أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 7th September,2000العدد:10206الطبعةالاولـيالخميس 9 ,جمادى الثانية 1421

الثقافية

وغاب العالم المعلمي
عبدالرحمن بن فيصل المعمر
إن فقد الكبار رزء عظيم
ليس فقد الرعاع والأرذال

ماكدت أفيق من الأحزان على أبي حسانعبدالله الغاطي وأمسح الدموع وأصحو حتى فاجأتني طوارق الحدثان وهي تنعي رحيل علم من جيل الرواد إنه أبو عبدالله الفريق يحيى المعلمي الذي عرفته منذ سنين عبر صهره الوراق الشهير بمدينة الطائف فضيلة السيد محمد المؤيد السحني مؤسس مكتبة المؤيد يوم كانت في عصرها الذهبي مثابة لطائفة من كبار الأدباء تلتقي بها وتتخذ منها في بعض أماسي الصيف مجلساً ومتكأً يدار عليهم فيها بأكواب وأباريق وشاي وحلو سائغ للشاربين يتخلل ذلك: أحاديث وتعليقات عن بعض الكتب والمطبوعات وأفاكيه وقفشات عن أخطاء المخطوطات وتأويلها وقد ذكرت طرفاً من ذلك وطرائف في بعض ماكتبت عن أدباء راحلين منذ سنين.
ودارت الأيام واستدارت السنون وتغيرت أمور وجدت أحوال وتجددت آمال وتفرغ الفريق المعلمي من العمل الرسمي بالأمن العام, وهاتف صديقه ومستودع سره المرحوم عبدالعزيز الرفاعي يبشره بأنه سيكون أكثر مواظبة على حضور مجلس الرفاعي وندوته العظيمة بحق، وبر أبو عبدالله بوعده والتزم بعهده ولازم الندوة وصاحبها وصار يحرص على الحضور مبكراً والانصراف متأخراً ويقول:الشيخ عبدالعزيز رجل مبارك وعالم فذ وجهبذ وأنا أستفيد إذا بكرت إلى ندوته لأنها مجلس علم وفضل، لا يسمح فيها بسخف ولا تسمع بها لغواً ولا تأثيما وزاد المعلمي وامتاز عن غيره من رواد الندوة الرفاعية أنه صار يرحل إلى إسبانيا ويصطاف بها أحياناً ليتابع الشيخ الرفاعي ويغشى ندوته ويشهد جلسات الصيف في ديار الأندلس وقد حدثنا رحمه الله عن الرفاعي وندوته الأندلسية ومن يحضرها هناك, وهكذا يحرص الكبار على تقدير بعضهم وحفظ أقدارهم والتحدث عن أفضالهم وفضائلهم، الله الله هكذا هكذا وإلا فلا.
كان المرحوم الرفاعي قد أطلق لقبالفريق الأدبي على المعلمي وهو به جدير إنه فريق كامل وإن أردت دليلاً على ذلك فألق نظرة على مؤلفاته تجدها تمثل مكتبة متكاملة في الدين واللغة والأدب والتاريخ والإدارة والاجتماع والذكريات إلى غير ذلك في مختلف العلوم والمعارف.
ورحل الرفاعي وغاب، فبكت عيون واحمرت جفون وتفطرت قلوب وطالت أحزان ورأيت المعلمي في أول جلسة ضمت طائفة من رواد ندوة الرفاعي في منزل الأخ الوفي أحمد محمد باجنيد بالرياض يدعو إلى استمرار الندوة وعدم التخلي عنها والحرص على إبقاء اسمها وانتظام عقدها وأدركه شيء من الحب الصادق والعاطفة الجياشة وطاف به طيف الصديق الرفاعي فلم يستطع المغالبة فغلبه الوفاء فبكى وأبكى الحضور معه لقد شهدت تلك الجلسة المؤثرة فرحم الله الجميع وأعلى منازلهم.
إن وفاء المعلمي لعجيب والله! فبالرغم من معاناته الصحية في السنين الأخيرة تراه يحرص على تلبية كل طلب.
يستحي أن يقصده الناس ويخيب آمالهم فيحضر مناسباتهم ويواسي محتاجهم ويشفع في مطالبهم وهكذا الأخيار الكبار، الشرفاء الأوفياء، والناس معادن.
أما حبه للجلسات الأدبية والصالونات الثقافية والحرص على أخبارها وتعضيد منشئيها وتشجيع مرتاديها فحدث عن البحر ولا حرج, واسألوا إن شئتم أبا بسام الدكتور العالم راشد المبارك وندوته كان يضغط على نفسه ويصحب الأدوية معه ويسافر لحضور ندوة أو أمسية استجابة لطلب صديق أو رغبة فريق رأيته في الاحساء حيث مجالس العلم والأدب والشعر ولقيته بالطائف وسهرت معه وسمرنا وحضر منتدى الشاعر علي أبو العلا بمكة مرات عدة أما عن مجالس جدة فلا تسأل.
كان لا يكتفي بحضوره شخصياً بل يصحب معه أحياناً طائفة صالحة ورهطاً غير مفسد، من متذوقي الأدب وعشاقه، ليزيد من أعداد الحضور ويدخل السرور على قلوب أصحاب المنتدى والندوة.
وكم رافقته إلى جلسات لا تنسى في الحجاز.
كان له في ندوة الشيخ عثمان الصالح بالرياض حضور مميز فكم حاضر وناظر وتحدث وحاور فأدهش وأبدع.


إذا قال لم يترك مقالا لقائل
بملتقطات لا ترى بينها فصلا

وهكذا كان رحمه الله رغم ظروفه الصحية ومشاغله الكثيرة وهمومه الكبيرة يرى، ومعه حق فيما يرى، أن صرف الوقت والمال في سبيل الأدب الجاد المفيد شيء محبب إلى النفس، بل مستحب.


ذهاب المال في علم وفضل
ذهاب لا يقال له ذهاب

ألم أقل لكم من قبل إن الكرام قليل والكبار أصبحوا أقل الآن! بينما يتسكع بعض أدعياء الأدب ويتصعلك الأشباه في الأسواق والزوايا ويحتجون أين نذهب؟ ليس في البلد جلسات! ولا ندوات! نجد المعلمي ما آب من جلسة إلا إلى أخرى!
وإن تعجب للفريق المعلمي فعجب أمره من العامية والشعر الشعبي وإصراره وصموده وتصديه رغم قذائف الشتم والحمم والافتراء عليه بالكذب وفساد الذمم مثل ما فعلوا مع أبي راشد مرزوق بن صنيتان بن تنباك ومع كل ذلك ثبت في مواجهتهم وناوشهم من مكان بعيد.
المرحوم المعلمي والدكتور ابن تنباك كل حديث لهما أو مقابلة معهمها لا تخلو من أمرين: الشعر العامي والمجمع اللغوي وهكذا أصحاب المبادئ يصرون على الوقوف أمام الزحف على لغة القرآن.
كنت انتهز فرصة وجودي بالرياض فأمر بمكتبه في حي الملز أجلس بين يديه ساعة في الضحى نتحدث في أمور النشر وهموم الحياة فكنت ألمس منه ارتياحاً وأحس رغبة في إطالة الحديث والمذاكرة خاصة إذا اتصل الحديث بدراسته بمكة ونشأته فيها وحياة الناس والأحياء وعمد الحارات ودروس الحرم وحلقات العلماء وطلاب العلم والزملاء كان يحن إلى الماضي ويشتاق، ويحرص بانتظام على منتدى الشاعر علي أبو العلا بمكة يسأل عن البقية الباقية من رفاق الصبا وأيام الشباب وكانوا يحرصون مثله على اللقاء لتجديد العهد ببعضهم وتذكر شبابهم والتحسر على حياة البساطة والهناء والصدق والوفاء كيف وبسرعة مذهلة اختفت كل تلك المعاني الجميلة وحل محلها الجفاء والختل والمصيبة, فيا أمان الخائفين.
ماذا أكتب وماذا أدعُ عن الراحل الكريم والفقيد الكبير بعد أن هاتفني أكثر من صديق وتبادلنا العزاء، مناقبه كثيرة وجهوده كبيرة، ومن بعضها سعيه المشكور لنقل الكتب وشفاعته لدى ولاة الأمر لتيسير أمور الطباعة والنشر.
هذا المقال لم أقل فيه إلا بعض ما أعرف عن الفقيد المعلمي ولدى غيري من الذكريات معه الكثير فقد كان الفقيد رحمه الله واسع الصلات كثير الاتصالات متعدد الصداقات.


الناس اثنان ذو علم ومستمع
واع وغيرهما كاللغو والهذر


أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved