا يخالجني أدنى شك بأنها ستخرج كذلك في وقتنا الحاضر من محنة التغريب التي تتعرض لها الآن كالطود الشامخ أشد قوة وأعز نفرا.
كان أول الاختبارات التي واجهتها اللغة العربية هو احتواؤها للفكر الاسلامي في أول الدعوة الراشدة حيث أتى تشريف رب الكون لهذه اللغة بأن تكون هي لغة القرآن الكريم ولتحفظ بحفظ هذا الكتاب الخالد وكذلك لتكون لغة السنة الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم, ثم أتى بعد ذلك ما تفرع من هذين المصدرين العظيمين من بقية علوم الفكر الاسلامي النيّر كعلوم الحديث والفقه وعلوم العربية والتفسير,, الخ, وقد تمكنت اللغة العربية بأن تكون وعاء لأعظم حضارة عرفتها البشرية على مر العصور دون منازع.
الاختبار الثاني الذي مرت به اللغة العربية هو بعد الانتهاء من الفتوحات الاسلامية واستقرار الدولة الاسلامية ودخول شعوب الله المختلفة في دين الله أفواجا وكان بمقدرة هذه اللغة العظيمة احتواء كل هذه الشعوب والألسن المختلفة وصهرهم في بوتقة واحدة لدرجة أن تخرج هذه الحضارة علماء من غير العرق العربي في جميع شتى المعارف وبلسان عربي مبين والشيء المدهش حقا أن نجد من بينهم أعظم علماء اللغة العربية حتى انه اصبح من الصعب التفريق بين من هو من أصل عربي ومن هو غير عربي.
والاختبار الثالث: استطاعت اللغة العربية نقل علوم وخبرات الحضارات السابقة مثل الحضارة الفارسية والحضارة الرومانية واليونانية والهندية الى اللغة العربية وصهر كل ذلك في كيان واحد والخروج بفكر وعلوم اسلامية مميزة يصعب نسبتها لأصلها، ووصل اشعاع نور تلك الحضارة المباركة جميع أصقاع المعمورة.
أما الاختبار الرابع فهو وقوف اللغة العربية شامخة أمام غزوات التتار ومحاولتهم القضاء على الحضارة الاسلامية وطمس الفكر الاسلامي حتى أن كتب التاريخ نقلت كيف تحول لون مياه دجلة والفرات الى اللون الأسود بسبب حبر الكتب والمجلدات التي ألقيت فيهما.
وفي وقتنا الحاضر تتعرض اللغة العربية لحرب شعواء وذلك بدعوى عدم مقدرتها لنقل العلوم والتقنيات الحديثة وكونها لغة أدب وعلوم انسانية وهذه الدعوة ليست وليدة الساعة بل كانت منذ أكثر من قرن من الزمان أي منذ أواخر القرن التاسع عشر عند رجوع البعثات التعليمية من أوروبا خاصة من مصر وخروج بعض المفكرين الذين بهرهم بهرج الحضارة الغربية بدعوى كون اللغة العربية غير مؤهلة لتكون وعاء للعلوم والتقنيات الحديثة لدرجة دعوة بعضهم بتغيير رسم الحرف العربي الى الحرف اللاتيني ومنهم من دعا الى تبني اللهجات المحلية الى غير ذلك من الدعاوى التي كان هدفها سواء بقصد أو بدون قصد اضعاف اللغة العربية والتي ليس المقام هنا لنقاشها, ومن ذلك الحين حتى وقتنا الحاضر لم تخبُ نار تلك الحرب بل إنها الآن أشد أواراً خاصة بعد خروج ثورة الاتصالات والانفتاح الفضائي.
وفي الأسبوع القادم سوف نتابع هذا الموضوع الحيوي ونركز الحديث على ما تتعرض له لغة القرآن من تغريب على يد أبنائها ولنلقي الضوء على أهم الأسباب في جعل البعض يظن بأن اللغة العربية غير صالحة للعلوم الحديثة.
mmshahri@sce.org.sa
|
|
|
|
|