| الثقافية
كان الأديب يحيى المعلمي شعلة مضيئة تلمع في سماء المنتديات الفكرية في الرياض، وكنا نشنف أسماعنا بمحاضراته، وإداراته لندواتها، وبتعليقاته، فكانت ليالي الفكر تسمو بفكره، وكان يرحمه الله مدافعا عن الفصحى، داعيا إلى التعليم، ملما بالتاريخ الإسلامي، ومطلعا على تاريخ الأدب، ينظم الشعر، وكان ناقدا مبدعا، فهو من الرجال الذين يقطفون من الوان المعرفة، ويتزودون بثمار الأدب، وكلما التقيت به يكون ثالث ثلاثة في سجل الذكرى.
من العسكريين الادباء الشعراء فأولهم محمود سامي البارودي، وثانيهم مصطفى الغلابين، وثالثهم يحيى المعلمي وهو إن كان اقرب في المعرفة إلى الغلابين حيث يجمع بين الوعي اللغوي فالغلابين شاعر ومؤلف في النحو، والمعلمي عضو في مجمع اللغة العربية ويلتقي مع البارودي في نظم الشعر لكنه لا يجاريه، فهؤلاء الذين التحقوا بالعمل العسكري مع تواصل لم يقف في طريقهم العلمي والمعرفي بل استثمروا وقتهم فجمعوا بين فضيلة العمل، وفضيلة العلم، وكان لهم شأنهم الأدبي والفكري ولهم صداهم في واقع مجتمعهم.
التقيت به حين كنت ابحث عن شعر الغزاوي في صحفنا فكانت الدهشة كبيرة فقد كانت معرفتي محصورة عن المعلمي في كونه عسكريا فريقا في الامن وإذا بي أجده كاتبا مرموقا في الصحف القديمة حتى وهو لم يبلغ درجة ملازم، ومن هنا تعاطفت معه أديبا وكانت المواجهة الثانية عندما القيت محاضرة عن أحمد الغزاوي فكان هو مديرها مما اسعدني، وكانت المحاضرة مختصرة خشية الملل ولكنه مع تقدم سنه تمنى الإطالة عن هذا الشاعر وكانت الصلة قوية، فقد كتب مقالات عن رسالتي عن الغزاوي، وألقى محاضرة عنه في منتدى الشيخ عثمان الصالح.
وقد أسعدني يرحمه الله بإهداء كتبه القيمة التي تدل على سعة باعه في العلم وألوانه المختلفة، إلى جانب ثقافته المعاصرة وكتب تحفل بآرائه النقدية التي سطر جلها في كتابهعقود الجمان المتعدد الأجزاء، وتكتشف قدرته اللغوية في كتابه أخطاء مشهورة، ومناقشات لغوية
ومما زاد اعجابي بذلك الأديب عصاميته التي صحبته في مرحلة الشيخوخة فقد تألق نجمه بعد إحالته للتقاعد، واخذ يشارك في الصحافة، وينشر مؤلفاته حتى اقتنع به المفكرون في جمهورية مصر ورشحوه ليكون من اعضاء المجمع اللغوي، وله معاركه النقدية مع العمير، ومطارحاته مع الشاعر عبدالله بن خميس وكان حاضرا بفكره في سائر المتنتديات الفكرية في بلادنا تلك عصامية قليلة إلا عند نفر من الفكرين.
حتى المرض العضال لم يثنه عن مواصلة العطاء الفكري فكان يخرج من المشفى ليحضر المنتديات الليلية, فهي شفاء صدره وسعادة روحه وغذاء عقله، وجداول عطائه.
إن ارتحال الأديب يحيى المعلمي من دار الفناء إلى دار البقاء حدث يحفر الألم في صدور الكثير من الادباء والمفكرين ولكن ندعو الباري جل علاه أن يحله دارا خيرا من داره، ويقبله بقبول حسن، ويعفو عن سيئاته ويبارك في حسناته، أما عزاء أبنائه وسائر أسرته فهو مادونه في عقود الجمان:
إني وصلت مفاخري بأبٍ حاز الفخار وطاول العليا وأجاب داعية وخلفني وحديثه فكانما يحيا |
|
|
|
|
|